تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الصدر والمشروع الايراني في العراق

المواطن خدع بشعارات الصدر
AvaToday caption
الصدر وتياره اصحاب سوابق في اجهاض اي تحرّك جماهيري يهدّد سلطة المحاصصة الطائفية القومية، فالصدر على سبيل المثال تحدّى السلطة في عقر منطقتها الخضراء واقام خيمته هناك، ودخل اتباعه البرلمان قبل ان يرفع خيمته ويعود اتباعه الى حياة بؤسهم في مدينتهم الاكثر بؤسا منهم! وتياره كان اليد الايرانيّة الضاربة في قمع انتفاضة تشرين الخالدة
posted onJune 26, 2022
noتعليق

زكي رضا

قد يبدو للبعض من انّ المالكي او العامري هما الورقتان الايرانيتان الرابحتان في نجاح المشروع الايراني بالعراق، لكننا لو تابعنا السيد مقتدى الصدر وخطّه السياسي البياني لاكتشفنا من انّه الجوكر في شدّة الورق الايرانية، وهو من يجعل الهيمنة الايرانية على العراق واقع حال صعب تغييره.

الصدر كما غيره يرفع شعار الاصلاح وليس الشعار الاهم وهو التغيير، ولو وافقنا الصدر او غيره شعارهم في تنفيذ هذا المطلب المهم، فما هي السبل لبدء وتنفيذ هذا الاصلاح المزعوم؟ نظريا وعمليا لا يمكن البدء وتنفيذ مشروع الاصلاح من ازقّة الحنّانة بشكل فردي، بل من اروقة السياسة في المنطقة الخضراء ببغداد حيث السلطات الثلاث. فالإصلاح الذي ينتظره شعبنا يبدا من البرلمان، الذي يراقب اعضاءه عمل السلطة التنفيذية. والبرلمان نفسه هو من يعيّن رئيس السلطة التنفيذية. اذن فالتواجد البرلماني هو حجر الاساس في البدء بالإصلاحات وان بشكل تدريجي، استنادا الى ثقل البرلمانيين ودورهم في البرلمان.

الاحداث السياسية الاخيرة وانسحاب نوّاب الكتلة الصدريّة من البرلمان، تعني امرين اثنين. اولّهما هو عدم امكانيّة الصدر والصدريين من تنفيذ مشروعهم الاصلاحي، كون تنفيذ هذا المشروع بحاجة الى نوّاب يعملون على تشريع قوانين للحدّ من ظواهر الفساد والجريمة المنظمّة في وزارات وادارات الدولة التي ينخرها فساد لا مثيل له في العالم كلّه تقريبا. والامر الثاني بعد انسحاب الصدريين من البرلمان هو غيابهم عن السلطة التنفيذية، وهذا يعني فسح المجال للقوى التي يدّعي الصدريون مناوئتها لأخذ المبادرة في تشكيل الحكومة، والتي لن تخرج مطلقا عن نهج المحاصصة الطائفية القومية. وهذا يعني عدم امكانية الصدر وتياره تحقيق مشروعهم الاصلاحي، هذا المشروع الذي صوّت عليه ملايين الصدريين في الانتخابات الاخيرة قبل ان يسرق الصدر اصواتهم ويمنحها للبيت الشيعي على طبق من ذهب! واذا افترضنا انّ الصدر صاحب مشروع تغيير وليس اصلاح، وهذا المشروع بالحقيقة هو الحل الوحيد لإعادة العافية لوطن مدمّر وشعب يعيش في مقبرة كبيرة اسمها العراق. فانّ ما ذكرناه اعلاه حول غياب النواب الصدريين عن البرلمان يتكرر هنا في عجز الصدر عن المضي قدما في عملية التغيير، هذا ان كان الصدر من المؤمنين بالتغيير حقّا.

