تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

رهائن... إيران

زوج نازانين المعتقلة في إيران
AvaToday caption
الأسرى يملكون حقّ التفكير بما هو معروض عليهم من خيارات. لهم أن يختاروا كيف ينسون ماضيهم، حيث البحبوحة، حيث الحرية، حيث العمل، حيث السياحة، حيث النزهات، حيث القهقهات، حيث الحب، وحيث الطموح
posted onJune 20, 2020
noتعليق

فارس خشّان

تفقد الدول وظيفتها عندما يصبح حكامها خاطفين ومواطنوها رهائن.

هذا هو واقع الدول التي يتم إلحاقها، بالقوة، في فلك "الجمهورية الإسلامية في إيران"، ومن بينها، بطبيعة الحال، لبنان.

المواقف السياسة التي يطلقها "حزب الله" والحاكمون بقوته، مصاغة بأدبيات الخاطفين.

الأمين العام للحزب حسن نصرالله لا يتوقف عن التهويل، إلا عندما يأخذ نفسا. يُهدّد الرهائن إن تمردوا، ويُهدد من يمكن أن يفكر، لو لوهلة وجيزة، باللجوء إلى القوة للمساعدة على تحريرهم.

الحاكمون باسمه الذين يوليهم ثقته لإدارة المعتقلات، يحاولون إقناع الرهائن، بالحسنى أم بالبطش، أن مصلحتهم تكمن بالهدوء، "لأننا جميعا في مركب واحد".

الرهائن أنفسهم الذين أعياهم التعب والفقر والسرقة والرعب، انقسموا على أنفسهم. بعضهم يسعى إلى التمرّد على السلاح الذي يأسرهم والانقضاض عليه، ولكن بعضهم الآخر يتبرأ من هذا المسعى، لأن الخاطف مستعد أن يُطلق النار على الرؤوس، وهم بين أن يكونوا رهائن وبين أن يكونوا جثثا، اختاروا أن يبقوا أحياء، حيث يمكنهم أن يُنظّموا حفلات المصارعة، ويأكلوا فتات الخبز، ويتنافسوا في "لعب الورق" وفي "دق طاولة" وفي "مباراة كرة قدم"، ويتسلّوا بحفلات الزجل المسائية، ويتقاتلوا على تحديد الأقوى بينهم.

في المعتقلات حكماء وخطباء ورجال دين. كثيرون بينهم متعاطفون مع الرهائن، ولكن أي واحد منهم لا يشذ عن القواعد التي وضعها الخاطفون.

هؤلاء لا ينكرون أن الرهائن معذّبون، مهانون، قلقون، فقراء، وجائعون، لكنهم يدعونهم إلى التحلي بالصبر، وإلى التأمّل بفوائد الاستسلام ورحمات الموت، وإلى التطلع إلى وعود جنة الخلد للمعذبين على الأرض.

ويلفت هؤلاء نظر الرهائن إلى مزارع الخِراف التي تجاور معتقلاتهم، ويدعونهم إلى الحمد والشكر، أن الخاطفين أرحم من الرعاة. الرعاة يقودون كلّ يوم مجموعة من الخراف، رغما عنها، إلى الذبح. الخاطفون لا يفعلون ذلك، بل يجنّدون الأسرى تجنيدا.

والتجنيد، بالنسبة لهم، ليس مثل الاقتياد.

التجنيد هو خيار بين البقاء في المعتقل أو بين الذهاب إلى المسلخ.

وعلى الطريق إلى المسلخ، يذوق الأسرى المجنّدون طعم الحرية، ويشعرون بلذة القوة، ويختارون أسرى جددا، ويُسمح لهم، في كثير من الأحيان، أن يُطيلوا الطريق، وأن يتنّعموا بهالات الدولارات في جيوبهم، وأن يتغنّوا بحذاء القائد، وبلثغته، وبطلّته، وبحكمته، وببطشه، وبحروبه التي يستحيل أن تنتهي.

