تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

أين تقف طهران إزاء تقارب بين أنقرة ودمشق؟

بوتين ورئيسي وأردوغان
AvaToday caption
تعتبر إيران إلى جانب تركيا أحد الدول الفاعلة في مسار "أستانة السوري"، بالإضافة إلى روسيا، وعلى مدى الأسابيع الماضية كانت قد دعت إلى ضرورة إعادة العلاقات بين تركيا والنظام السوري
posted onAugust 22, 2022
noتعليق

أعطت معظم تصريحات المسؤولين الأتراك الكبار، خلال الأيام الماضية، مؤشرا على أن المسار الجديد المتعلق بسوريا وطبيعة العلاقة مع النظام السوري "روسيٌ بامتياز"، بمعنى أنه يتم بالتنسيق مع موسكو بشكل أساسي، وبدفع منها أيضا.

وتعتبر روسيا إحدى أبرز حلفاء النظام السوري، ولها اليد الطولى في الملف السوري، لكن هناك إيران أيضا، والتي ورغم انخراطها في "خط أنقرة – دمشق"، مؤخرا، ودعواتها إلى تجديد العلاقة بين تركيا والنظام السوري، إلا أن اسمها "خَفت"، بعدما شهد المسار المذكور، منذ بداية الأسبوع الماضي، تطورات غير مسبوقة.

وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان آخر المسؤولين الكبار الذين كشفوا عن توجه أنقرة الجديد حيال الملف السوري، ونظام الأسد أيضا، وبينما قال إن "إسقاط الأسد لم يعد هدفا لبلاده"، أعلن عدم "استبعاد الحوار والدبلوماسية" مع دمشق.

وتحدث إردوغان في تصريحاته، الجمعة، عن الكثير من القضايا الخاصة ببلاده في سوريا، حيث حملت كلماته "تحولا بارزا"، ورسمت مشهدا، ملخصه بأن المرحلة المقبلة ستكون "بالتنسيق مع روسيا"، سواء من الناحية السياسية أو من زاوية "مكافحة الإرهاب"، وتهديدات "الميدان".

كما فُهم من كلماته أن "تركيا تنسق العملية الجديدة الخاصة بسوريا عن كثب مع روسيا"، وأنه من المهم أن تدخل إيران في هذا الموضوع، لكن "إدارة طهران مترددة".

وقال الرئيس التركي: "نحن بحاجة إلى تأمين المزيد من الخطوات مع سوريا. من خلال اتخاذ هذه الخطوات، سنقوم بتعطيل العديد من الألعاب في المنطقة بأسرها".

ومن ناحية أخرى، أكد استمرار المباحثات مع روسيا بشأن "مكافحة الإرهاب" في سوريا، ردا على سؤال فيما إذا طرأ تغيير على موقف موسكو حيال تنظيم "حزب العمال" و"وحدات حماية الشعب" الكوردية، وحديث مصادر ووسائل إعلام مقربة من التنظيم عن "غدر روسيا بهم" في معرض تعليقهم على العملية العسكرية التركية المحتملة.

وأضاف إردوغان أن "تركيا تتواصل مع روسيا في كل خطوة بشأن سوريا"، مؤكدا استمرار المباحثات معها على مختلف الأصعدة بخصوص مكافحة الإرهاب، لكنه تابع مستدركا: "كنا نتمنى لو أن نقوم بتلك الأعمال هناك بشكل أكثر فاعلية مع إيران أيضا، لكن ذلك لم يحدث".

وفي أول موقف من جانبها بعدما اكتسبت النقاشات المتعلقة بعلاقة أنقرة بدمشق بعدا جديدا عقب كلمات إردوغان رحبت إيران بالتصريحات التركية ووصفتها "بالمشجعة"، فيما دعت أنقرة إلى "تصحيح وجهة نظرها بشأن التطورات في سوريا".

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني للصحفيين، الاثنين، إن "طهران تعتقد أن على تركيا أن تصحح سياساتها تجاه سوريا، وأن تلعب دورا إيجابيا في المنطقة".

وأضاف، حسب ما نقلت وكالة "تسنيم": "نأمل أن نشهد إعادة ترميم للعلاقات بين أنقرة ودمشق بما يخدم مصلحة الشعبين والاستقرار في المنطقة"، مشيرا إلى أن إيران أجرت مفاوضات مع تركيا بشأن سوريا، سواء في اجتماعات ثنائية مع المسؤولين الأتراك، أو في إطار صيغة "أستانة".

