خلال الأسابيع القليلة الماضية، صعدت إدارة ترامب من موقفها تجاه دور إيران المزعزع لأمن الشرق الأوسط. وقال مستشار الأمن القومي جون بولتون إن الولايات المتحدة ستبقى في سوريا طالما ظلت القوات الإيرانية هناك، بما في ذلك الوكلاء والميليشيات التابعة لها. وشكل هذا التصريح نقلة نوعية في سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا.
كما صعدت الإدارة من حملتها للضغط الاقتصادي على إيران، عبر إنهاء اتفاقية عام 1955 التي وضعت مجموعة من الاستثناءات على منتجات معينة في العقوبات على إيران. كما حذرت الإدارة من أنها بصدد وضع عقوبات صارمة أكثر، بعد بدء تطبيق المرحلة الثانية من العقوبات في تشرين الثاني/نوفمبر الحالي. وكات الولايات المتحدة قد فرضت فعلًا مجموعة من العقوبات، مستهدفة 174 فردًا وكيانًا تابعًا لإيران، في محاولة لإجبار البلاد على التخلي عن نشاطاتها الإقليمية.
في 16 أكتوبر/تشرين الأول، فرضت وزارة الخزينة الأمريكية عقوبات على شبكة تجارية متعددة المليارات، ترتبط بعلاقة مع قوات الباسيج، القوات شبه العسكرية التي يعتقد بأنها تقوم بتجنيد الأطفال لصالح قوات الحرس الثوري، من أجل مساندة بشار الأسد في سوريا. وفورًا، أعلنت طهران أن ذلك يعد عملًا “انتقاميًا أعمى” يعوق قدرة الشعب على الاستفادة من العلاقات الاقتصادية الدولية.
بحسب وزارة الخزينة، فإن قوات الباسيج توظف شركات وهمية من أجل التغطية على نشاطاتها الحقيقية، بما في ذلك شركات السيارات والمناجم والمعادن والصناعات المصرفية.
في الواقع، يمكن القول بأن الباسيج والحرس الثوري معزولان عن العقوبات لأن تمويلاتهما تأتي من الخارج. وبالإضافة إلى الميزانية التي تقدمها الدولة لهما (7.65 مليار دولار في السنة المالية 2017)، يحصل الحرس الثوري والباسيج على تمويل من مؤسسات مالية مثل بنك ميهر اقتصاد وبنك ميلات، الذيْن يعتقد بأن كل منهما يدفع مئات الملايين من الدولارات سنويًا، على شكل قروض وأرباح وائتمانات، الأمر الذي وفر الرفاهية والإسكان والدعم لأعضاء قوات الباسيج.
كان تأثير هذه السياسات أن أموالًا طائلة من ثروة الشعب الإيراني ذهبت بعيدًا عن الشعب الإيراني، أي باتجاه تمويل نشاطات إيران الإقليمية الطموحة في المنطقة، واعتداءات حقوق الإنسان، وزعزعة أمن سوريا، بما يعاكس مصالح الولايات المتحدة. وتعتبر العقوبات على الباسيج خطوة بارزة في مجال الضغوط الأمريكية على الاقتصاد الإيراني، الأمر الذي يستدعي تسليط الضوء على تلك النشاطات.
التركيز على الباسيج
قوات الباسيج هي منظمة تطوعية شبه عسكرية تشغل بواسطة الحرس الثوري الإيراني. وتعمل قوات الباسيج أيضًا كإحدى أهم القوات التابعة للأمن الداخلي في إيران، وكقوات مساندة على الأرض للقوات السورية التي يجري توجيهها بواسطة الحرس الثوري، الذي يقوم بإدارة العمليات خارج إيران. منذ عام 2015 على الأقل، بدأت قوات الباسيج بتدريب المقاتلين وتجنيدهم في إيران من أجل نشرهم في سوريا عند الحاجة.
يحمل بعض متطوعي الباسيج أيديولوجيات دينية، إذ يرون في أنفسهم محاربين باسم الشريعة الشيعية المقدسة، ضد التكفيريين (يُشار عادة بهذا المصطلح إلى قادة الميليشيات السنة في العراق وسوريا). كما تحرك آخرين محفزات مثل كسب المكانة الاجتماعية والحصول على مقاعد دراسية والوصول إلى مناصب حكومية والعلاج بميزات أفضل، خصوصًا في ظل مجتمع إيراني يعاني جزء كبير منه من البطالة.
واعتبارًا من مايو/أيار 2015، ذكرت تقارير أن مزيدًا من المتطوعين في الباسيج ينضمون إلى القوات في سوريا، أكثر من أي وقت مضى. وتختلف التقديرات حول أعدادهم في سوريا، لكن الخبراء قدروا العدد في 2015 بـ7 آلاف مقاتل ضمن الحرس الثوري، بالتركيز على دور الباسيج المتزايد خلال تلك الفترة في سوريا. وذكر مسؤول في الباسيج أن 50 مقاتلًا من المتطوعين قضوا في سوريا بين نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2016.
وإضافة إلى الإيرانيين، توظف الباسيج مقاتلين أفغانًا من الذين هاجروا إلى إيران سابقًا، بما في ذلك أطفال تحت سن 14 سنة، فيما يعرف باسم “لواء فاطميون”، الذي يعمل تحت إمرة الحرس الثوري.
وبحسب مصادر إعلامية إيرانية، يعمل 10-20 ألف مقاتل أفغاني لحساب الأسد، بعد تحفيزات بالحصول على إقامة قانونية في إيران. وجرى الإبلاغ عن 255 قتيلًا من هذا اللواء، بين 2012 ومارس/آذار 2016.
من ناحية ثانية، توظف الباسيج مقاتلين باكستانيين في مجموعة تسمى “لواء زينبيون”، التي تعمل هي الأخرى لحساب الحرس الثوري.
تستخدم إيران ميليشيات تطوعية مثل الباسيج من أجل إظهار القوة والتأثير في الدفاع عن مصالحها القومية. تقدم الميليشيات خيارات اقتصادية بديلة لوكالات المخابرات في طهران، وتساعد في عمليات الاستخبارات، ومكافحة الإرهاب، والردع، وتنمية الدعم الشعبي للنظام.
تسمح مثل تلك الميليشيات أن تعزز تأثير طهران، وأن تحمي أمنها، وأن تجنبها تدخلات الولايات المتحدة. من الصعب على الولايات المتحدة أن تواجه تلك الميليشيات عسكريًا واقتصاديًا:
عسكريًا: لأنهم عادة ما يستخدمون طرقًا غير تقليدية في الحرب.
اقتصاديًا: بسبب شبكات تمويلهم الخفية.
تتّبع إيران نموذج حزب الله في لبنان، مع قوات الباسيج، أي من خلال العمل مع الميليشيات المحلية في سوريا، لتوفير الخدمات الأمنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مما ساهم في توفير الدعم لأنشطتها. كما تعمل قوات الباسيج مع الميليشيات العراقية الموالية لإيران، بالإضافة إلى شبكة من المقاتلين الأفغان والباكستانيين. وبات من الواضح أن الميليشيات الأجنبية المدعومة من إيران تحاول فرض أجندات طهران في المنطقة.
مجلة ناشيونال إنتريست