تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

غرامة قياسية على "ميتا" مالكة فيسبوك

ميتا
AvaToday caption
تعتبر عملية معالجة وتخزين بيانات المستخدمين الأوروبيين خارج أوروبا مخالفة لقواعد خصوصية البيانات الصارمة فيها. ولسنوات مضت، تجاهلت بعض أكبر شركات التكنولوجيا ذلك إلى حد ما
posted onMay 23, 2023
noتعليق

فرضت لجنة حماية البيانات الإيرلندية، نيابة عن الاتحاد الأوروبي، غرامة قياسية تبلغ 1,2 مليار يورو على شركة "ميتا" المالكة لفيس بوك، بسبب نقلها بيانات مستخدمين في الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، في انتهاك لحكم قضائي سابق، وتعريض خصوصيات المستخدمين للانتهاك. ما هي خلفيات هذا القرار وهل سيشكل دافعا لسن قانون أوروبي صارم يحمي بيانات المقيمين في دول الاتحاد؟

فرضت لجنة حماية البيانات الإيرلندية الإثنين غرامة مالية قياسية على شركة "ميتا"، المالكة لفيس بوك بلغت 1,2 مليار يورو، لعدم توفيرها الحماية الكافية لبيانات مستخدميها في أوروبا، ونقلها إلى الولايات المتحدة.

وكانت الهيئة الإيرلندية الناظمة، وهي تتحرك نيابة عن الاتحاد الأوروبي، قد توصلت إلى أن "ميتا" انتهكت اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) عندما نقلت مجموعة كبيرة من البيانات الشخصية لمستخدمي فيس بوك الأوروبيين إلى الولايات المتحدة، بدون حمايتها بشكل كاف ويسمح لمؤسسات إنفاذ القانون الأمريكية بالوصول إليها.

وقالت اللجنة إن استخدام "ميتا" لأداة قانونية تُعرف باسم "البنود التعاقدية القياسية" (SCCs) لنقل البيانات إلى الولايات المتحدة "لم تعالج المخاطر التي تتعرض لها الحقوق والحريات الأساسية" لمستخدمي فيس بوك الأوروبيين.

ولدى "ميتا" حتى 12 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل لحذف بيانات مستخدمي فيس بوك الأوروبيين التي تم نقلها وتخزينها في الولايات المتحدة منذ عام 2020. مع ذلك، هناك توقعات بأن لا يمتثل العملاق التكنولوجي للأوامر الأوروبية، حيث أن المفاوضات الأوروبية والأمريكية القائمة حاليا بشأن اتفاقية جديدة تسمح بنقل البيانات الأساسية مع حماية الحريات المدنية، قد تتم قبل ذلك.

هذه الغرامة تضع "ميتا" وحيدة في مرمى النيران القانونية، وربما هذا ما يسعى له الأوروبيون ليجعلوا منها مثالا أمام الشركات التكنولوجية الكبرى الأخرى.

اعتبرت إستيل ماسي، مسؤولة برنامج حماية البيانات في منظمة "آكسس ناو" للحقوق الرقمية، أن للقرار دلالات عميقة تشير إلى نية المشرعين الأوروبيين حماية المواطنين والدفاع عنهم. الغرامة بحد ذاتها ضخمة للغاية، "لكن للأسف هي غير كافية لردع مثل هذه المؤسسات عن جمع بياناتنا وتعريضها لخطر الكشف".

واعتبرت ماسي أن "هذه الشركات تربح الأموال من خلال جمع بيانات الأشخاص. الإشكالية تكمن في قيامها بجمع بيانات الملايين حول العالم ونقلها للولايات المتحدة حيث لا تخضع لنفس مستوى الحماية الذي تتمتع به حسابات المواطنين الأمريكيين، فضلا عن أن نطاق قانون المراقبة في الولايات المتحدة فضفاض جدا".

ثم عادت وذكرت أنه "تم منح ميتا فترة زمنية لنقل بيانات الأوروبيين إلى منشآت تخزين في أوروبا، وخلال هذه الفترة من المتوقع أن يتم التوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة بشأن عمليات نقل وتبادل البيانات، ما سيتيح للشركة الإفلات من هذا الشرط".

يذكر أن محكمة العدل الأوروبية كانت قد ألغت في 2020 اتفاقية بشأن نقل البيانات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تعرف باسم "درع الخصوصية" (Privacy Shield)، بسبب مخاوف من ممارسات أجهزة الرقابة الأمريكية.

وأعربت ماسي عن قلقها من الاتفاق الجديد، إذ "رغم أنه يتضمن شروطا أفضل من الاتفاقية السابقة (PrivacyShield)، إلا أن الولايات المتحدة لم تغير في قواعد مراقبتها لبيانات المستخدمين. هذا يعني بقاء تلك البيانات تحت رقابة الأجهزة الأمنية وهو ما يخلق عددا من المخاطر بشأن خصوصية أصحابها".

