تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

بيروت.. شرعة للمطالبين ببناء الدولة

الثورة اللبنانية ضد الفساد وفقدان الوطن
AvaToday caption
فيما الانتفاضة، التي وصلت إلى ذروة حضورها في الأشهر الأولى وتراجعت تحت وطأة التهديدات والحملات التأديبية إضافة إلى جائحة كورنا، تعاني من خسارتها زمام المبادرة
posted onAugust 1, 2020
noتعليق

مصطفى فحص

تحتاج أي حركة التغيير حتى تصل إلى أهدافها الممكنة إلى عاملين، الفِعل والفاعل. في الأزمة اللبنانية، إن الفِعل السياسي والشعبي الذي تحقق في 17 أكتوبر يحتاج وبشكل مُلح إلى فاعل سياسي، يبلور الشعارات والمطالب التي رفعها المحتجون في أُطر سياسية متعددة تحفظ تنوعهم وتعدديتهم، وتبلور الحد الأدنى من المشتركات السياسية بين الأفراد والجماعات المنخرطة في مشروع التعيير.

الفاعل السياسي الذي غاب عن المشهد في الأشهر الأولى من انتفاضة أكتوبر، قصرا أو طوعا، تجنبا للاتهام وخوفا من الانتقام، يفرض عليه الواقع السياسي للمنظومة الحاكمة وحالة التراجع الشعبي التي تشهدها ساحات الانتفاضة الانتقال إلى مرحلة تأسيسية يبني عليها مشروعه ومشروعيته، حتى يفرض حضوره الداخلي كبديل مفترض يمثل الفضاء العام لانتفاضة أكتوبر، وخارجيا على قاعدة أن السلطة فقدت شرعيتها وعلى الآخرين التعامل مع من يمثل الأغلبية.

داخليا، تشهد العاصمة اللبنانية حراكا غير مسبوق بين المجموعات المنظمة وبين النخب الثقافية والاقتصادية المؤثرة من أجل توحيد صفوفها، بعد مرحلة من الانقسامات في صفوفها التي أثرت على موقعها لدى الرأي العام اللبناني. خصوصا، وأن هذا الرأي العام يحملها جزءا من مسؤولية التراجع والإحباط.

هي فعليا مدانة، لجهة أنها، وبرغم الإجماع على مطالبها الأساسية وتوحدها تحت شعارها الذهبي "كلن يعني كلن"، تأخرت في رسم خارطة طريق تتضمن أقله برنامجين، الأول يحدد كيفية إسقاط المنظومة شعبيا ودستوريا، والثاني يحدد شروط إنتاج البدائل.

في هذه المرحلة وصل عجز السلطة إلى ذروته. هي غير قادرة على إعادة إنتاج نفسها وإعادة تعويم خطابها السياسي والحزبي، فلجأت إلى حكومة مستشارين من الدرجة الخامسة، فيما الانتفاضة، التي وصلت إلى ذروة حضورها في الأشهر الأولى وتراجعت تحت وطأة التهديدات والحملات التأديبية إضافة إلى جائحة كورنا، تعاني من خسارتها زمام المبادرة، مما ساعدة المنظومة الحاكمة على تنفيذ مناورتها من جديد، وعزز الانتقادات القاسية من الرأي العام للانتفاضة.

الملفت أن هذه المجموعات المنظمة والحركات الشبابية الأكثر راديكالية إضافة إلى النخب المؤثرة، باتت مقتنعة بضرورة توحيد جهودها، وهذه ضرورة ملحة لخلق مناخ سياسي صحي يساعد على انتقال الانتفاضة من مرحلة الفعل الثوري إلى تشكيل الفاعل السياسي، وهذا ما دفعها للبناء على القواسم المشتركة فيما بينها وليس ذوبانها في إطار واحد، وتخليها الجزئي عن طروحاتها الخاصة أكانت ليبرالية يمنية أو يسارية.

وقد تمكنت أخيرا من القيام بخطوات أولية من خلال التفكير بإنشاء جبهات، وإعلان نوايا مشتركة، وإصدار بيانات موحدة، كما قامت حركة نخوبية بتأسيس الجبهة المدنية الوطنية التي تضم عددا من الشخصيات الثقافية والمالية إضافة إلى أطر أخرى تتوسع في المناطق من أبرزها تكتل عامية لبنان.

التحول الأبرز الذي جرى أخيرا هو الإعلان عن شرعة الإنقاذ الوطني التي تضمنت 10 بنود سياسية اقتصادية اجتماعية أكدت ضرورة إعادة إحياء الجمهورية الديمقراطية البرلمانية وإعادة بناء العلاقة ما بين المجتمع والدولة وفقا لمعايير المساواة والعدالة الاجتماعية والكفاءة وليس المحسوبية والزبائنية، وقد استطاعت جمع تواقيع أكثر من 5500 شخص في أقل من شهر منذ توزيعها على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه أول وثيقة وطنية تلقى هذا الإجماع ليس منذ 17 أكتوبر بل في العقود الأخيرة، ولا تقف خلفها جهات حزبية أو شخصيات سياسية، بل كانت نتيجة لعمل مشترك قام به مجموعة من النشطاء الشباب ونخب وطنية وازنة في الحياة السياسية والثقافية اللبنانية.

في اجتماعها الافتراضي الأول الذي عقد نهار الأربعاء الفائت وحضره 150 من الموقعين على الشرعة الذين حددوا أولويات المرحلة المقبلة في توحيد الجهود داخليا في العاصمة بيروت ومع الأطراف وفي بلاد الانتشار، لترجمة الأفكار التي طرحتها الشرعة عمليا خصوصا في الاقتصاد والتنمية والعدالة الاجتماعية، وشبكات الأمان والحماية الاجتماعية الشاملة. وأكدت عضوة لجنة المتابعة للشرعة مارينا عريجي التي أدارت اجتماعها الأول "أن الإعلان عن الشرعة يتقاطع مع لحظة مصيرية يمر بيها لبنان تتطلب توحيد جهود الجميع في إطار ائتلاف عريض جامع ومشترك، بهدف تفعيل ما بدأته الانتفاضة قبل 9 أشهر من أجل الانتقال إلى مواجهة سياسية مفتوحة سترسم نتائجها شكل الدولة الجديدة".

الأبرز في نقاشات الشرعة هو المطالبة بإعادة تكوين السلطة والدعوة إلى مؤتمر إنقاذ وطني يبدو أشبه بعقد وطني يعيد تأسيس الاجتماع اللبناني بعيدا عن سلطة الطوائف وامتيازاتها ويقطع الطريق على دعاة المؤتمر التأسيسي على قاعدة الاستقواء والغلبة.