وتعتبر إيران إلى جانب تركيا أحد الدول الفاعلة في مسار "أستانة السوري"، بالإضافة إلى روسيا، وعلى مدى الأسابيع الماضية كانت قد دعت إلى ضرورة إعادة العلاقات بين تركيا والنظام السوري، فيما أبدت لعب دور "الوساطة".

ورغم نبرتها الإيجابية المتعلقة بـ"العلاقة بين سوريا وتركيا"، إلا أنها عارضت بشدة في المقابل، ولأكثر من مرة، أي عملية عسكرية قد يقدم عليها الجيش التركي في شمالي البلاد.

حميد رضا عزيزي، وهو باحث إيراني في السياسة الخارجية الإيرانية والأمن في الشرق الأوسط يؤكد أنه "وبغض النظر عن مدى دور إيران الفعلي في التطبيع المحتمل بين الأسد وتركيا، فإن طهران ترحب بمثل هذه النتيجة".

وفي الواقع، كان هذا هو الموقف الرسمي لإيران منذ فترة طويلة، و"هو أن مخاوف تركيا الأمنية في سوريا لا يمكن معالجتها إلا من خلال الحوار مع دمشق".

ومرارا وتكرارا أشار المسؤولون الإيرانيون أيضا إلى "اتفاقية أضنة" كأساس لحل القضايا بين دمشق وأنقرة.

أضاف عزيزي "هدف إيران هنا واضح: منع عملية عسكرية تركية جديدة في سوريا وتعزيز شرعية الأسد والقبول الدولي".

وكان وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، قد زار أنقرة ودمشق، الشهر الماضي، في محاولة للتوصل إلى حل وسط. كما أثيرت القضية عندما التقى القادة الإيرانيون والروس والأتراك في قمة "أستانة" في طهران.

ومع ذلك يرى الباحث عزيزي أن "قدرات إيران الفعلية للتوسط في التقارب بين الأسد وإردوغان محدودة مقارنة بروسيا".

وتابع قائلا إن "القضية الرئيسية هنا هي أن أي صفقة بين أنقرة والأسد يجب أن تنطوي على تقييد الميليشيات الكوردية في سوريا، وإلا فلن تكون بداية بالنسبة لتركيا".

ويوضح الباحث الإيراني: "في الواقع، تتمتع إيران بنفوذ كافٍ في دمشق لإقناع الأسد بالتوصل إلى حل وسط، لكنها تفتقر إلى أي نفوذ على الكورد السوريين. وهنا تكمن أهمية دور موسكو، حيث أن للروس نفوذا بين الكورد أيضا".

وكان الدور الإيراني وطبيعته في أي تقارب محتمل بين أنقرة ودمشق قد لاقى تغطية واسعة من جانب الصحفيين والمحللين المقربين من الحكومة، قبل وبعد تصريحات إردوغان الأخيرة.

مراد يشلتاش، وهو باحث في مركز "سيتا" المقرب من الحكومة، نشر مقالا، السبت، بحث فيه المسار الذي قد تشهده العلاقة بين تركيا والنظام السوري"، مؤكدا أن "هذه العملية بدأت، وسيكون لروسيا تأثير كبير على إدارة الأسد. وستواصل الضغط".

لكنه أضاف متسائلا: "دعونا نرى كيف ستستجيب طهران لهذه العملية".

وذلك ما أشار إليه أيضا المحلل الأمني والعسكري، يوسف ألاباردا، قبل يوم من التصريحات الصحفية للرئيس التركي، إذ قال: "يبدو أن موضوع اللقاء مع الأسد، الذي اكتسب زخما بعد زيارة الرئيس إردوغان إلى سوتشي في الأسابيع الماضية، جاء نتيجة ضغوط مارستها روسيا على الأسد. سنرى معا في الأيام المقبلة مقدار النتيجة التي سيحققها هذا الضغط بدون الساق الإيرانية".

وأضاف: "حتى لو وافق الأسد والوفد المرافق له على هذه القضية بضغط من روسيا، فهل هناك احتمال أن توافق إيران على هذا الموضوع؟"، مشككا بنوايا طهران المتعلقة بما يحصل على الجغرافيا السورية.

ويقول باكير أتاجان، مدير "معهد إسطنبول للفكر" إن "إيران تريد أن يكون هناك علاقة جديدة بين النظام السوري وتركيا، لكن بدون القضاء على حزب العمال الكوردستاني وقوات سوريا الديمقراطية. هذه نقطة خلاف ليست بجديدة".

