تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الإطار التنسيقي: من فشل الأداء إلى "البيت الشيعي"

الاطار التنسيقي
AvaToday caption
الحقيقة لا يحتاج الأمر إلى الكثير من التفحص والتأمل لاكتشاف أن قلق الإطار من استبعاده من الحكومة المقبلة ورفضه الذهاب للمعارضة لا علاقة له بالتبريرات المعلنة التي يسوقها وليس مرتبطا بحماية مصلحة وطنية أو تحقيق هدف عام نافع
posted onApril 4, 2022
noتعليق

عقيل عباس

شهد العراق على مدى الأشهر الاخيرة العديد من الأحداث السياسية الحافلة والمناورات القانونية، أثبت الإطار التنسيقي براعة لافتةً في استخدام مهارات البقاء والتعطيل، فيما عجز تماما عن تقديم أفكار جديدة لها قيمة وطنية أو تخدم الصالح العام.

تقوم استراتيجية الإطار في صراعه مع التيار الصدري على تخويف الناس، الشيعة تحديدا، من خلال تخييرهم بين السيء والأسوأ: السيء هي الحكومات التوافقية الفاشلة التي انتقدها في السابق ساسة الإطار بشدة، والأسوأ هو اقتتال شيعي-شيعي يسفك فيه الدم وتضيع السلطة بسببه من يد الشيعة!!

في سردية الإطار هذه، سيحصل هذا الأسوأ إذا لم يتم إدخاله كشريك في الحكومة المقبلة!! الحجة ذاتها غير مقنعة وعلى نحو يثير السخرية.

كيف يمكن لذهاب تحالف سياسي إلى المعارضة في البرلمان أن يقود إلى حرب أهلية؟ ولماذا يؤدي قبول هذا التحالف بالمعارضة البرلمانية، في السياق العراقي الحالي، إلى خسارة الشيعة للسلطة، خصوصا وأن الكتلة الأكبر في البرلمان شيعية ورئيس الوزراء الذي ترشحه شيعي أيضا؟

تبقى مثل هذه الأسئلة البسيطة دون أجوبة واضحة ومنطقية من الإطار، الذي يأخذك كلام ساسته ومؤيديه عند مواجهتهم بهذه الأسئلة في متاهة طويلة من سيناريوهات المؤامرة التي تحيكها قوى إقليمية ودولية، بتسهيل من أطراف عراقية إما ساذجة أو متواطئة، لاستهداف الشيعة وصولا إلى خاتمة غريبة لهذه السيناريوهات وخلاصتها أن بقاء الإطار في السلطة هو الذي سيفشل هذه السيناريوهات!!

كان يمكن لمثل هذه الخيالات "المؤامراتية" أن تكون مؤثرة في تفكير الجمهور قبل 10 أو 15 عاما، لكن ليس الآن، عندما تجاوز المجتمع إلى حد كبير الفخاخ الطائفية، وازدادت مناعته ضد التفسيرات المؤامراتية.

وفي حديث الإطار المسهب عن المخاطر الكثيرة المفترضة التي سيعاني منها البلد عموما والشيعة خصوصا، في حال استبعاده من الحكومة، يغيب، على نحو فادح، تقييم أداء الحكومات التوافقية السابقة التي شكلها الإطار وقادها على مدى أكثر من 15 عاما. وحتى مع الإقرار العام الذي لا يجرؤ على مخالفته أحد، بضمنه ساسة الإطار وجمهوره، بأن تجارب تلك الحكومات سيئة على كل الاصعدة تقريبا، فان الإطار يصر على ضرورة استمرار تقليد هذه الحكومات من دون تقديمه شرحا معقولا، أو حتى شبه معقول، عن السبب الذي يدفعه للتمسك بنفس التجربة الخاطئة السابقة وتكرار الفشل المعتاد عبر حكومات عقيمة يكثر فيها الفساد وتضيع فيها المسؤولية. ما الذي قدمته تجربة هذه الحكومات للعراق عموما والشيعة تحديدا على مدى السنوات الماضية؟ سؤال سيبقى دون جواب من جانب الإطار.

في الحقيقة لا يحتاج الأمر إلى الكثير من التفحص والتأمل لاكتشاف أن قلق الإطار من استبعاده من الحكومة المقبلة ورفضه الذهاب للمعارضة لا علاقة له بالتبريرات المعلنة التي يسوقها وليس مرتبطا بحماية مصلحة وطنية أو تحقيق هدف عام نافع، سواء شيعيا أو عراقيا.

