تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كيف نقرأ السياسة الخارجية لحكومة رئيسي؟

إبراهيم رئيسي
AvaToday caption
تعتمد حكومة رئيسي التي تتماشى مع توجهات المتشددين على روافد أخرى للاقتصاد منها الصين وروسيا ودول الجوار لإيران
posted onJuly 16, 2023
noتعليق

هدى رؤوف

يمكن تحليل السياسة الخارجية لإيران في عهد حكومة إبراهيم رئيسي من خلال تفكيك التقاطع بين العوامل الداخلية والعوامل الخارجية وتأثيرها في التوازن الإقليمي في المنطقة. يقصد بالعوامل الخارجية الإقليمية والدولية تلك التي أدت جميعها إلى المصالحة السعودية - الإيرانية والدعوات الإيرانية إلى التقارب العربي، فضلاً عن التحرك الإيراني الذي بدأ أخيراً باتجاه أفريقيا.

وانطلاقاً من حقيقة أن السياسة الخارجية هي نتاج محددات داخلية، فإن هناك عوامل عدة لعبت دوراً في تشكيل تلك السياسة الخارجية، ومن المحددات الداخلية ما تشهده إيران من تحولات داخلية نتجت من الظروف الاقتصادية وأخرى عن ظهور تحولات جيلية برزت في جيل جديد من الشباب.

أما عن المحددات التي تتعلق بالظروف الاقتصادية الإيرانية، فنجد أنه على رغم ما تعيشه إيران من أزمات اقتصادية، فهي ليست جديدة عليها بحيث استطاع النظام التأقلم مع العقوبات والأوضاع المتردية، إلا أن هناك تفاقماً للأوضاع ارتد تأثيره على الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في سبتمبر (أيلول) 2022 واستمرت نحو ستة أشهر. أرادت طهران تخفيف الوضع الداخلي المحتقن الذي اشتعل مع احتجاجات الحجاب التي مثلت أكبر التحديات التي شهدتها البلاد وذكرت النظام بالاضطرابات المستمرة التي عاشتها إيران خلال الستينيات أثناء حكم الشاه

التعاون مع الدول الخليجية، لا سيما التي تشهد تحولات هيكيلية اقتصادية جعل إيران تستهدف الاستفادة من فتح آفاق جديدة مع دول المنطقة، ومن ثم يمكن تحسين بعض المؤشرات الاقتصادية من جهة ومن جهة أخرى تخفيف الاحتقان الداخلي، بخاصة مع ظهور جيل جديد ليست لديه روابط مع الأيديولوجيا والأفكار الثورية لقادة النظام الإيراني. هذا الجيل يتحرك نحو الانفتاح والحرية، خصوصاً مع مراقبته لما تشهده منطقة الخليج من تغيرات وتحولات اجتماعية إيجابية.

كذلك تخضع السياسة الخارجية لحكومة رئيسي لتوازنات القوى بين الفصائل السياسية الداخلية، أي لقواعد اللعبة الداخلية للنظام، فبينما كانت أهداف حكومة حسن روحاني ترتكز على الالتفات نحو الغرب وفتح قنوات تواصل معه، تعتمد حكومة رئيسي التي تتماشى مع توجهات المتشددين على روافد أخرى للاقتصاد منها الصين وروسيا ودول الجوار لإيران، وهو ما يؤكده مصطلح دبلوماسية الجوار التي أعلنها رئيسي ووزير خارجيته مراراً.

وإذا كان ما سبق يمثل بعض المحددات الداخلية التي أثرت في توجهات سياسة إيران الحالية، فإن المكون الإقليمي لا يمكن إغفاله، فنجد أن محاولة طهران إبطال مفعول اتفاقات السلام بين إسرائيل وبعض الدول العربية دفعتها إلى العمل على التقارب مع تلك الدول حتى تقدم نفسها باعتبارها دولة جوار ولا تمثل أي تهديد، ومن ثم تعطيل محاولات إسرائيل الإقليمية لمواجهتها عبر التحالف مع دول المنطقة.

كما تعمل إيران على تعطيل أي محاولات إسرائيلية للضغط على واشنطن من أجل ممارسة مزيد من الضغط عليها، لذا نشهد بعض المحادثات بين طهران وواشنطن حالياً.

أما على المستوى الدولي، فنجد أن إيران تحاول إعادة تموضع سياستها لتحتل مكانة متميزة في ما تعتبره نظاماً دولياً جديداً قائماً على تعدد الأقطاب، ومن ثم تعزيز شراكتها مع الصين وروسيا، ومن جهة أخرى لتخلق هامشاً أوسع للمناورة أمام الغرب ولتقليل محاولات عزلها دولياً.

تلك كلها عوامل دفعت إيران في المرحلة الراهنة نحو التحرك بانفتاح تجاه الدول العربية والخليجية ودول شرق آسيا ووسطها، فضلاً عن التحرك نحو أفريقيا حالياً التي تشهد زيارات لرئيسي بعد خفوت في الحركة نحو القارة السمراء خلال حكومة روحاني.

السياسة الخارجية الإيرانية قد تعكس نشاطاً في مختلف دوائر الحركة، لكنها لا تعكس بالضرورة تغييراً في رؤية إيران لدورها الإقليمي ولدور القوى المنافسة لها. فهل ستنجح في التعامل ببراغماتية مع تلك التناقضات أم لا ولأي مدى زمني يمكن أن تستمر؟