Ana içeriğe atla

كتاب يحتفي بالبريطاني دنيس جونسون ديفيز

دنيس جونسون ديفيز
AvaToday caption
يتأسف دنيس لعدم تفاعل العالم الغربي مع الآداب العربية الحديثة، ويؤكد أن نجيب محفوظ لو لم ينل جائزة نوبل لما وجد ناشراً في بريطانيا يقبل بطبع ترجمة أعماله
posted onMay 2, 2021
noyorum

في شهادته عن دور دنيس جونسون ديفيز (1922 - 2017) في إشعاع الأدب العربي الحديث خارج لغته يقول نجيب محفوظ: "الحقيقة أن دنيس بذل جهداً لا يضاهى في ترجمة الأدب العربي الحديث وترويجه". يورد الناقد والمترجم المغربي إبراهيم أولحيان هذا المقتطف مدخلاً لكتابه الجديد "دنيس جونسون ديفيز: رائد ترجمة الأدب العربي الحديث إلى الإنجليزية" الصادر عن  دار أروقة، مع مدخل آخر لإدوارد سعيد عنه،  ومقتطف من شهادة المترجم البريطاني المعروف بول ستاركي، يقول فيه: "سيبقى دنيس جونسون ديفيز شخصية فذة وفريدة في حقل الترجمة من اللغة العربية، ولا يمكن لأحد أن يكرر ما حققه، لكننا سنظل نحن الذين حاولنا اقتفاء خطاه مدينين له إلى الأبد".

أورد الناقد المغربي هذه العتبات الثلاث في كتابه عن دنيس ليوضح  للقارئ العربي مكانة هذا المترجم وقيمته، سواء في الوسط الثقافي العربي أو الأوساط الناطقة بالإنجليزية. والحقيقة أن دنيس البريطاني المولود في كندا عام 1922 دخل حقل الترجمة من باب الحب والنضال، حبه لهذا الأدب ونضاله من أجل نقله إلى اللغة الإنجليزية. فقد اختار أن يترجم مختارات قصصية لمحمود تيمور سنة 1946، ويصدرها على نفقته الخاصة، ويستمر في نقل نصوص الأدب العربي الحديث تباعاً في غياب دعم المؤسسات العربية نفسها لآدابها.

حين اختار دنيس دراسة الأدب العربي في جامعة كامبردج نهاية الثلاثينيات، لم يكن عدد الطلاب المعنيين بهذا الأدب يتجاوز ثلاثة  أفراد. كان اختياره امتداداً لتجربته في مصر والسودان، فقد عاش جزءاً من طفولته في هذين البلدين العربيين، وتعمقت علاقته باللغة العربية في جامعة كامبردج، وفي مرحلة عمله في القسم العربي لـ"بي بي سي" خلال الحرب العالمية الثانية.

في مقدمة الكتاب يعود إبراهيم أولحيان إلى علاقته بدنيس متذكراً تفاصيل اللقاء الأول، مشيداً بذاكرته القوية التي ظلت متوقدة وهو في الثمانين من عمره، وحماسته وانشغاله بمشاريع الترجمة. وما شد انتباه الناقد المغربي هو ميل دنيس إلى اختيارات خاصة مبنية على ذوق فردي ومعرفة بالحياة الثقافية العربية، وإعراضٍ في الآن ذاته عن ترجمة أعمال يقترحها الكتاب أنفسهم على المترجم.

ركز أولحيان في كتابه على عملين أساسيين لدنيس هما، "ذكريات في الترجمة" و"موسم صيد في بيروت"، محاولا تعقب مسار المترجم البريطاني في الحياة وفي الثقافة. فالكتابان بقدر ما هما سيرة ذاتية، هما في الآن ذاته سيرة معرفية. وفضلاً عن قراءته في هذين العملين ضمّن أولحيان كتابه حوارين أجراهما مع دنيس خلال تردده على مدينة مراكش، إضافة إلى شهادات عنه لمترجمين وكتاب من العالم العربي ومن خارجه.

يقدم الناقد المغربي معطيات قد تكون جديدة لدى نسبة كبيرة من القراء العرب، أبرزها أن دنيس لم يتوقف عند ترجمة الأدب العربي فحسب، بل عاد أيضاً إلى النصوص الدينية القديمة ونقلها إلى الإنجليزية، وأبرزها الأحاديث النبوية مثل "الأربعون النووية" و"الأربعون القدسية" و"مختصر الكلِم الطيب" برفقة عز الدين إبراهيم، إضافة إلى انشغاله بترجمة معاني القرآن الكريم، وترجمة أعمال أخرى لم ينهها للإمام الغزالي وإخوان الصفا.

