موسى أفشار
في أوقات الضعف وعندما تعمل الازمة الخانقة التي يعاني منها النظام الايراني على تضييق الخناق أکثر فأکثر عليه، فإنه وبعد أن أسقط في يده ولم يعد بإمکانه من القيام بالمزيد من الهروب للأمام، فإن قادة النظام وفي هکذا وقت حرج حيث يجدون سياط الازمة الخانقة تلسع ظهورهم، فإنهم لا يجدون مناصا من الانبطاح على أثر لسعات تلك السياط.
سياسة النظام الايراني قائمة على أساس وضعه، فإن کان في وضع لا يجد هناك من تهديدات أو تحديات تحدق به، فإنها ستکون سياسة تتسم بالعنجهية والغطرسة والتحدي وتهديدات الآخرين، أما إذا کان يجد نفسه في موقف ضعف وإن التهديدات تحاصره من کل جانب، فعندئذ تکون سياسته مبنية على أساس ما يسمونه بالمرونة والتعاون والمصلحة المشترکة للبلدان والشعوب، ولعل المقارنة بين الفترة التي کانت تسبق الاتفاق النووي لعام 2015، والفترة التي تلت إبرامه، وکذلك بين الفترة التي سبقت إنتفاضة 16 سبتمبر والفترة التي جاءت بعده، کافية لتوضيح ما قد ذکرناه آنفا.
اليوم، وبعد أن وصلت أزمة النظام ولاسيما الجانب الاقتصادي منها الى العظم، وباتت تنخر فيه، ووصل الامر الى حد الاعتراف من إنه حتى لو تم رفع العقوبات وسمح للنظام الايراني أن يبيع النفط کما يشاء، فإنه لن يتمکن من معالجة هذه الازمة ووضع حد له. فإن خامنئي وفي خطابه لدى إستقباله يوم السبت الـ20 من مايو الجاري لمسٶولي وزارة الخارجية وسفراء النظام، فقد قال وفي مسعى واضح من أجل التغطية على حالة الضعف والانکسار للنظام، من جراء الازمة الخانقة التي يعاني منها في مختلف المجالات والتي تعمقت وتجذر أکثر بعد إنتفاضة سبتمبر وهو يتحدث عن ما سماه معايير ومؤشرات السياسة الخارجية الناجحة، معتبرا "العزة" تعني تجنب دبلوماسية الاستجداء، و"الحكمة" تعني التعاملات والأنشطة الحكيمة والمدروسة، و"المصلحة" بمعنى المرونة لتجاوز العقبات الصعبة ومواصلة المسار الأساسي في دبلوماسية البلاد.
خامنئي الذي يسعى للإيحاء بأن عزة نظامه جنبته سياسة الاستجداء، في حين إنه وصف ما قد قام ويقوم به النظام من نشاطات وتحرکات سياسية ودبلوماسية بعد الانتفاضة، ولم يكن يقدم عليها من قبل، بأنها "مرونة"، ولاشك إن خامنئي قام بأکبر عملية لعب بالکلمات والمصطلحات السياسية من أجل تبرير ما قد آلت إليه التحرکات والنشاطات السياسية والدبلوماسية للنظام في المرحلة الحالية والتي هي مرحلة ذروة الازمة حيث يسعى من أجل إبعاد الاخطار والتهديدات المحدقة بالنظام ولا سيما عندما إعتبر أن "التواجد الفعال والموجه في مختلف الظواهر والأحداث والتيارات السياسية والاقتصادية في العالم"، و"ازالة وتقليل السياسات والقرارات المهددة ضد إيران"، و"إضعاف المراكز الخطرة"، "تعزيز الحكومات والجماعات المتحالفة مع إيران وتطويرها، وتوسعة العمق الاستراتيجي للبلاد "والقدرة على التعرف على الطبقات المخفية في القرارات والإجراءات الإقليمية والعالمية" بأنها خمسة مبادئ أخرى في اتخاذ سياسة خارجية ناجحة ومشرفة.
ولکنه لم يتحدث عن الطرق والاساليب التي يسلکها النظام بخصوص "ازالة وتقليل السياسات والقرارات المهددة ضد إيران"، وکذلك بشأن "إضعاف المراكز الخطرة"، وإنما يکتفي بذلك الطرح المتسم بالضابية والغموض، متناسيا من إن هناك قراءة دقيقة لما بين أسطر الخطاب السياسي للنظام خلال هذه الفترة تحديدا والتي يقوم النظام خلالها برسم سياسته وتحرکاته الدبلوماسية على وقع "لسع" سياط أزمته الخانقة.
في المرحلة التي سبقت انتفاضة سبتمبر 2022 المزلزلة، کان خامنئي یتبجح بنجاح سیاسته المسماة بـ «المرونة البطولیة» في مواجهة التحدیدات الدولیة والاقلیمیة..
لکن سرعان ما وصلت تلك «المرونة» الرعناء! إلی انطباح.. لا بطولي! هذه المرة..