وأصدر ناطق باسم "ميتا" بيانا الإثنين اعتبر فيه أن "هذا القرار معيب وغير مبرر ويمثل سابقة خطيرة لعدد لا يحصى من الشركات الأخرى التي تنقل البيانات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة". وأكد البيان أن الشركة ستستأنف ضد القرار، مؤكدا أنه "لا يوجد تعطيل فوري لفيس بوك، لأن القرار يتضمن فترات تنفيذ تستمر حتى وقت لاحق من هذا العام".

تعتبر عملية معالجة وتخزين بيانات المستخدمين الأوروبيين خارج أوروبا مخالفة لقواعد خصوصية البيانات الصارمة فيها. ولسنوات مضت، تجاهلت بعض أكبر شركات التكنولوجيا ذلك إلى حد ما.

 

في 2020، تلقت "ميتا" تحذيرا بشأن الطريقة التي تعاملت بها مع بيانات المستخدمين الأوروبيين، إلا أنها لم تقم بالكثير للاستجابة لتلك التحذيرات. بشأن ذلك، قال مجلس حماية البيانات في أوروبا في حكمه إن ميتا "ارتكبت الانتهاك على الأقل بأعلى درجة من الإهمال".

وقد تبنى سياسيون ومحامون ونشطاء الحقوق الرقمية الأوروبيون وجهة نظر مفادها أن الولايات المتحدة لا تفعل ما يكفي لحماية بيانات المستخدمين. وقد أخبر المنظمون الأوروبيون "ميتا" أن محاولاتها لحماية البيانات ليست كافية، إذ عليها بناء منشآت في أوروبا لتخزين بيانات مواطني الاتحاد.

وتأتي هذه التطورات بعد معركة قضائية خاضها نشطاء وحقوقيون رقميون استمرت نحو 10 سنوات، عقب قيام إدوارد سنودن بالكشف عن قيام شركات تكنولوجية، مثل غوغل وفيس بوك، بتسليم بيانات مستخدميها عمدا لوكالات أمنية أمريكية.

قال ماكس شرمز، الناشط والحقوقي النمساوي الذي رفع دعوى قضائية ضد فيس بوك لفشلها في حماية حقوق الخصوصية الخاصة به في 2013: "يسعدني أن أرى هذا القرار بعد عشر سنوات من التقاضي... لكن ما لم يتم إصلاح قوانين الرقابة الأمريكية، سيتعين على ميتا إعادة هيكلة أنظمتها بشكل أساسي".

بالنسبة لإستيل ماسي، فإن "حجم هذه الغرامة يشير إلى أن الشركات لديها الكثير من المخاطر المطروحة على الطاولة". وتعود وتستدرك: "لكن على الرغم من ذلك، أخشى أن ممارسات شركة ميتا لن تتغير. فقيمة الغرامة، على ضخامتها، ليست ذات أهمية بالنسبة لشركة تكسب العديد من المليارات سنويا".

في هذا الإطار، سبق للولايات المتحدة نفسها أن خاضت معركة مماثلة ضد تطبيق "تيك توك" الصيني بحجة خرقه قواعد مراقبة البيانات الخاصة بمستخدميه ونقلها إلى الصين. وانتقد سياسيون أمريكيون التطبيق واعتبروه أداة تجسس على مواطنيهم. لذا، أجبرت الحكومة الأمريكية شركة "بايت دانس" المالكة لـ"تيك توك" على إنفاق المليارات لنقل مرافق تخزين ومعالجة بيانات المستخدمين الأمريكيين إلى الولايات المتحدة.

وللمفارقة، كانت "ميتا" من أكبر المؤيدين لمثل هذه الإجراءات بحق الشركة الصينية، حيث قامت بحملة ضغط مكثفة في الكونغرس من أجل اعتبار "تيك توك" خطرا على الأمن القومي. وفي المقابل، لا يبدو أن الشركة العملاقة مستعدة لتطبيق نفس القواعد حيال بيانات المستخدمين الأوروبيين لخدماتها، وترى أن نقل هذه البيانات إلى الولايات المتحدة لا يمثل أي مشكلة.

من المتوقع التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن مجموعة من القواعد الخاصة بنقل وتبادل البيانات بحلول نهاية الصيف، الأمر الذي يشكل نقطة مفصلية لشركات مثل "ميتا". فبدون هذا الاتفاق، سيكون على الشركة القيام بمهمة شبه مستحيلة تتمثل في إعادة صياغة طريقة عملها وحذف جميع بيانات المستخدمين من الاتحاد الأوروبي التي خزنتها في الولايات المتحدة.

لذا، قد تشكل هذه الغرامة أكثر من خسارة مالية لميتا، إذ إنها أيضا جزء من معركة جيوسياسية أكبر، وتأكيد على أن خصوصية البيانات في أوروبا مسألة حساسة.