تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأجهزة الإيرانية تتسابق في الأداء غير العقلاني

النظام الإيراني
AvaToday caption
يكشف أداء المسؤولين بأنهم لا يهتمون برغبات المجتمع وأسلوب حياتهم، وكلما ازدادت رغبات الشعب بالعمل طبقاً لهويتهم ورغباتهم الداخلية تزداد التصرفات غير الحكيمة للمسؤولين في النظام
posted onJune 15, 2023
noتعليق

أبدى مسؤولو النظام الإيراني كثيراً من عدم الاتزان والتخلي عن الحكمة في كثير من القرارات، خصوصاً خلال عهد حكومة إبراهيم رئيسي والفترة الخامسة لمجلس الشورى ورئاسة محسن إيجئي جهاز القضاء.

يتقدم المرشد الإيراني علي خامنئي المسؤولين المعينين من قبله في هذا التسابق، على رغم وجود مجالس استشارية عدة لتبادل الأفكار في شأن القرارات المختلفة، لكن النظام يصر على عدم اتخاذ قرارات غير عقلانية بسبب أن غالبية هذه الأجهزة الاستشارية تضم أعضاء من قوات التعبئة (الباسيج)، وهم يتسابقون في تقبيل الأيادي.

هذه المسابقة تجري لثلاثة أسباب وهي التقرب أكثر إلى خامنئي وبيته، والحيلولة دون وصول منافسيهم إلى السلطة، ونهب مزيد من مصادر البلاد.

لا يصف أي قائد يتسم بقليل من العقل والشعور العام غالبية شعبه، بسبب معارضة أداء حكمه، بكلمات مثل "الأراذل والبلطجية والحمقى والمغرضين والمغفلين والحاقدين والمزاجيين وعديمي العمق في التحليل"، فهذه الأوصاف وردت في خطاب واحد للمرشد.

يسعى القادة حتى في الأنظمة الديكتاتورية إلى تحويل معارضيهم إلى مؤيدين، لكن علي خامنئي يقول حول الحراك الثوري الأخير إن "هذه الأحداث ينفذها مجموعة من الحاقدين وعدد كبير من الأفراد المغفلين والمزاجيين وعديمي العمق في التحليل ومجموعة من البلطجية".

توقعت المصادر الأمنية والعسكرية للنظام الإيراني، من خلال التسريبات التي كشف عنها المعارضون، عدد المحتجين الذين نزلوا إلى الشوارع بين 600 و700 ألف، وعبر الملايين من منازلهم عن معارضتهم للنظام من خلال طرق مختلفة، منها إطلاق الشعارات واستهداف عناصر الأمن بأشياء مختلفة من أسطح البيوت.

لكن خامنئي خلال خطابه في ذكرى وفاة الخميني وصف هؤلاء المحتجين بمنفذي تعليمات الأجهزة الأمنية الغربية، لكن ما هو حال النظام الذي يواجه ما بين 600 إلى 700 ألف من المنفذين لتعليمات الأجهزة الأمنية من خلال التظاهر في الشوارع؟

يستبدل المرشد الإيراني علي خامنئي العقلانية بالحفاظ على مصالح مقبّلي يديه مهما بلغت الأثمان، وتكشف تقارير النظام الخاصة والإحصاءات المستقلة أن 80 في المئة من الشعب يعارض النظام الإيراني وقائده، لكن النظام يتصرف بشكل وكأنه لا يوجد مثل هذا الشعب، ويسعى إلى القضاء عليه من خلال إطلاق الرصاص الحي والاعتقالات التي شملت 80 ألفاً خلال الاحتجاجات الأخيرة.

لا يمكن للنظام أن يخدع الآخرين من خلال تنظيم تجمعات لعناصره من خلال جلبهم بواسطة حافلات تابعة للأجهزة المختلفة في مناسبات عدة، ليرسل رسائل بأن الشعب لا يزال مع النظام.

