خرج الصراع الصامت بين إسرائيل وإيران في منطقة القوقاز، وبشكل خاص في أذربيجان، إلى العلن. وجاء أحدث تصعيد إثر تصريح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان بأن طهران "لن تتسامح مع أي تغيير جيوسياسي في خارطة القوقاز، ولديها مخاوف جدية حيال التواجد الإسرائيلي في هذه المنطقة".
رغم أن تصريح وزير الخارجية الإيراني ركّز على إسرائيل إلا أن خبراء يشيرون إلى أنه تستبطن أيضا انتقاد مختلف الدول الناشطة في تلك المنطقة ومنها الدول الحليفة مثل تركيا. وأضافوا إلى أن مكان التصريح وتوقيته يحمل دلالة أيضا، حيث أدلى به عبداللهيان خلال مؤتمر صحفي في موسكو. وكان وزير الخارجية الإيراني زار العاصمة الروسية لتنسيق المواقف بين البلدين حول تطورات منطقة القوقاز.
تعتبر المنطقة تعتبر محورية في الخارطة الإستراتيجية الروسية، لكن لا تبدو موسكو قلقة مثل طهران، بل بالعكس حيث يقول كبير الباحثين في مركز دراسات ما بعد الاتحاد السوفيتي، بمعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ستانيسلاف بريتشين: "الشيء الأكثر إزعاجا بالنسبة لموسكو هو أن مثل هذا الخطاب من طهران يمنح أنقرة مزيدا من الفرص للعمل كراعٍ لباكو، وبالتالي الحصول على المزيد من الأسباب لزيادة نفوذها في أذربيجان"، وفق بريتشين.
وأضاف في تعليقه على أن تصعيد إيران وحديثها عن أنها "لن تبقى مكتوفة الأيدي" قائلا إن "الوضع مقلق للغاية، لأن تصرفات الرئيس الجديد غير بناءة إلى حد ما ومن الواضح أنها ليست محبة للسلام. لا أكاد أتخيل أن الرئيس السابق حسن روحاني كان سيستخدم التصعيد لتحقيق أهدافه، كما يفعل إبراهيم رئيسي".
وجاءت التصريحات الإيرانية بعد يوم من ورود تقارير تناقلتها وسائل إعلام أذرية تفيد بأن إيران أغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الأذرية.
والجمعة، بدأت القوات البرية الإيرانية مناورات عسكرية قرب الحدود، في خطوة قوبلت بانتقادات من الرئيس الأذري إلهام علييف. وقبل يوم من انطلاق المناورات، أكد أمير عبداللهيان لنظيره الأذري أن طهران لن تتسامح مع أي تواجد أو نشاط لإسرائيل "قرب حدودنا" وتعهّد القيام بأي تحرّك لازم.
بدوره، أكد علييف الثلاثاء أن باكو "لن تترك اتهامات طهران التي لا أساس لها" بشأن التواجد العسكري الإسرائيلي على أراضيها "من دون رد".
يحمل تركيز إيران على إسرائيل عدة دلالات ترتبط بالتطورات في أذربيجان تحديدا بعد حربها الأخيرة التي استمرت ستة أسابيع ضد جارتها أرمينيا في إطار النزاع للسيطرة على إقليم ناغورنو كاراباخ، خرجت باكو منتصرة من الحرب وقد تدعّمت قوتها وصارت أكثر "تمرّدا" في نظر إيران، التي وجدت نفسها في ورطة اختيار موقف الحياد السلبي في الحرب. فرضت المصالح مع أنقرة وموسكو على طهران الصمت وعدم النزول بقوة لدعم أرمينيا حليفها التقليدي. وكانت إيران خلال الحرب الأولى في ناغورنو كاراباخ في أوائل التسعينات متعاطفة مع أرمينيا كطريقة لتهميش دور أذربيجان في المنطقة.
وارتفع مستوى التوتر منذ منتصف سبتمبر بين إيران وأذربيجان اللتين تتشاركان حدودا يبلغ طولها 700 كلم. وتعد إسرائيل مصدّرا رئيسيا للأسلحة إلى أذربيجان، هي من بين أبرز الدول التي منحتها باكو دورا لافتا في إعادة إعمار إقليم ناغورنو كاراباخ إلى جانب تركيا، الأمر الذي استفز إيران.
