تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مولوي عبدالحميد شوكة مميتة في خاصرة خامنئي

مولوي عبدالحميد
AvaToday caption
فتح مولوي عبدالحميد، أبواب مسجده بوجه النساء غير المحجبات في عطلة النوروز 2023، ودافع عن حقوق البهائيين وحتى الملحدين والمسلمين من الشيعة، هذا يعتبر من المحرمات لدى مسؤولي النظام
posted onJuly 1, 2023
noتعليق

سافر آلاف الإيرانيين خلال عطلة عيد النوروز الماضي إلى مدينة زاهدان في بلوشستان لزيارة مولوي عبدالحميد، فتح عبدالحميد أبواب مسجده ورحب بالجميع واستقبل المنتمين لكل الجنسيات والمعتقدات والأعراق، حتى من لم يلتزم بالحجاب منهم، كما أنه لم يتبع المرشد الإيراني في إعلان عيد الفطر لعام 2023 بل كان مستقلاً في رأيه.

وفي بداية العام لم يكن هناك رجل دين في البلاد مكروهاً ومغضوب عليه من الشعب مثل المرشد علي خامنئي، وبالمقابل لم يكن هناك رجل دين محبوب من جميع الإيرانيين مثل مولوي عبدالحميد. ولهذا السبب كانت قوى الأمن التابعة للنظام الإيراني تخطط لاغتيال مولوي لأنه كان مخلصاً في دفاعه عن حقوق المواطنين الإيرانيين ومنتقداً لسياسات النظام، واللافت في الأمر أن المرشد خامنئي كان أمر بـ"نسف سمعة" مولوي عبدالحميد.  

ومن إحدى النتائج الباهرة لأحاجاجات عام 2022 هي انضمام رجال الدين السنة الإيرانيين إلى الحركة الوطنية والعلمانية الرامية لنيل الشعب الإيراني حريته، رجال الدين السنة الذين لا يؤمنون بولاية الفقيه الشيعية ولا بحكمها الطائفي ولا بسياساتها التوسعية، كانوا وقفوا إلى جانب أهل السنة في مناطقهم وانضموا إلى المحتجين سريعاً، ومن بين هذه الشخصيات كان مولوي عبدالحميد إمام جامع مكي في مدينة زاهدان أبرزهم على الإطلاق، وكذلك رجال الدين الكورد الذين شاركوا في بدايات الانتفاضة الشعبية مواقفهم مع موقف الشعب الكوردي الغاضب.

ونظراً إلى ثباته في مواقفه وتراجعه عن بعض مواقفه السابقة، منها تهنئة حركة طالبان بعد أن سيطرت على الحكم في أفغانستان ودعمه لإبراهيم رئيسي في الانتخابات الإيرانية المزيفة، أصبح مولوي عبدالحميد شخصية محبوبة بين المحتجين والمعارضين للحكومة الإيرانية، بل يتابعون مواقفه كل أسبوع، أي خطبه التي يلقيها في يوم الجمعة

بعد الحركة الاحتجاجية التي أعقبت مقتل الشابة الكوردية مهسا أميني من مدينة سقز بكوردستان إيران، أصبح مولوي عبدالحميد من أشد المعارضين للتقسيم الطبقي والتدين في الحكومة، ووجه مولوي عبدالحميد المسلمين إلى فصل الدين عن الدولة من خلال المسارات الخمسة التالية:

المسار الأول: استتباب الاستقرار والاعتراف بالتنوع الفكري والقومي (العرقي) على مستوى البلاد، ويقول في هذا الخصوص "نظراً إلى التنوع الفكري والقومي في البلاد، فإن التوجه الديني لا يحقق المساواة، وسيفشل حتماً في نهاية المطاف". 

المسار الثاني: كفاءة الحكومة، ويشير فيه عن حق إلى أن الحكومة غير فعالة بسبب تبنيها سياسات إسلاموية، ويعتقد مولوي أن الإسلام السياسي هو المسؤول عما آلت إليه أوضاع البلاد، ويقول "إن ما حدث في إيران كان بسبب التوجه المذهبي، والمذهب فرع من فروع الدين. المذهب يعني انطباع الإنسان لبعض جوانب الحياة بينما الدين أشمل وأوسع مفهوماً، وعندما أصبح التوجه المذهبي هو المهيمن في إيران، قيدت الآراء والخطط ونظرة الناس للأمور". في خطابه هذا عنون مولوي عبدالحميد الإسلام السياسي بـ"المذهب السياسي".