يعتقد مساعد وزير الزراعة في حكومة رئيسي أن مصادر المياه في إيران تكفي ملياري شخص، إذ قال لموقع "تابناك" خلال شهر يونيو (حزيران) الجاري إن "بإمكاننا توفير المياه لملياري شخص من خلال التحكم الصحيح بالمياه وتقدير نسبة الأمطار وحاجاتنا إلى المياه". ويطرح هذا المسؤول مثل هذه الادعاءات في وقت تجف فيه مياه الأنهار والبحيرات بسبب السياسات الخاطئة للنظام، وطبقاً لإحصاءات النظام عام 2016 فقد اضطر سكان نصف القرى في البلاد (30 ألفاً) إلى ترك مواطنهم بسبب الجفاف وقلة المياه الجوفية، مما أدى أيضاً إلى تدمير لأشجار والتربة، كما أن البلاد تستورد كثيراً من المواد الغذائية ومنها القمح والسكر والصويا والأعشاب الضرورية لأكل الحيوانات.

وطبقاً للإحصاءات الرسمية فإن نسبة 33 في المئة من سكان إيران الذين يصل عددهم إلى 85 مليوناً، تقع تحت خط الفقر المطلق، كما أن 90 في المئة من المواطنين الذين يتلقون دعماً حكومياً يقعون قرب خط الفقر.

يأتي ذلك في حين أن مرشد الجمهورية يطالب بزيادة عدد السكان من أجل تلبية طموحاته التوسعية والمشاركة في أجهزة القمع، إذ تحدث مرة أنه يرغب في أن يصل تعداد البلاد إلى 200 مليون.

لم يستطع النظام تحقيق طموحاته في زياد عدد السكان على رغم الدعاية السياسية وتقديم محفزات والتهديد بالعقوبات، إذ ارتفع مؤشر النمو السكاني من 1.3 عام 2010 إلى 7 من أعشار المئة عام 2021، لكن النظام عندما رأى فشل رغبته من خلال التشجيع لجأ إلى مجموعة مطيعة لأوامره، أي القوات المسلحة.

ووصلت التصرفات غير العقلانية لدى القادة العسكريين في إيران إلى أن يتحدث كثير منهم عن تشجيع القوى الخاضعة لهم على زيادة عدد المواليد.

لا تتدخل أي من الأنظمة، حتى في أكثرها استبداداً، في الحياة العائلية للمواطنين، لكن النظام الإيراني يلجأ إلى زيادة المواليد بين القوات المسلحة، وأعلن أخيراً عن فوز الحرس الثوري في هذا التسابق.

وقال قائد الحرس الثوري حسين سلامي إن "قسم الموارد البشرية في الحرس الثوري أصدر برنامجاً من 50 بنداً تتضمن تشجيعات ضرورية لزيادة المواليد تشمل 90 مجالاً"، لافتاً إلى أن الحرس الثوري يقع في المرتبة الأولى بين الأجهزة العسكرية في زيادة المواليد.

وفي حين يفتقر كثير من المدن الإيرانية إلى وجود مستشفى واحد وتجهيزات ضرورية، وعد إبراهيم رئيسي خلال شهر يونيو الجاري بتجهيز 12 مستشفى في إندونيسيا.

غالبية مباني المستشفيات قديمة وغير آمنة، وجمدت الحكومة الدعم لغالبية الأدوية الضرورية بسبب قلة الموارد، لكنها تعبر عن استعدادها لقبول كلفة تقدر بمئات الملايين من الدولارات لتجهيز مستشفيات في بلد آخر.

أقدم شاب على طلب يد فتاة داخل متنزه "حافظية" في شيراز، وشاركه الحاضرون الفرحة من خلال التصفيق، لكن محافظ إقليم فارس وصف هذه الحالة بأنها مخطط لها من قبل "الأعداء في الداخل والخارج".

