فاروق يوسف
ليست أزمة إيران ذات طابع إقليمي. لذلك لا يمكن انهاء تلك الأزمة عن طريق رضا العرب عن إيران. فالأزمة وإن كانت في واحد من وجوهها تتعلق بالعرب فإنها ليست كذلك في وجهها العام.
لقد تحولت إيران بسبب سياسات نظامها إلى ورم خبيث ضرب واحدة من أكثر مناطق العالم حيوية وصار استئصاله محتماً. ذلك ما لا يدركه للأسف بعض العرب الذين يسعون إلى لعب دور الوساطة بين إيران والولايات المتحدة من أجل نزع فتيل الأزمة.
وإذا ما كانت إيران قد سعت جاهدة عبر اعلامها إلى إشاعة وهم صراعها الطائفي مع المملكة العربية السعودية التي لم تجر إلى ذلك الصراع، فإن للولايات المتحدة أسبابها لفرض العقوبات على إيران التي ليس منها ذلك الصراع الطائفي الوهمي.
هناك الاتفاق النووي الذي عدته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجحفا وليس منصفا. ذلك الاتفاق سمح لإيران بما امتلكته من أموال وسوء رقابة بالتمدد والهيمنة على أجزاء من ذلك العالم الحيوي بالنسبة للغرب.
لقد كذبت الولايات المتحدة على العالم حين احتلت العراق عام 2003 ومرغت سمعتها في الوحل وخسرت أكثر من أربعة الاف من جنود المارينز، غير أن العراق وقد كان حصتها قد ذهب إلى الحظيرة الإيرانية بعد انسحاب جيشها منه عام 2011 تمهيدا للاتفاق النووي.
من خلال موقفها المتشدد مع إيران، لا تحاول إدارة الرئيس ترامب مجاملة العرب بل هي تسعى إلى استدراك أخطاء الإدارة السابقة التي حاولت أن تمحو عار الحرب على العراق من خلال عار تسليمه إلى إيران.
ليس هناك وجود للعرب في تلك المعادلة.
المشكلة في الأساس أميركية ــ إيرانية وليست عربية ــ إيرانية. فالعرب لم يظهروا أي عداء لإيران التي لم تبخل بإظهار كل أنواع الكراهية في اتجاههم. وهو ما لم يكن مفاجئا لهم.
كانت لإيران دائما مشكلة في مواجهة العرب الذين لم تكن لهم مشكلة معها.
تلك معادلة لا علاقة لها بالأزمة التي تعيشها إيران حاليا.
فالولايات المتحدة باعتبارها قوة عظمى لا يمكن أن تدخل حربا إلا دفاعا عن مصالحها. وهو ما يعني أنها لا تفكر بالخلافات الإقليمية. فهي في غنى عن استعمال تلك الخلافات لتأكيد حجتها في المضي في الدفاع عن مصالحها.
لا اعتقد أن العالم في حاجة إلى أن يعبر العرب عن حبه لإيران لكي يوقف حربه عليها. إيران هي الأخرى لا تحتاج إلى ذلك الحب لكي تقلل من كراهيتها للعرب من أجل تفادي الحرب.
لم تحرض المملكة العربية السعودية الولايات المتحدة على الحرب ضد إيران. تلك كذبة إيرانية بلهاء تدعو إلى السخرية تبناها بعض العرب بسبب صغر عقولهم وعدم خبرتهم في السياسة الدولية.
لا يمكن للعرب أن يتدخلوا في صناعة قرارات كبرى مثل الحرب تتخذها دولة كبرى هي الولايات المتحدة التي عُرفت بعدائها الصريح للقضايا العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين.
أسباب الولايات المتحدة في لجوئها إلى فرض العقوبات على إيران سعيا منها إلى احتوائها وانهاء هيمنتها الظلامية على المنطقة تتخطى حاجة هذا الطرف العربي أو ذاك إلى التخلص من شبح النظام الإقليمي الرث والمتخلف والمبتذل التي تسعى إيران إلى اقامته وتزعمه من خلال عصابات قطاع الطرق الذين اعتمدتهم وكلاء لها في المنطقة.
قد يكون مفاجئا أن تُعتبر الولايات المتحدة على حق. لم تكن الولايات المتحدة معنية بالحق في كل غزواتها ولكنها محقة هذه المرة. الحق إلى جانبها وهو ما يدفع معارضيها الأزليين مثل الصين وروسيا إلى عدم الاعتراض على ما تقوم به من أجل ردع إيران.
ليست إيران دولة متمردة وليست هي في صدد الدفاع عن حقها السيادي بل هي دولة تبيت الشر للعالم كله من خلال سعيها لنشر الفوضى في منطقة يحتاج إليها العالم كل لحظة.
إن أحببنا إيران أو لم نحبها. إن رضينا عنها أو غضبنا منها. فذلك لا يؤثر في المعادلات السياسية والاقتصادية العالمية التي تسعى إيران إلى تغييرها انطلاقا من طمس حقائق المنطقة والذهاب بها إلى هاوية الانحطاط والتخلف.
بغض النظر عن حبنا لإيران فإنني أجد أن الولايات المتحدة في حربها ضد إيران تدافع لأول مرة في تاريخها عن حق الدول في السيادة على أراضيها وعن حق الشعوب في استثمار ثرواتها في مشاريع البناء والتنمية من أجل أن يعم السلام العالم.