وأما المسار الثالث الذي طرحه مولوي عبدالحميد، هو أن هناك الصراع بين الإسلام السياسي ومفهوم الجدارة. وكما أن مولوي مطلع بشكل جيد على أبعاد ونتائج سياسات الحكومة الإيرانية المعادية للعلمانية، مؤكداً أن "الانتقائية تسببت في رفض أهلية الأشخاص وعدم وصولهم إلى المناصب العليا في البلاد. هذا ما أحدث خللاً في التوزان بين القوميات والمذاهب والأمة الإيرانية، وهو السبب الرئيس في كل المشكلات الاقتصادية والسياسية والدينية والاجتماعي في البلاد".

ومن وجهة نظر مولوي فإن جذور هذه الانتقائية في اختيار الأشخاص للمناصب تعود في المقام الأول لفكرة أيديولوجية النظام كونه يعتبر نفسه أنه ممثل الله على الأرض، ويقول إنه "لا أحد يستطيع أن يدعي أنه ممثل الله".

المسار الرابع لمولوي عبدالحميد، أنه يرفض أن يعتلي رجال الدين المناصب الحكومية وصنع القرار في البلاد، ويقول في هذا الخصوص: "لا خطباء الجمعة ولا الأئمة يستطيعون إيجاد حلول لمشكلات البلاد واحتجاجاتها بالخطب والتفسير، ولا يمكن أن تحل هذه المشكلات بواسطة المنشدين في المناسبات الدينية، بل هناك حاجة إلى العقول التي تفكر والأشخاص ذوي الخبرة والاهتمام".

والمسار الخامس: المساواة في الحقوق والمواطنة، وهذا يعني أنه يرفض أن يكون النظام يتعلق بشريحة معينة ترى نفسها متفوقة مذهبياً وسياسياً في نظام يعتبر نفسه "مقدساً"، فيقول مولوي إن "جميع الإيرانيين مواطنون في بلد واحد وهم إخوة وأخوات لبعضهم بعضاً. وأكرر أنه لا يوجد بيننا شيعة وسنة، ولا ينبغي للمسؤولين أن يقلقوا بشأن الخلافات بيننا. وحتى أفراد القوميات يرون أنفسهم اليوم على أنهم مواطنون إيرانيون وأنهم شعب واحد ورغبتهم تحقيق المساواة في الحقوق". 

منذ سنوات والنشطاء والباحثون السياسيون الإيرانيون، سواء أكانوا في الداخل أم في الخارج، يتحدثون عما يتحدث عنه مولوي عبدالحميد اليوم. إلا أن اللافت في الموضوع هو أن نسمع مفاهيم العلمانية على لسان إمام جمعة سني محبوب ليس بين البلوش فحسب، بل بين الكورد السنة والتالشيين والتربتيين أيضاً. ومن الجدير بالاهتمام أنه في الأشهر الثمانية الأخيرة التي تلت "ثورة مهسا"، أعد مولوي عبدالحميد عقول ملايين من أهل السنة في إيران وبشكل تدريجي لقبول مفاهيم العلمانية. لم يذكر العلمانية بالاسم، إلا أنه شرح وبين أبعادها تدريجاً.        

لم يدافع أي رجل دين شيعي يتمتع بموقع اجتماعي ومذهبي كما الحال بالنسبة إلى مولوي عبدالحميد، عن العلمانية (مولوي هو إمام جمعة مركز محافظة بلوشستان، ولم يعين من المرشد). وحتى رجال الدين الإصلاحيين الذين ركبوا موجة الإصلاح في إيران لثلاثة عقود - على شاكلة محمد خاتمي وموسوي خوئيني وغيرهم من أعضاء جمعية "علماء الدين المجاهدين" وأخواتها كـ "جمعية علماء وباحثي قم"، لم يدافعوا عن فصل الدين عن الدولة، لأنهم يريدون الإصلاحات من أجل بقاء الإسلام السياسي والحكم الديني وأن يعود رجال الدين إلى السلطة مجدداً، وليس من أجل المصالح الوطنية والاجتماعية. رجال الدين الإصلاحيين مثلهم مثل أقرانهم، ما زالوا يريدون أن يستمر نظام الجمهورية الإسلامية في الحكم.

وبعض رجال الدين الذين يصفهم الإصلاحيون على أنهم مراجع، لم يتحدث أي منهم عن فصل الدين عن الدولة بل كانت انتقاداتهم جزئية ولم تلامس نواة القضية. كما استغل الإصلاحيون ثورة عام 2022، للتأكيد على مطالبهم التي مر عليها ثلاثة عقود لتذكير الحكومة بأن التوترات القائمة في البلاد ناجمة عن طردهم من السلطة. وحتى حسين علي منتظري، الذي يعتبر من أشد المنتقدين للحكومة، لم يتحدث عن فصل الدين عن الدولة بل قال إن الولي الفقيه يجب أن ينتخب من المواطنين.

فتح مولوي عبدالحميد، أبواب مسجده بوجه النساء غير المحجبات في عطلة النوروز 2023، ودافع عن حقوق البهائيين وحتى الملحدين والمسلمين من الشيعة، هذا يعتبر من المحرمات لدى مسؤولي النظام، كما أنه حمل خامنئي مسؤولية قتل 100 مواطن تقريباً في مدينة زاهدان (30 سبتمبر/ أيلول 2023). وانتقد مولوي عبدالحميد إطلاق النار في الشارع وإعدام الأشخاص بتهمة "محاربة الله"، وتحدث عن التعذيب في السجون واغتصاب السجناء.

ولهذا تعرض عبدالحميد لهجمات متكررة من المسؤولين في الحكومة وأبواقها، وفي وثيقة مسربة طلب خامنئي من المسؤولين الحكوميين وأجهزة الدولة "نسف سمعته" والنيل منه وهذا ما حاولوا فعله، إلا أنهم فشلوا ولم يؤثر ذلك في شعبيته بين الإيرانيين.

لا يستطيع النظام الإيراني القضاء على مولوي عبدالحميد بسهولة وبكلفة أقل للأسباب التالية:

سيضطر النظام إلى دفع كلفة باهظة إذا ما منع الأمن إقامة الصلاة يوم الجمعة، كما سيفقد دعم الشعب البلوشي ورؤساء القبائل والعشائر البلوشية. كما سيدفع النظام كلفة باهظة إذا ما ارتكبت القوات الأمنية والشرطة في المحافظة مجزرة أخرى على غرار مجزرة الـ30 من سبتمبر (أيلول) 2022، إذ أظهر الشعب البلوشي ثباتاً في معارضته للنظام، ودعم عامة الإيرانيين للمواطنين البلوش. وبالتالي فإن فرض الإقامة الجبرية وإرهاب النفي الذي طبق على بعض من قادة المعارضة، تعتبر مخاطرة كبيرة للنظام في المناطق الحدودية، هذا في وقت تعارض فيه غالبية المواطنين الإيرانيين سياسات النظام.

لا يستطيع النظام إرغام مولوي عبدالحميد على الصمت حتى إذا اعتقل المقربين منه والمؤمنين بأفكاره، إذ اعتقلت القوات الأمنية في الأشهر الماضية كل من مولوي عبدالعزيز ومولوي عبدالمجيد مراد زهي ومولوي رخشاني ومولوي عبدالرؤوف رخشاني ومولوي أمان الله سعدي، وجميع هؤلاء أساتذة في دار العلوم في جامع مكي في زاهدان.   

وأصبح مولوي عبدالحميد شخصية محبوبة بين الإيرانيين في الداخل أو الخارج، وسر هذه الشعبية وحب الناس له يعود لتفهمه لمطالب غالبية الإيرانيين الراغبين بالحرية والعلمانية، بل تحول إلى صوتهم بوجه النظام، هذا في وقت يعد فيه عبدالحميد من رجال الدين التقليديين.