النظام اعتقل مدير متنزه "حافظية" وعلق عمل المدير العام للتراث الثقافي والسياحة في محافظة فارس بسبب هذه الخطوبة، وكأن النظام الذي يسعى إلى الترويج لارتفاع عدد المواليد، يعارض الخطوبة ويرى أنها تتعارض مع الدين، فاعتقل مدير المتنزه في حين أنه من أنصار النظام، والطريف في الموضوع أن جميع الحاضرين في المتنزه غمرتهم الفرحة ولم يبدوا أية معارضة لأداء الشابين من خلال هذه الطريقة في الخطوبة.

يكشف أداء المسؤولين بأنهم لا يهتمون برغبات المجتمع وأسلوب حياتهم، وكلما ازدادت رغبات الشعب بالعمل طبقاً لهويتهم ورغباتهم الداخلية تزداد التصرفات غير الحكيمة للمسؤولين في النظام.

يقول شهاب مير لوحي محامي الدفاع للصحافية إلهة محمدي التي اعتقلت بسبب مشاركتها في نشر مأساة مقتل مهسا أميني، "حضرت جلسة المحاكمة واكتفى القائمون بقراءة لائحة الاتهامات ولم يسمحوا لنا بطرح أسئلة حول الملف، وختموا الجلسة الأولى لمحاكمتها وقرروا تحديد الجلسة الأخرى في وقت لاحق، وقد طلبنا الإدلاء ببعض التوضيحات وطرح أسئلة لكن للأسف لم يسمحوا لنا بالحديث خلال الجلسة".

في نظام الجمهورية الإسلامية لا توجد حقوق للمتهمين إلا في حالات يتلطف بها النظام من أجل مصلحة معينة، وفي مثل هذه الحالات يكون وجود المحامي في جلسات المحاكمة من أجل استعراض تنفيذ العدالة طبقاً لمصلحة النظام، لكن لا يحق له الدفاع لأن ذلك يضر بمصلحة النظام، كما أن المحاكمة المذكورة لم تكن معلنة حتى لا يسمع أحد صوت محامي الدفاع.

يهدد وزير الصحة في حكومة رئيسي من يقدم على الإجهاض لإيصال رسائل تبرز وفاءه لرغبة المرشد في نمو التعداد السكاني، وقال "إذا كانت اختبارات الحمل لدى النساء إيجابية نرصدها في نظامنا الإلكتروني ولا يحق لهن الإجهاض حتى وقت الولادة، كما توجد سجلات في نظام وزارة الصحة".

هذه التصريحات تكشف عدم الحكمة لدى وزير الصحة، خصوصاً أن المواطنات لسن في حاجة إلى مراجعة المراكز الصحية لاختبار الحمل حتى يقوم القائمون عليها بتسجيل أسمائهم، كما أن القوانين والدين لا يعارضان الإجهاض في أي وقت ولأي سبب.

غالبية رجال الدين الشيعة يفتون بأن الأم بإمكانها الإجهاض بعد أربعة أشهر ونصف من الحمل، وتكتفي حينها بدفع فدية، ولا يمكن للحكومة احتواء الإجهاض في البلاد، إذ تحدث مئات الآلاف من حالات الإجهاض بشكل خفي، ولا يمكن للنظام أن يزج بالمتورطين إلى السجون، ولا يمكن فرض ملاحقة قضائية على عمل يحدث خلال ساعة بالتوافق بين الأم والطبيب.

في كثير من البلدان التي تسعى إلى تحديد الإجهاض تفرض عقوبات على من يساعد في الإجهاض وليس الأم، لكن النظام يحاول مواجهة النساء من خلال هذه التهديدات.

هذه التصرفات غير الحكيمة تصطدم بالواقع وتثبت عدم حكمة مسؤولي النظام الذي يعتبر أن مكانته فوق القانون ولا يخضع للرقابة والتساؤل، ويفسح المجال أمام مسؤولين غير منتخبين من قبل الشعب.