والأسرى يملكون حقّ التفكير بما هو معروض عليهم من خيارات. لهم أن يختاروا كيف ينسون ماضيهم، حيث البحبوحة، حيث الحرية، حيث العمل، حيث السياحة، حيث النزهات، حيث القهقهات، حيث الحب، وحيث الطموح. لهم أن يقارنوا بين أن يكونوا جماعة واحدة تُدار من الخاطف الأكبر، أو بين يكونوا جماعات لا مركزية، يديرها خاطفون ثانويون يختارهم الخاطف الأكبر، أو بين أن يكونوا فرقا متناحرة، بإمرة قيادات تستظل سقف الخاطف الأكبر.

والأسرى وجدوا في هذه النقاشات متنفّسا يُلهيهم عن مآسيهم ويُنسيهم عذابات السعي إلى الهدف الأسمى.

يُراقبهم الخاطف بسعادة مطلقة، وهم يتحاججون، وهم يتشاتمون، وهم يتناحرون، وهم يعنّفون من يعقّلهم بأن المشكلة ليست في النظام الأمثل لإدارة المعتقلات بل في وجود المعتقلات أصلا، وأن الهدف الواجب التركيز عليه، ليس في وضعية الرهائن، بل في استعادة الحرية.

ويكافئ الخاطفون الأسرى بإبعاد العاقلين من بينهم وإنزال أشدّ العقوبات بهم. يضعونهم في زنزانات إفرادية. لا يجدون من يخاطبونه، فيناجوا الفئران والجرذان. يرمون لهم الخبز المعفّن طعاما والمياه الآسنة شرابا. ويُخيّرونهم، كتسلية، بين تنظيف مراحيض الحرّاس وبين تلميع أحذيتهم الموحلة.

والمعتقل فيه دبلوماسيون معتمدون. هؤلاء يُسمح لهم بأن يجولوا لتفقّد حال الرهائن. يقطبّون جباههم وهم يطبعون تقاريرهم. ينقلون إلى دولهم انطباعاتهم عن المعتقلات والأفكار التي يسرّها إليهم الناطقون باسم الرهائن. ويبلغونهم بأنّ الخاطفين ودودون معهم وضيافتهم كريمة ومعاشرتهم مسليّة.

وفي نهاية كل برقية، يطلب الدبلوماسيون تعليمات عواصمهم، فتأتيهم مكرّرة: اطلبوا من الرهائن أن يتحلّوا بالحكمة، وبأن يشكروا الله على ما يُعطى لهم من طعام، ومن نِعمة الاجتماع بكم. وشدّدوا على الخاطفين أن يكونوا أقل بطشا وأكثر رحمة، ونحن في المقابل، سنساعدهم بإيهام الأسرى بأن الفرج آت من عندنا، فينتظروا بسكينة وهدوء.

إنّ خاطف الشعوب يمتاز عن خاطف الأفراد. خاطف الأفراد يريد المقايضة بأفراد آخرين، أو بالمال. شروطه، صعبة كانت أم سهلة، معروفة، وبنتيجتها تستعيد الرهينة الحرية التي افتقدتها.

أما خاطف الشعوب، فلا يتطلّع إلى المقايضة، فمعه الرهائن رهائن إلى الأبد، لأنه إذا حرّر الرهائن مقابل السلطة، فهؤلاء سينقلبون عليه، وإذا قايضهم بالمال فهؤلاء سيثورون عليه.

هموم الفرد الرهينة محدودة الزمن بحدود الفترة اللازمة لاستجابة طلبات الخاطف، في حين أنّ هموم الشعوب الرهينة تتوالد وتدوم وتتأبّد.

الدول تمتنع عن مفاوضة خاطف الأفراد، ولكنّها تقيم علاقات دبلوماسية مع خاطف الشعوب.

والشعوب تسعى إلى اعتقال خاطف الأفراد وتحاكمه وتنبذه، بينما تضعف أمام خاطفها وتجد له التبريرات وتخضع لإرادته، وتكتفي بتنظيم جنازات حاشدة لمن يسقط منها مذابحه.

عندما تؤخذ الشعوب رهائن توضع بين خيارين: "تأبيد العبودية" أو تصفية الخاطف. التفتيش عن خيار ثالث مجرّد... وهم!