تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مأساة إنسانية في أفغانستان

أفغانستان
AvaToday caption
تداعت الحالة الاقتصادية في ظل حكم طالبان، وسرعان ما تحول كثيرون ممن كانوا يوصفون بأنهم أصحاب أموال، أو أنهم من الطبقى المتوسطة، إلى طريق الفقر
posted onApril 19, 2022
noتعليق

حين طوق مقاتلو طالبان مدينة هرات في أغسطس الماضي، كان غول محمد، محاصرا من قبل دائنين أقرضوه ليستطيع شراء الغذاء والدواء، وطالبوه بالسداد قبل سقوط المدينة.

وبعدما أعيته الحيل وعجز عن الدفع، اتفق محمد وزوجته على حل، بحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".

لم يخبر الزوجان، ابنهما، خليل أحمد، البالغ من العمر 15 عاما، عن سبب نقله من منزلهم الطيني في الأكواخ إلى مستشفى قريب.

وهناك، وضع الأطباء الطفل تحت التخدير. ثم أزالوا كليته.. باعها والده محمد بـ4500 دولار، وهو مبلغ يكفي لتغطية ما عليه من ديون.

في ظل وضع بائس، بات الأفغان يلجؤون إلى تدابير يائسة بشكل متزايد للنجاة من أزمة إنسانية غير مسبوقة، حيث تضاعفت أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الدقيق والزيت منذ إطاحة طالبان بالحكومة المدعومة من الولايات المتحدة، وشلل جزء كبير من الاقتصاد بينما جمد المجتمع الدولي الأصول الأجنبية لأفغانستان، وفرض عقوبات وأوقف معظم المساعدات.

ووفقا للأمم المتحدة، فإن 95 في المئة من السكان لا يحصلون على ما يكفي من الطعام، ويواجه أكثر من نصف سكان البلاد، البالغ عددهم 39 مليون نسمة، حاليا أزمة جوع شديدة.

ورغم أن عمليات إزالة الكلى نشاط غير قانوني في أفغانستان، توجد مستشفيات في المدينة تجري تلك العمليات وتجذب الأفغان من جميع أنحاء البلاد، حيث تجرى من 15 إلى 20 عملية في الشهر، في حين يغض المسؤولون الطرف عن نشاط شراء وبيع الأعضاء.

وخلال الأشهر الستة الأخيرة بعد سيطرة طالبان، "زاد عدد طلبات زرع الكلى بشكل كبير"، بحسب مدير أحد المستشفيات التي تقدم هذه الجراحة في هيرات لصحيفة "وول ستريت جورنال"، مشيرا إلى أن 12 شخصا موجودون حاليا في المستشفى، قدموا من مقاطعات أخرى، من أجل الخضوع لتلك العملية

وقال "الجميع يتلقى المال مقابل الأعضاء، يتقاضى المستشفى نفسه حوالي 4600 دولار للجراحة و1500 دولار للأدوية".

وبات العثور على بائع للكلى أمرا سهلا في أفغانستان، بل يتم لصق إعلانات عن تجارة الأعضاء على الجدران وأعمدة الإنارة في هرات ومدن أخرى، ويوزع وسطاء بطاقات تعرض على المشترين الاتصال بالبائعين.

لكن محمد، وجد مشتريا لكلية ابنه خليل، عبر أحد أقاربه.

وعمل محمد لسنوات عاملا للبناء، ولكن مع توقفه عن العمل، راح يشترى الطعام من أصحاب المتاجر بالدين، واقترض نقودا من الجيران لإطعام زوجته وأطفاله الـ12.

وبينما كانت طالبان تستعد للهجوم على هرات، كان دائنوه يطرقون بابه يوميا. وذات يوم وضعوه في سيارتهم، وهددوه بأنهم سيأخذون ابنه نهائيا إذا لم يدفع.

فكر محمد وزوجته في الحل المؤلم: يمكن بيع عضو بدلا من أن يبيعوا طفلا. فكرا في بيع كليتهما هما أولا، لكنهما كانا غير لائقين صحيا. فالرجل يعاني من حصوات في الكلى وزوجته مصابة بداء السكري.

وكان ابنهما الأكبر يكسب ما يصل إلى ثلاثة دولارات في اليوم من خلال جمع البلاستيك لإعادة التدوير، لذلك لم يريدا أن يفقدا حصيلة عمله، فوقع الاختيار على ابنهما الثاني خليل.

يقول محمد: "بكيت كثيرا في الليلة التي اتخذنا فيها القرار. لا يوجد أب في العالم يريد بيع كلية ابنه".

عرض المشتري ما يقرب من 4500 دولار مقابل كلية خليل.

لم يكن لدى محمد الجرأة ليأخذ ابنه بيديه إلى المستشفى لنزع كليته، فأرسل عم الطفل بدلا منه.

لكن خليل بات، عقب العملية الجراحية، يتألم كثيرا، ولم يعد يستطع اللعب مع أصدقائه كما كان قبلها.

يقول الطفل، وهو يجلس على أرضية منزل والديه الطينية، بينما أشقاؤه يلعبون بصخب في الخارج: "بعد العملية أصبحت ضعيفا، لا أستطيع المشي أو الركض مثلما كنت أفعل سابقا".

واعترف المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، بأن هناك من يبيعون أعضائهم بدافع اليأس: "يعاني شعبنا قدرا هائلا من المشكلات"، لكنه اتهم "المهربين الدوليين" بالوقوف وراء تجارة الكلى في هرات، وقال إن حكومته تبذل قصارى جهدها لمنعها.

لكنه أضاف أن "الحكومة وحدها لا تستطيع أن تتعامل مع كل هذه المشكلات، على المجتمع الدولي أن يساعدنا".

وتداعت الحالة الاقتصادية في ظل حكم طالبان، وسرعان ما تحول كثيرون ممن كانوا يوصفون بأنهم أصحاب أموال، أو أنهم من الطبقى المتوسطة، إلى طريق الفقر.

وتقول شارلوت سلينتي، الأمينة العامة للمجلس الدنماركي للاجئين، وهي وكالة إغاثية في العاصمة الأفغانية، كابول، إن "الطبقة الوسطى تختفي يوما بعد يوم، أصبح الكثيرون يسقطون في براثن الفقر ويحتاجون إلى المساعدة كما لم يحتاجوها من قبل".

ولمدة عقد من الزمان، امتلك عبد السلام شركة متوسطة الحجم، حيث كان يستورد الوقود والمواد الغذائية من إيران، ولديه تعاقدات مع الحكومة.

ولكن، عندما أطيح بالحكومة في أغسطس، ترك عبد السلام مدفوعات ضخمة غير مسددة وعملا منهارا، وكان مدينا بما يقرب من ستة ملايين دولار لمورديه. وقال إنه بعد بيع جميع سياراته وممتلكاته، بقي عليه ديون تقدر بـ70 ألف دولار داخل أفغانستان، وكان مدينا بـ 300 ألف دولار للتجار الإيرانيين.

وبعد أن كان ينفق عبد السلام ما يعادل 575 دولارا، في ليلة واحدة بات يقول: "ليس لدي هذا المبلغ حاليا في بيتي".

وقال إنه لم يتمكن من العثور على عمل تحت حكم طالبان، التي اختطفته ذات مرة على الطريق السريع حيث تم تعذيبه كعقاب على تعاقده مع الحكومة السابقة المدعومة من الغرب، بالرغم من إعلان الحركة سابقا أنها أصدرت  عفوا عن من تعامل مع الحكومة السابقة.

في الآونة الأخيرة، اتصل عبد السلام باثنين من مشتري الكلى المحتملين، بهدف جني أموال كافية لمغادرة أفغانستان مع زوجته.

وحتى بالنسبة لأفقر العائلات الأفغانية، يمكن أن تصبح أقل صدمة اقتصادية كارثة ووبالا عليهم.

نازانين، أم لخمسة أطفال، في أواخر العشرينيات من عمرها، كانت تكسب أقل من دولار واحد في اليوم من غسيل الملابس للعائلات المحيطة، وزوجها محمد، المدمن على الأفيون، غير قادر على العمل، في حين يكسب ابنهما البالغ من العمر 12 عاما، المصاب بضعف في النطق، حوالي 50 سنتا في اليوم من جمع القمامة.

كان الزوجان مدينان بألف دولار لأصحاب المتاجر المحليين، خاصة بعد أن أصيبت الأسرة بأكملها، بما في ذلك والد محمد المسن، بفيروس كورونا، مما زاد من النفقات، ثم توفي والده، فكان عليهما تحمل تكاليف الجنازة، التي لم يستطيعا توفيرها، فأصبحت دينا عليهم.

قال محمد، وعيناه غارقتان في الدموع، "كان بيع كلية زوجتي خطيئة، لكن لم يكن لدينا خيار آخر".

ولم تكن كلية محمد التي دمرها الأفيون مفيدة للتبرع.

غطت عملية بيع كلية نازانين بالفعل ديون الزوجين وتكاليف الجنازة والنفقات الطبية، لكنها استنزفت صحة الزوجة القائمة على شؤون الأسرة، والتي كانت تعاني أصلا من سوء التغذية.

وقالت نازانين وهي جالسة على الأرض بلا فراش، بينما كان أطفالها يجلبون الماء من بئر في الفناء: "أشعر بدوار في الرأس طوال الوقت، كما أشعر بالغثيان".