تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

المرشد عندما يسمع ما لا يسمعه

علي خامنئي
AvaToday caption
أن الأصوات المعترضة التي شهدتها شوراع طهران خصوصاً والمدن الإيرانية عموماً، خلال الانتفاضة التي اندلعت بعد مقتل الفتاة مهسا أميني على يد "شرطة الأخلاق"
posted onApril 28, 2023
noتعليق

حسن فحص

في ظاهرة غير مسبوقة في اللقاءات الدورية التي يعقدها المرشد الأعلى للنظام الإيراني علي خامنئي، كان اللقاء الذي عقده مع ممثلين عن التجمعات الطلابية في الجامعات الإيرانية خارجاً عن العادة، لما شهده من تدخلات وارتفاع أصوات بعض الطلاب مقاطعين خطاب المرشد، معبرين عن اعتراضهم وموقفهم من الفشل الذي تعانيه السلطة التنفيذية في إدارة الدولة والشأن العام والحياة اليومية للمواطنين، وظاهرة الهجرة التي تتفشى بين الشباب لانعدام الفرص وتراكم الأزمات، ومن أجل البحث عن حياة كريمة، مما يؤدي إلى خسارة البلاد طاقات إنتاجية كبيرة.

وتخضع اللقاءات التي يجريها المرشد على مختلف المستويات لأعلى معايير التدقيق في الشخصيات التي ستشارك، وحتى الكلام الذي قد يدلي به من يتم اختياره الذي بدوره يكون من بين الموثوقين لدى القيمين على مكتب المرشد ولا يشك في ولائه أو التزامه بالضوابط والمعايير التي يحددونها لطريقة الخطاب والآداب والمواقف التي ستصدر عنه. وأغلب هذه الخطابات تكون مكتوبة مسبقاً وتم وضع نسخة عنها لدى هؤلاء المسؤولين للموافقة أو إدخال تعديلات إذا لزم الأمر.

وفي اللقاءات الشعبية من النادر أن تعمد الدائرة الإعلامية في مكتب المرشد إلى نشر تفاصيل ما يتحدث به المدعوون أو الضيوف، باستثناء تلك التي يقررون خروجها إلى العلن، حتى أن الصور والأفلام التي تخرج عن جميع اللقاءات تخضع لمراقبة شديدة والتزام ببتروتوكولات خاصة بالمكتب، إذ حدث في إحدى المرات أن اضطر أحد الضيوف الأجانب إلى ترك الجلسة الختامية مع المرشد في مكتبه للحاق بموعد الطائرة التي سيغادر على متنها، مما أجبر الدائرة المعنية على عدم إظهار هذا الخلل وإعادة إنتاج اللقاء بطريقة تخفيه.

اللقاء الأخير الذي جمع المرشد مع ممثلي التجمعات الطلابية في الجامعات، يبدو أنه خرج عن المرسوم والتقاليد والضوابط المتبعة، فهي المرة الأولى التي يحصل فيها أن تتم مقاطعة المرشد أثناء كلامه، مما أجبره على سماع كلام من خارج ما هو مقرر أن يسمعه، وقد ظهر حجم الانزعاج جلياً على وجه المرشد الذي بادر إلى توجيه الكلام للطالب المعترض بأن المساجلة الثنائية لا توصل إلى نتيجة، ونقل الكلام باتجاه آخر استخدم فيه موفقاً عالياً ومتشدداً من موضوع الدعوة إلى إجراء استفتاء شعبي حول رأي الشعب في السياسات الداخلية والخارجية، في أعنف هجوم على الرئيس السابق حسن روحاني، صاحب الدعوة، من دون أن يسميه.