ويضيف أتاجان لقناة "الحرة" الأميركية: "إيران لديها هذا الحاجز منذ زمن، ولها روابط كثيرة مع حزب العمال وقسد. حتى أن طهران تعتبر أكبر رابط بين النظام السوري وقسد"، حسب تعبيره.

ويعتبر إنهاء ملف "حزب العمال" وتفكيك "الوحدات الكوردية"، أحد أبرز الملفات التي قد تظهر في حال اتجهت أنقرة ودمشق لتسوية علاقاتهما، كما أن هناك ملف آخر يتعلق بعودة اللاجئين، والضمانات التي "يجب أن يقدمها الأسد لهم".

ويوضح أتاجان: "هذان الملفان لهما الدور الأكبر لحماية الأمن القومي التركي. الشعب السوري بكامله يشكل العمق الاستراتيجي لتركيا، بينما تشكل قسد التهديد المباشر".

واعتبر الباحث التركي أن "إيران من مصلحتها تأسيس حكومة ذاتية في شمال وشرق سوريا، بينما تعارض أي عودة للاجئين السوريين إلى ديارهم، كون هذه الخطوة ستشكل خطرا على السياسة التي عملت عليها خلال السنوات الماضية".

ويتابع: "من مصلحتها غياب السلام وألا يعود السوريون وأن تبقى سوريا مهددة للاستفادة من الفوضى الموجودة هناك. هذه الفوضى تصب في صالح طهران".

وبالاستناد إلى تصريحات إردوغان الأخيرة يبدو أن موسكو "أكثر انفتاحا" على إعطاء الضوء الأخضر لأنقرة لإجراء عملية عسكرية محدودة في شمال سوريا، حسب الباحث الإيراني، حميد رضا عزيزي.

في المقابل، يضيف الباحث: "كانت إيران ثابتة في معارضة مثل هذه الخطوة. لذلك، قد تتصور صفقة بوساطة روسية استمرار الوجود العسكري للقوات التركية في شمال سوريا - على المدى القصير على الأقل - بينما ترى إيران انسحاب القوات التركية كشرط ضروري للتوصل إلى اتفاق".

وحتى الآن لا توجد خطوط واضحة من شأن أنقرة ودمشق أن تمضي من خلالها، كخارطة طريق لإعادة العلاقات، المتوترة منذ سنوات طويلة.

لكن صحف تركية كانت قد استعرضت "خطوطا عريضة"، مشيرة إلى أن مسار العودة، سيكون محكوما بأربعة ملفات: التهديدات على طول الحدود الشمالية لسوريا وملف "حزب العمال" و"قسد"، ملف اللاجئين، الحل السياسي في سوريا بموجب قرار مجلس الأمن 2254، عودة اللاجئين والضمانات الخاصة بهم.

ويبدو واضحا، حسب الباحث المختص بالشأن التركي، طه عودة أوغلو، أن "طهران تتعاطى بحذر شديد حيال تصريحات كبار المسؤولين الأتراك، والتي كان آخرها تصريح الرئيس إردوغان، الذي عكس تغيرا في مقاربة أنقرة مع علاقاتها مع نظام دمشق".

لكن تصريحات الناطق باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، الجديدة بشأن الموقف التركي من تطبيع العلاقة مع النظام السوري، والتي أعرب فيها عن مضض عن أمله بعودة العلاقات البناءة بين أنقرة ودمشق  "تشير إلى القلق الإيراني من الخطوات التركية القادمة في الملف السوري".

ويرى عودة أوغلو في حديث صحفي أن "أكثر ما يزعج الإيرانيين في التطورات الجارية على خط أنقرة-دمشق أنها جاءت بعد قمة سوتشي، ويبدو أنها بالتنسيق مع الروس".

ويجري وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، زيارة إلى موسكو، الاثنين، في خطوة تتزامن مع ما يعلنه المسؤولون الأتراك، وما أشاروا إليه بالنسبة للتنسيق الحاصل مع روسيا.

ومن المقرر، حسب الباحث التركي أن "يعتزم إردوغان إجراء مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين"، معتبرا بالقول: "المعلن أنها ستناقش الوضع بمحطة زابوريجيا النووية والأزمة الأوكرانية، بينما غير المعلن هو أنها ستناقش الوضع السوري، ومسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري".