تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

أذربيجان مساحة جديدة لحرب الظل بين إيران وإسرائيل

دبابات الجيش الإيراني
AvaToday caption
هذه التوترات تعكس كيف تمثل باكو أحد مصادر التهديد لطهران، فمشكلة الأمن القومي الإيراني أن الدول التي توجد على حدودها تعد امتداداً للعرقيات والأقليات الموجودة في إيران، وتعيش بالقرب من تلك الحدود، مما يجعل الحدود الإيرانية مصدراً لعدم استقرار الداخل
posted onOctober 8, 2021
noتعليق

هدى رؤوف

منذ نحو عام تصدّرت أخبار أذربيجان وسائل الإعلام، كان السبب الرئيس هو الحرب بين أرمينيا وأذربيجان. الاهتمام داخل الشرق الأوسط كان نابعاً من كون الطرفين المتحاربين حلفاء للقوى الإقليمية الساعية إلى الهيمنة في الشرق الأوسط، وهما تركيا وإيران.

وقبل عام شنّت أذربيجان حرباً على القوات الأرمينية في منطقة ناغورنو قرة باغ المتنازع عليها من وجهة نظر باكو التي تدعمها تركيا، وقد سيطر الأرمن فترة طويلة على المناطق المتنازع عليها التي استولوا عليها في التسعينيات. ومن وجهة نظر الأرمن كانت هذه أراضي تاريخية يعيش فيها الأرمن، التي جعلها الاتحاد السوفياتي مستقلة من جمهورية أذربيجان السوفياتية في القرن الـ 20.

ومن ثم فأذربيجان أحد مجالات التنافس بين تركيا وإيران في منطقة جنوب القوقاز، واليوم تعود أذربيجان لتضاف إلى المساحات التي قد تشهد تصاعد حرب الظل بين إسرائيل وإيران. فقد صرح وزير الخارجية الإيراني بأن لدى طهران "مخاوف جدية" بشأن حضور إسرائيلي في أذربيجان، وأن بلاده لن تسمح بذلك، وستتخذ الإجراءات اللازمة ضد أنشطة إسرائيل في منطقة القوقاز، مؤكداً أن طهران "لن تتسامح مع التغيير الجيوسياسي" في المنطقة. وقبلها بقليل حذر المرشد الأعلى علي خامنئي جميع جيران إيران مما وصفه بـ "تدخل الأجانب في المنطقة".

التصريحات الإيرانية تعكس عدم ارتياح للعلاقات بين إسرائيل وأذربيجان، وتعتبر طهران أن العلاقات بينهما تطويق لها يستهدف الضغط عليها.

وتقع أذربيجان في منطقة جنوب القوقاز على حدود إيران الشمالية، ويعيش بإيران أقلية أذرية تبلغ نحو 20 مليوناً، كانت أذربيجان جزءاً من الأراضي الإيرانية قبل أن تخسرها لمصلحة روسيا في القرن الـ 19.

ولإسرائيل علاقات قوية مع أذربيجان، وتركزت بينهما حول التعاون العسكري خلال الحرب بين أرمينيا وأذربيجان، فقد زودتها بأسلحة كبيرة. وخلال حربها التي استمرت ستة أسابيع مع أرمينيا للسيطرة على منطقة ناغورنو قرة باغ المتنازع عليها العام الماضي، نشرت أذربيجان طائرات استطلاع إسرائيلية من دون طيار في ساحة المعركة، كما تدرس باكو شراء نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي "Arrow-3".

تصريحات المرشد الإيراني ووزير الخارجية تأتي في ظل تصاعد توترات أخيراً بين طهران وباكو في منتصف سبتمبر (أيلول)، حيث أجرت الأخيرة تدريبات عسكرية مشتركة مع تركيا وباكستان بالقرب من حدودها مع إيران، وردت طهران بإطلاق مناورات عسكرية خاصة بها.

كما أفادت وكالة الأنباء الإيرانية "تسنيم" أن أذربيجان أغلقت مسجداً في العاصمة الأذربيجانية كان مرتبطاً بالمرشد الإيراني، كما أوقفت باكو مرور الشاحنات الإيرانية التي تحمل وقوداً إلى أرمينيا، وردت طهران بإغلاق مجالها الجوي أمام الرحلات العسكرية الأذربيجانية، كما كشفت أذربيجان أخيراً عن خلية إيرانية في البلاد تستهدف المصالح الإسرائيلية.

هذه التوترات تعكس كيف تمثل باكو أحد مصادر التهديد لطهران، فمشكلة الأمن القومي الإيراني أن الدول التي توجد على حدودها تعد امتداداً للعرقيات والأقليات الموجودة في إيران، وتعيش بالقرب من تلك الحدود، مما يجعل الحدود الإيرانية مصدراً لعدم استقرار الداخل.

لذا فإيران قلقة من علاقات أذربيجان الوثيقة مع كل من إسرائيل وتركيا، حيث تشتري إسرائيل النفط الأذربيجاني، وتشتري أذربيجان الأسلحة الإسرائيلية، ودعمت كل من تركيا وإسرائيل الحملة العسكرية لأذربيجان ضد أرمينيا، بينما تميل إيران نحو أرمينيا كثقل موازن للنفوذ التركي - الإسرائيلي - الأذري في المنطقة، ومن جهة أخرى فالعلاقة معقدة بسبب حقيقة أن الأذربيجانيين العرقيين يشكلون نحو 25 في المئة من سكان إيران البالغ عددهم نحو 83 مليون نسمة.

وعلى الرغم من كون أذربيجان تقيم علاقات قوية مع تركيا وإسرائيل، لكن نظراً إلى أن المصالح المشتركة بين تركيا وإيران في مساحات أخرى، لا سيما الشرق الأوسط وأفغانستان والعلاقات الاقتصادية، فلن تصعّد إيران أي خلافات تجاه تركيا.

لكن، الهاجس الحقيقي الآن بالنسبة إلى إيران يتمثل في العلاقات مع إسرائيل التي تنقل تكنولوجيا الطائرات من دون طيار لأذربيجان، مما جعل الميليشيات الموالية لإيران في العراق تلوم على باكو كونها كانت قاعدة لهجمات الطائرات المسيرة على الميليشيات بالعراق في إحدى المرات، وأنها قاعدة للطائرات الإسرائيلية من دون طيار.

وبالنظر إلى العلاقات بين أذربيجان وإسرائيل يمكن القول إن الأخيرة تمارس السياسة الإيرانية نفسها في الشرق الأوسط، وهو الوجود بالقرب من حدود إسرائيل حتى تكون مصدر تهديد لها، لذا تعتبر إيران أن العلاقات بين تل أبيب وباكو مصدر تهديد لأمنها، بخاصة مع إشارتها إلى وجود لإسرائيل على الأراضي الأذرية في ظل سياق واجهت فيه إيران اختراقات أمنية واستخباراتية نتج منها سرقة الأرشيف النووي واغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخرى زاده، وهناك اعتقاد إيراني أن العملاء الإسرائيليين استغلوا الدخول من الأراضي الأذرية.

من جهة أخرى، تخشى إيران قيام إسرائيل بالتأثير في الأقلية الأذرية داخل إيران وخلق عدم استقرار، حيث يمكن أن تخلق القومية الأذربيجانية العرقية إلى جانب الغضب القائم بشأن الظروف الاجتماعية والاقتصادية وضعاً متفجراً في المقاطعات الشمالية الإيرانية، التي تضم نحو 20 مليوناً من سكان أذربيجان الإيرانيين.

الأمر المؤكد أن حرب الظل بين إيران وإسرائيل تتسع لتشمل مساحات جديدة، وإن كانت ليست جديدة كاستراتيجية، حيث إن إيران تتبعها بالفعل في منطقة الشرق الأوسط، إذ تبحث دائماً عن موطئ قدم بتطويق منافسيها وخصومها.