تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

فصل التشدد الكامل في مسار نظام ثيوقراطي

خامنئي
AvaToday caption
أن مسار الأنظمة الثيوقراطية لا يتبدل، منذ محاكم التفتيش في أوروبا أيام العصور الوسطى حتى ولاية الفقيه في إيران هذه الأيام: قليل من المرونة في البدء، وكثير من التشدد بالتدرج إلى النهاية
posted onJune 4, 2021
noتعليق

رفيق خوري

الجمهورية ديكور في ولاية الفقيه. وليست الانتخابات الرئاسية في إيران سوى تمارين في التنافس على "الشرعية الشعبية" تحت سقف "الشرعية الإلهية".

أساس نظرة الإمام الخميني إلى "الحكومة الإسلامية" هي أنها "توأم الإيمان بالولاية، وحكومة القانون الإلهي، الحاكم والمشرع فيها هو الله وحده". وقيمة الانتخابات الرئاسية بالنسبة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي هي في توظيف الإقبال الشعبي على صناديق الانتخاب في "توجيه صفعة للأعداء" وإظهار قوة النظام والتأييد الشعبي. فمن المفارقات، في رأي ستانلي ويس، أنه "في الجمهورية الإسلامية لا شيء هو كما يبدو: رئيس الجمهورية المنتخب يمكن أن يكون قائد المعارضة". ومن الضوابط المعمول بها إعطاء مجلس صيانة الدستور سلطة اختيار المرشحين، وترك القرار للولي الفقيه في تثبيت أو إلغاء رئاسة المرشح الفائز بملايين الأصوات.

ما كان محل تساؤلات واستهوال واعتراض في الحملة الحالية لم يكن خارج التوقعات: رفض المجلس لأهلية علي لاريجاني مستشار خامنئي والرئيس السابق لمجلس الشورى، وإسحاق جهانغيري نائب الرئيس حسن روحاني، ومحمود أحمدي نجاد الرئيس السابق للجمهورية، ومحسن هاشمي رفسنجاني ومئات سواهم.

وما قيل في انتقاد المجلس بدا كأنه خارج الموضوع واهتمامات المرشد الأعلى. حتى العضو في المجلس صادق لاريجاني الذي اعترض على القرار ضد شقيقه علي لاريجاني، فإنه أُجبر على التراجع عن موقفه. الرئيس الأسبق الإصلاحي محمد خاتمي قال: "الأسوأ من حرمان المجتمع من مرشحين مطلوبين هو نفي أن تكون أصوات الناس معيار الأساس للنظام السياسي". رابطة المدرسين والباحثين في حوزة قم العلمية رأت أن الانتخابات ستكون "شكلية وباهتة وبأقل مشاركة".

ابنة الخميني زهراء مصطفوي الخميني الأستاذة في جامعة طهران قالت: "لا نظام يمكنه الصمود أمام المشكلات والمخاطر من دون الاعتماد على دعم الشعب وثقته". حسن الخميني حفيد المؤسس رأى "ضربة فأس على جذور الثورة، ومشروعية النظام في خطر". صحيفة "الشرق" عنونت: "وداع للإصلاح". وروحاني حذر من أن تصبح الانتخابات "جثة هامدة". لكن خامنئي دعا النواب إلى المواجهة قائلاً: "لا تلتفتوا إلى من يحاولون وصم الانتخابات بأنها عديمة الفائدة، فالنتائج المترتبة عليها ستستمر لسنوات".

والواقع أن مسار الأنظمة الثيوقراطية لا يتبدل، منذ محاكم التفتيش في أوروبا أيام العصور الوسطى حتى ولاية الفقيه في إيران هذه الأيام: قليل من المرونة في البدء، وكثير من التشدد بالتدرج إلى النهاية. فالثورة ضد الشاه صنعتها قوى متعددة: حزب توده الشيوعي، حركة مجاهدي خلق، الجبهة الوطنية، رجال الدين، والبازار. والإمام الخميني الذي تولى القيادة أخذ وقته للانفراد بالجمهورية والتفرد في حكمها، وقمع كل القوى الأخرى. في البدء كان رئيس الوزراء مهدي بازركان من رعيل محمد مصدق. ثم تولى أبو الحسن بني صدر رئاسة الجمهورية قبل أن يهرب إلى فرنسا، وتصبح المناصب في معظمها للملالي.

خامنئي مارس لعبة السماح لتنقل الرئاسة مثل رقاص الساعة بين المحافظين والمعتدلين والإصلاحيين، وإدارة التوازن بينهم. لكن كل رئيس وجد نفسه في خلاف صامت أو معلن مع المرشد الأعلى، واصطدم بعرقلة مشاريعه. الإصلاحي خاتمي أراد الانفتاح في الداخل وعلى الخارج، وكان يقول "إن عقولنا لا تكفينا، فنحن في حاجة إلى عقول الآخرين"، فوجد نفسه مقيّداً وقيل له عملياً "عقل ولي الفقيه يكفينا". ثم فرضت عليه العزلة بعد الرئاسة. المحافظ المتشدد محمود أحمدي نجاد كان خيار المرشد والحرس الثوري. ومن أجله جرى تزوير الانتخابات عام 2009 وإسقاط مير حسين موسوي ثم وضعه في الإقامة الجبرية بعد قمع "الحركة الخضراء" في الشارع التي رفعت شعار: "أين صوتي؟". لكن المرشد غضب عليه، ومجلس صيانة الدستور حرمه من خوض الانتخابات مرتين. وحسن روحاني المحسوب على قوى "الاعتدال" لا على التيار "الإصلاحي" لم يسلم من الهجمات في مجلس الشورى وحتى من "التخوين" بسبب الاتفاق النووي واعتماده في الوزارات على "أولاد نيويورك"، وهم إيرانيون تعلموا وعاشوا وعملوا في أميركا، أبرزهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف.

واليوم دقت الساعة لإسدال الستار على مرحلة التعايش في السلطة بين الاتجاهات "المحافظة، والمعتدلة، والإصلاحية". فالمحافظون المتشددون سيطروا على مجلس النواب. والمرشح المطلوب وصوله إلى الرئاسة هو المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي، رئيس القضاء والمرشح المفترض لولاية الفقيه، إن لم يكن خليفة خامنئي هو نجله مجتبى الذي يدير اللعبة في "بيت المرشد". وهناك من يتصور أن التوجه هو لإلغاء رئاسة الجمهورية والعودة إلى تعيين رئيس للوزراء.

وكل شيء يعود إلى مداره الصحيح في النهاية، بحسب المثل الروسي. فالنظام الثيوقراطي في إيران هو حكم رجال الدين. والثورة التي قادتها قوى متعددة من أجل "الديمقراطية والتقدم" صارت في ولاية الفقيه ثورة للعودة إلى قرون بعيدة من أجل "تصحيح التاريخ" في المسار. ثورة تستخدم الغيب والتكنولوجيا العسكرية لاستعادة إمبراطورية بثياب دينية.