تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

رهان إيران على فرق الاغتيالات.. الديلي تلغراف لم تكشف سرا

المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي
AvaToday caption
ليس قيس الخزعلي وحده من يمثل الحشد الإيراني “المقدس”، بل يضم هذا الحشد أصواتا أخرى
posted onDecember 3, 2018
noتعليق

د. باهرة الشيخلي

كان متوقعاً أن إيران، عبر ميليشياتها، ستشن حملة اغتيالات واسعة ضد المناوئين لسياستها بمجرد أن تفقد السيطرة على التحكم في تشكيل الحكومة العراقية، والملاحظ أيضا أنها تجدد لائحات الموت إثر تشكيل كل حكومة من الحكومات الدينية في بغداد بإضافة أسماء جديدة تحت عنوان “أعداء الولاية”، ولا يشترط أن يكون أعداء الولاية من السنة، بل حتى من الشيعة.

والولاية مفهوم كرسته إيران، منذ قرون، ليكتسب صفة القداسة في النفوس، ولتعمق به شرخاً بين المذاهب الإسلامية بذريعة تمييز المذهب الجعفري عن المذاهب الإسلامية الأخرى بها وبمفاهيم وطقوس أدخلتها إلى هذا المذهب، حتى زعموا أن الجنة لا تنال إلا من خلال هذه الولاية.

لكن اتضح، مما أثبتته تلك القرون، أن المقصود بالولاية ليس الولاية لعلي بن أبي طالب وإنما للقومية الفارسية، التي ظلت تجالد طوال تلك القرون لاستعادة مجد الإمبراطورية الكسروية التي تحطمت تحت سنابك خيول المسلمين.

وكان أركان نظام الملالي في غاية الوقاحة في تصريحاتهم التي لم تخفِ حقيقة مشروعهم السياسي العدواني والتوسعي، فقد أعلن علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، في وقت سابق، أن “إيران أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي”.

وصرح حيدر مصلحي، وزير الاستخبارات الإيراني السابق في حكومة أحمدي نجاد، بأن “إيران تسيطر فعلاً على أربع عواصم عربية”، وأن “الثورة الإيرانية لا تعرف الحدود وهي لكل الشيعة”، مؤكداً أن “جماعة الحوثيين في اليمن هي أحد نتاجات الثورة الإيرانية”.

وجاءت خلاصة هذه الأطماع الطائفية والإرهابية على لسان الجنرال رحيم صفوي، المستشار العسكري لمرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي، الذي ادّعى أن “القرن الحالي سيشهد تشكل حكومة إسلامية عالمية، ستكون إيران مركزاً لها”.

لذلك فإن المعلومات، التي تضمنها تقرير صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية عن نشر طهران فرق اغتيالات تستهدف إسكات منتقديها في العراق، لم تكن مفاجئة للعراقيين ولا غريبة على السياسة الإيرانية، التي يعرف العراقيون أنها تستهدف محو كل ما هو عربي في العراق ابتداء من مناوئيها ووصولاً إلى الصامتين حيال ممارساتها، ولو أن محرر الشؤون الدفاعية في الصحيفة البريطانية المذكورة (كون كوغلن) سأل أي عراقي لعرف أن ما كشفه له المسؤولون الأمنيون البريطانيون له سوابق في التاريخ، وأن ماكنة الموت الإيرانية لم تتوقف عن نهجها الفاشي، الذي تمارسه في بلاد الرافدين منذ قيام جمهوريتها الدينية سنة 1979، وأن ما يحدث من تصفيات جسدية واغتيالات، اليوم، ليس سوى حلقة من حلقات نشاطها الإجرامي، الذي لن تتوقف عنه طالما بقي وكلاؤها من أحزاب وميليشيات طائفية يستلبون العراق، فكل يوم في العراق إيران وفي كل شبر من العراق وكيل للفقيه، وهكذا..

إن الحصة الأكبر من ثروات العراق، منذ تسلط وكلاء الفقيه على أرض الرافدين، تذهب إلى دعم المشروع الإيراني من العراق إلى الخليج، وهناك الرجل الخفي (محمد رضا) نجل المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، والمراجع الشيعية الأربعة، وهم أحد أهم ركائز المشروع الإمبراطوري الإيراني، بحيث أصبح الإعلان عن نصرة إيران ضد العراق نهجاً صريحاً ثابتاً، بل هم لا يتورعون عن الإفصاح عنه بألسنتهم وفي مقابلات تلفزيونية.

ليس قيس الخزعلي وحده من يمثل الحشد الإيراني “المقدس”، بل يضم هذا الحشد أصواتا أخرى. وهناك آخرون يفصحون كل يوم عن ولائهم للولاية الإيرانية ويسبحون بحمدها بكرة وأصيلاً ويحجون إلى طهران لكسب رضاها وموافقتها على إبقائهم في مناصبهم.

 ويلاحظ الكاتب والباحث الأردني أسامة شحادة أن ما جرى ولا يزال يجري في العراق وسوريا ولبنان واليمن قد جرى مثله من قبل مراراً لكنه كان يفتقد إلى التوثيق والإعلام المباشر، وهو ما حدث هذه المرة، وبرغم ذلك فإن الأخطبوط الإعلامي الإيراني قد تمكن للأسف من تعمية الحقيقة عن ملايين “مملينة” في هذا العالم!

إن من يفهم خلفيات المشروع الإيراني العدواني والتوسعي والإرهابي، يتبيّن له تجذّر رؤية العدوان والتوسع والإرهاب في الفكر والمشروع السياسي لنظام ولاية الفقيه من اللحظة الأولى لمجيئهم إلى السلطة في إيران، ومدى اعتمادهم المطلق على آلية الإرهاب في تنفيذ مشروعهم السياسي العدواني الإرهابي التوسعي.

وبات واضحاً جداً أن الحرس الثوري الإيراني يتولى عملية الاستخبارات في الدول المعادية لولاية الفقيه، وإنشاء خلايا نائمة في أنحاء العالم، ومساعدة المنظمات والميليشيات المسلحة في الدول لتنفيذ أجندة إيران، وتنفيذ عمليات إرهابية بحق خصوم نظام الملالي، وإدارة ملفات سياسية خارجية في بعض الدول لترسيخ النفوذ الإيراني كما في لبنان والعراق وسوريا واليمن.

وتنبع قوة إيران الحقيقية من وجود إرادة سياسية لتنفيذ أهدافها الاستراتيجية وتسخير القدرات الاقتصادية والجيوبولوتيكية لذلك، وأكبر أداة لذلك هي صناعة الحلفاء خلف خطوط العدو واللعب على التناقضات عند خصومها للوصول إلى أغراضها، ولذلك أضحى من الواجب فضح البنية الفكرية الإرهابية والطائفية التي تأسس عليها نظام الملالي، والعمل على تقديم هذا النظام إلى المحاكمة على جرائمه الإرهابية ودعمه للتنظيمات الإرهابية الشيعية والسنية، والسعي بكل السبل والوسائل إلى مساعدة الشعب الإيراني للحصول على حقوقه السياسية والاقتصادية والعيش بكرامة وسلام مع الدول المجاورة.

كاتبة عراقية