لا شك في أن الأصوات المعترضة التي شهدتها شوراع طهران خصوصاً والمدن الإيرانية عموماً، خلال الانتفاضة التي اندلعت بعد مقتل الفتاة مهسا أميني على يد "شرطة الأخلاق"، التي أسقط فيها الشباب كل الحواجز والمحاذير والخطوط الحمراء في توجيه الانتقاد إلى المرشد واتهامه بالديكتاتورية والفشل في إدارة البلاد وفرض الرأي الواحد والحزب الواحد والتيار الواحد، وإقصاء القوى والأحزاب الأخرى واستخدام القمع والسجن والتعذيب بحق كل المعترضين وأصحاب الرأي المعارض أو المختلف، لا شك أن تردداتها وصلت إلى مسامعه ونقلها له مقربون منه، أو نتيجة حرصه على متابعة كل التفاصيل والتقارير السرية التي تصل إليه التي يبني عليها موافقه وسياساته في التعامل مع التطورات الداخلية والعلاقة مع القوى الإيرانية بمختلف توجهاتها وانتماءاتها.

الخرق الذي حصل في لقاء المرشد مع طلاب مختارين جاء من خارج السياق الطبيعي الذي يفسح المجال لإسماع المرشد وبالتنسيق معه، بعض المواقف حول الأزمات الداخلية التي تعيشها إيران أو جانب من العجز أو الفشل الذي يسيطر على عمل السلطة التنفيذية والحكومة في إدارة مختلف الشؤون الحياتية، إلا أن الحادثة الأخيرة أخرجت المرشد عن المسار الطبيعي لخطابه، وفي محاولة تسويغية للمستوى العالي الاعتراضي على أداء الحكومة والمنظومة، اضطر إلى العودة للبدايات والاستشهاد بموقف للمؤسس الخميني في رده على انقادات أحد الاشخاص وقوله "إن ادارة الدولة أمر صعب".

وبناء على ما جاء في ندوة عقدت في طهران قبل أسبوعين بمشاركة مهدي نصيري رئيس التحرير السابق لجريدة "كيهان" الرسمية المقربة من المرشد، الذي رفع السقف كثيراً عندما اتهم خامنئي بالتدخل في كل التفاصيل لإدارة الدولة والنظام، وأن حجم تدخله وصل إلى الموظفين العاديين وليس فقط الصفوف الأولى في الدولة والمؤسسات. وعليه فإن الآلية المتبعة في تعامل المرشد وتعاطيه مع ملفات الدولة والسياسة الداخلية وآلياتها هي محاولة للتأكيد على عدم مسؤوليته، وأنه يحرص دائماً على تقديم النصح والمخارج للدولة والإدارات والمسؤولين حول كيفية معالجة الأزمات وضرورة العمل على حل المشكلات والعقبات التي تعترض العملية الإنمائية، وأيضاً وجوب توظيف كل الطاقات لعبور العقوبات الدولية بناء على القدرة الذاتية والمصادر الداخلية من ناحية واعتماد سياسة الانفتاح على الدول الصديقة والمستعدة للتعامل من دون الخوف من الموقف الأميركي.

هذه المواقف التي يطلقها المرشد في لقاءاته مع مختلف المستويات الإيرانية السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية تسمح له بحفظ خط العودة وإبعاد المسؤولية المباشرة عنه، وتحمليها للقيمين على تنفيذ الخطط العامة للدولة والنظام في الدولة والسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. وفي هذا السياق فإن تكليف أشخاص للحديث بشكل صريح واتهام الدولة بالتقصير والفشل وتحييد المرشد، يدخل في إطار هذه الاستراتيجية بما يحافظ على موقع الإرشاد بعيداً من النقد وتحميله المسؤولية، وهي استراتيجية بدأت بالتفكك والتراخي في السنوات الأخيرة بعدما كسر الشارع والرأي العام الشعبي المحلي وفي الخارج أو البعيد من أذرع النظام وأجهزته كل محاولات توجيهه وتأطيره وكل الخطوط الحمراءـ وانتقل إلى اتهام المرشد مباشرة، باعتبار أن من يتولون المسؤوليات وإدارة الدولة ليسوا سوى ممثلين عنه ويخضعون لإشرافه المباشر، وهو من يختارهم ويعينهم سواء مباشرة أو عبر صناديق الاقتراع.