لو افترضنا انّ الصدر يعوّل بعد اوامره لنوّاب كتلته بتقديم استقالاتهم من البرلمان، على قوّته في الشارع لتحشيد اتباعه في تظاهرات مليونيّة لإسقاط العمليّة السياسيّة وبنائها على اسس وطنيّة من جديد كما يقول دوما، فهل ستشارك جماهير انتفاضة تشرين وغيرهم الصدريين في سعيهم هذا!؟ الضغط الجماهيري الواسع والمستمر اي غير الموسمي، وممارسة اشكال نضال غير التي استخدمت لليوم في مواجهة سلطة الفساد، كالعصيان المدني والاضرابات العمّالية والطلّابية والمهنيّة، تعتبر من انجع الوسائل للتغيير الحقيقي. لكنّ السؤال المهم هنا هو، من يملك الثقة بالصدر والصدريين ليشاركهم تظاهراتهم واضراباتهم!؟

الصدر وتياره اصحاب سوابق في اجهاض اي تحرّك جماهيري يهدّد سلطة المحاصصة الطائفية القومية، فالصدر على سبيل المثال تحدّى السلطة في عقر منطقتها الخضراء واقام خيمته هناك، ودخل اتباعه البرلمان قبل ان يرفع خيمته ويعود اتباعه الى حياة بؤسهم في مدينتهم الاكثر بؤسا منهم! وتياره كان اليد الايرانيّة الضاربة في قمع انتفاضة تشرين الخالدة، بعد ان قتل الصدريون العشرات من المنتفضات والمنتفضين في المطعم التركي وكراج السنك وساحة الصدرين في النجف وغيرها من مدن وبلدات الجنوب الشيعي الثائر.

نجاح المشروع الايراني بحاجة الى استمرار نهج المحاصصة وهيمنة البيت الشيعي على القرار السياسي من خلال منصب رئاسة الوزراء، والذي يراد له ان يبقى داخل اسوار هذا البيت. لكنّ مقاطعة الجماهير للانتخابات والذي يزداد كل دورة انتخابية عن التي قبلها، واستمرار فساد السلطة ونهبها للمال العام، وعدم ايجاد حلول لمشاكل الناس ومطالبهم، واستمرار تخلّف قطّاع الخدمات والكهرباء وبقيّة القطاعات الاخرى التي هي على تماس مباشر مع حاجات الناس اليوميّة افقدهم ثقتهم بالبيت الشيعي وساسته، كما افقد ثقتهم ببقيّة قوى المحاصصة الاخرى. ولانّ ايران بحاجة الى نخب سياسيّة بعينها كما ساسة حزب الدعوة وزعماء فيلق بدر وبقيّة زعماء الميليشيات المرتبطة بطهران لتنفيذ مشروعها بالبلاد، ولعدم شعبيتهم في الشارع العراقي وهذا ما لمسناه من نتائج الانتخابات الاخيرة والتي عاقبهم الناخبون فيها، فانّ الايرانيين يلجأون للصدر في تأهيل هؤلاء الساسة لتشكل الحكومة واستمرار مسلسل الفساد والنهب، وترسيخ المشروع الايراني المناهض لتطلعات شعبنا للحياة بكرامة، كيف؟

بدا الصدر بالتغريد خارج البيت الشيعي رافعا شعاراته حول الاصلاح ومحاربة الفساد والفاسدين وتقديمهم للمحاكمة ويعني بهم عدد من قادة البيت الشيعي لبناء نظام جديد لا نعرف لليوم ماهيّته، وحثّ اتباعه للتصويت بكثافة لصالح كتلته وبرنامجه هو. وما ان انتهت الانتخابات وفاز تيّاره بأغلبية مقاعد البرلمان حتى بدا بتنفيذ المطالب الايرانيّة الداعية لتشكيل حكومة تكون القوى السياسية الشيعية ذوات الاذرع الميليشياوية على راسها، عن طريق انسحاب نوّابه من البرلمان وتعويضهم بنوّاب اخرين غالبيتهم العظمى من كتلة المالكي الذي يدّعي الصدر معاداته، وكتلة فيلق بدر وبقية القوى الميليشياوية. وهنا تكون ايران قد شكلّت الحكومة العراقيّة الجديدة كعادتها، عن طريق ورقة الجوكر التي عندها، اي مقتدى الصدر.

التغيير لا يأتي عن طريق مقتدى الصدر ولا من الحنّانة، بل يأتي من رحم انتفاضة تشرين وشعارها "نريد وطن"، وليكن هذا الوطن للجميع. التغيير يأتي من جماهير بغداد ومدن وبلدات العراق التي دمرتها الحروب والفساد. انّ السلطة والصدريين بكلّ جرائمهم وقسوتهم لم يقتلوا الانتفاضة، بل اجلّوا عن طريق قمعهم وقتلهم للمئات من المنتفضات والمنتفضين مشروعها في التغيير الشامل للسلطة ونهجها الكارثي.