واليوم تخشى طهران من أن تتحول أذربيجان إلى المحور المعادي لها بل ويمكن أن تلعب دورا في عزلها في واحدة من أكثر المناطق حيوية بالنسبة إليها، وأيضا يمكن أن تفتح عليها بابا جديدا من الأزمات، أكثرها إثارة للقلق هي تلك المتعلّقة بتحريك رماد أزمة الأقلية الأذرية الكبيرة في شمال إيران.
ويشير الباحث لوك كوفي، في تحليل نشره موقع eurasiareview، إلى أن هناك ثلاثة أسباب أساسية للتوتر بين الطرفين يمكن أن تساعد في تفسير سبب إثارة التدريبات العسكرية الإيرانية الأخيرة القلق في أذربيجان.
سبب التوتر الأول هو عدد الأذريين الذين يعيشون في إيران. تم تقسيم الشعب الأذري بين أذربيجان الحديثة وإيران نتيجة لمعاهدة تركمانجاي عام 1828 بين الإمبراطورية الروسية وبلاد فارس (الدولة القاجرية(، والتي أنهت الحرب الروسية القاجرية (1826-1828) وجعلت الحدود الجديدة بين القوى نهر آراس. اليوم، يُعتقد أن الأذريين ثاني أكبر مجموعة عرقية في إيران.
بعد انتصار أذربيجان في الحرب الأخيرة العام الماضي، نفوذ باكو في المنطقة آخذ في الازدياد. وهناك ضغط مستمر وإن كان منخفض المستوى لدفع الأقلية الأذرية في إيران للتحرّك نحو مطلب تقرير المصير أو ربما الحكم الذاتي في شمال البلاد. على الرغم من أن هذا لم يتجسد في تحرك جماهيري إلا أنه يجعل القيادة الإيرانية متوترة، خاصة وأنها جبهات أخرى مفتوحة مع بقية الأقليات.
أما السبب الثاني، وفق لوك كوفي، فهو علاقة إيران الحميمة مع أرمينيا والتي تعتبر نقطة شائكة مع باكو. لأسباب تاريخية واقتصادية وجغرافية، تربط يريفان وطهران علاقات وثيقة. عندما تم إغلاق الوصول إلى العديد من الأسواق الدولية أمام إيران بسبب العقوبات الاقتصادية، كانت أرمينيا مكانا مفيدا لطهران للقيام بأعمال تجارية.
وبالإضافة إلى التدريبات العسكرية الإيرانية، تصاعدت التوترات بين باكو وطهران في الأسابيع الأخيرة بعد أن بدأ مسؤولو الجمارك الأذريون فرض ضريبة طريق على الشاحنات الإيرانية التي تمر عبر الأراضي الأذرية (التي كانت حتى العام الماضي تحت سيطرة الأرمن). كما رفضت السلطات في أذربيجان منح تأشيرة دخول لرئيس الغرفة التجارية الإيرانية الأذرية المشتركة حسين بير موذن. وأغلقت وزارة الداخلية في أذربيجان، الثلاثاء، حسينية دينية تابعة للملحقية الثقافية للسفارة الإيرانية في العاصمة باكو بسبب تفشي فيروس كورونا..
وتعتبر إيران أن إسرائيل وراء التصعيد الأذري، وهي السبب الثالث والرئيسي في التوتر بين طهران وباكو. وتعتبر مدينة القصبة القرمزية الأذرية واحدة من أكبر المستوطنات اليهودية خارج إسرائيل. كما تزود أذربيجان إسرائيل بـ 40 في المئة من نفطها. وباعت إسرائيل لأذربيجان طائرات مسيرة ومركبات جوية غير المأهولة ذات قدرات عالية أثبتت فعاليتها في الحرب العام الماضي.
من الواضح أن علاقة أذربيجان بإسرائيل تثير قلق الإيرانيين. لكن أية رد فعل لطهران لن تكون نتيجته جيدة خاصة وأن هذه المنطقة تعتبر حيوية لروسيا وتركيا، وأي تهديد لمصالحهما سيؤثر حتما على مصالحهما مع إيران في مناطق أخرى على غرار سوريا.