قلق الإطار ليس وطنيا، بل هو قلق حزبي وشخصي صرف، ومرتبط بخوف أطراف الإطار المختلفة من فقدان امتيازات السلطة القانونية وغير القانونية، ومنها الوصول إلى المال العام واستخدام مؤسسات الدولة كإقطاعات حزبية والاحتفاظ بالمجاميع المسلحة الميليشياوية التابعة لبعض أطرافه، فضلا عن الحماية المؤسساتية من التعقب القضائي بخصوص قضايا فساد كثيرة يُتهم بها "الإطاريون".

لكن هناك نقطة جوهرية تستحق التوقف عندها بخصوص سلوك الإطار وخطابه، تتعلق بالطائفة والطائفية وكيفية توظيفهما سياسيا في السياق العام. باستثناء رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، الذي يبدو وجوده في الإطار التنسيقي أمرا غريبا ومناقضا لسلوكه السياسي، بل غير مناسب له، لأطراف الإطار تاريخ واضح ومنسجم نسبيا بخصوص ربط هوياتهم السياسية والأخلاقية والفردية بالتشيع والدفاع عنه سواء إقليميا، من خلال انضوائهم في "محور المقاومة" أو تعاطفهم معه في خوضه معاركه المتعددة والمفتوحة في المنطقة (لبنان، سوريا، اليمن)، أو عراقيا من خلال تأكيدهم المتواصل، خطابا وسلوكا، على التفسير المكوناتي للبلد في إطار هرمية مفترضة يحتل قمتها الشيعة، بوصفهم الأغلبية السكانية، فيما يأتي الأكراد والعرب السنة تاليا كلاعبين ثانونيين وتابعين عموما. اختصر التفكير المكوناتي للإطار وهويته الطائفية مفهوم "البيت الشيعي" الذي استند على فكرة مغلوطة، بل ومخاتلة، عبر تحويل الأغلبية السكانية مذهبيا، المتنوعة فكريا وسياسيا، إلى مفهوم أيديولوجي وواقع سياسي تحتكر تمثيله أحزاب الإسلام السياسي الشيعي.

إحدى أهم نتائج الانتخابات الاخيرة، ومقاطعة أغلبية الشيعة لها، هي اختبار مقولة "البيت الشيعي" وصلاحيته التمثيلية للشيعة.

انهارت المقولة عمليا بعد الانتخابات، خصوصا في سياق رفض التيار الصدري التحالف مع الإطار التنسيقي في حكومة توافقية جديدة تبقي على ظاهر "البيت الشيعي" متماسكا على الأقل في بعض القضايا المفصلية سياسيا ويستفيد منها الساسة المتحاصصون في السلطة مثل تحديد الكتلة الأكبر واختيار رئيس الوزراء وكيفية تشكيل التحالفات مع "المكونات" الاخرى، فيما يهمل تماما في القضايا الأخرى المتعلقة بالمصالح العامة المرتبطة بالشيعة كتقديم الخدمات وصناعة الفرص الاقتصادية لهم.

يستدعي الإطار التنسيقي "البيت الشيعي" كثيرا في خطابه هذه الأيام، ويقدم نفسه على أنه يدافع عن هذا البيت بوصفه ضمانة لـ"حق المكون الأكبر" وكأن للمكونات حقوق وينبغي الدفاع عنها، في تشويه فج لمعاني المواطنة والمساواة والديمقراطية. في سياق هذا الاستدعاء المستمر لـ"البيت الشيعي" يسعى الإطار لتسويق فكرة مؤداها أن تهديد "البيت الشيعي" هو تهديد للشيعة أنفسهم كمواطنين وأفراد، وأن وجودنا في السلطة هو ضمان لاستمرار هذا البيت وبالتالي حماية الشيعة!! لا تستطيع الأغلبية الساحقة من الشيعة أن تصف فائدة واحدة قدمها هذا البيت لهم، أو لبقية العراقيين.

"البيت الشيعي" حجر أساس في صرح الطائفية السياسية الذي شيد في عراق ما بعد 2003، لكن بمرور الزمن وظهور الاختلافات بين أحزاب الإسلام السياسي الشيعي، بدأت أهميته تتراجع ليتحول لديكور طائفي لا قيمة سياسية حقيقية له ولا اهتمام شعبي به.

بعد الانتخابات الأخيرة، وإزاء شح الحجج ذات التأثير العاطفي أو الهوياتي التي يمكن أن يستخدمها الإطار التنسيقي في صراعه للبقاء في السلطة وعدم الذهاب للمعارضة، أحيا الإطار بقوة فكرة "البيت الشيعي" ومنح نفسه "مجد" الدفاع عنه في سعيه لتحويله إلى قضية صالح عام يخفي وراءها دوافعه الحقيقية، الحزبية الطابع، للتمسك بالسلطة التي لا علاقة لها بالصالح العام، لا من قريب ولا من بعيد.