 لم يكن دنيس مترجماً فحسب، وإن عرف اسمه في حقل الترجمة بالأساس، بل إنه أيضاً كاتب، أصدر روايتين في شبابه باسم مستعار، ثم كتاباً قصصياً في مرحلة متقدمة من العمر عنوانه "مصير أسود". وينقل لنا أولحيان معلومة مفادها أن دنيس أخبره بأن لديه عملاً قصصياً آخر لم يتيسر له النشر. إن شغف دنيس بالحياة العربية عموماً دفعه إلى تأليف قصص للأطفال تدور حول أسماء لها بصمتها في التاريخ العربي، ابن بطوطة، وصلاح الدين الأيوبي، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وجحا وغيرهم.

يتأسف أولحيان على عدم إتمام دنيس لمشروع كتابة سيرته الخاصة التي ظل الناقد المغربي يشجعه، برفقة زوجته الفنانة الفوتوغرافية باولا كروشياني، على مواصلة كتابتها. غير أن حماسة الناقد وزوجة دنيس كان يحدها في الغالب انشغال المترجم بنقل أعمال أخرى من العالم العربي إلى قراء الإنجليزية.

ويبقى كتابه "ذكريات في الترجمة" الذي صدر سنة 2006 عملاً لافتاً يضيء تجربة الرجل في هذا المجال على مدار ستة عقود. وقد انطلق أولحيان في مقاربة هذا الكتاب من مقولة مهمة لدنيس تلخص من جهة مساره الثقافي، وتكشف من جهة أخرى منتهى ما يطمح إليه أي مترجم، "في نهاية المطاف فإن المرء يسعى إلى تقديم ترجمة مفهومة ومبهجة في آن". يعود المؤلف إلى المصادفات التي قادته إلى اللغة العربية، وإلى لقاءاته بأقطاب الأدب العربي في مصر خلال منتصف القرن الماضي مثل توفيق الحكيم ويحيى حقي ولويس عوض ومحمد مندور. كما يتوقف عند أولى ترجماته لأسماء عربية مهمة من خارج مصر مثل غسان كنفاني والطيب صالح وزكريا تامر وغيرهم.

وفي غياب أي دعم عربي لمشاريعه في الترجمة خلال تلك الفترة، تكفل دنيس بنفسه بهذه المهمة وعول على جيبه فقط من أجل إطلاق مشاريع ثقافية رائدة في مجال الترجمة، فأصدر سلسلتين مهمتين هما "كتّاب أفارقة" و"مؤلفون عرب"، قدم عبرهما عدداً من الأعمال الأدبية ذات الطابع السردي بالأساس لكتاب من العالم العربي ومن القارة السمراء.

 يتأسف دنيس لعدم تفاعل العالم الغربي مع الآداب العربية الحديثة، ويؤكد أن نجيب محفوظ لو لم ينل جائزة نوبل لما وجد ناشراً في بريطانيا يقبل بطبع ترجمة أعماله. ويتوقف الناقد المغربي عند نقطة أساسية في مشوار دنيس، تكشف تصوره لمهنته، فالرجل لم يكن يترجم ما يريده الغرب، بل ما يراه دنيس ضرورياً، ومن واجب الغرب أن يطّلع عليه. يستعيد المترجم البريطاني مرحلة الستينيات، حين قام بنشر مختارات للقصة العربية الحديثة، ويتذكر ذلك بمرارة، لأن المؤسسات العربية برمتها في تلك الحقبة لم تقم باقتناء نسخة واحدة، ولم تول أي أهمية للمشروع الكبير الذي انخرط فيه الرجل.

في كتابه "ذكريات مع الترجمة" يستعيد دنيس كثيراً من الأحداث التي وقعت في سياق لقائه بأسماء عديدة من العالم العربي اشتغل على نقل نصوصها إلى اللغة الإنجليزية مثل، محمد شكري، ويوسف الخال، ومحمد زفزاف، وبدر شاكر السياب، ومحمود درويش، وإلياس خوري، وجبرا إبراهيم جبرا، وليلة بعلبكي، وسلوى بكر، ويحيى الطاهر عبد الله، وغيرهم.

ربما كان دنيس عربياً أكثر من كونه بريطانياً، فقد ظل يردد أنه لا يرتاح للعيش في إنجلترا، لذلك أقام بالمقابل في عديد من البلدان العربية، فضلاً عن مصر والسودان، مثل المغرب ولبنان والكويت والإمارات وقطر وغيرها، كما أنه أقام لسنوات في فرنسا وإسبانيا، وقبلهما أوغندا وكينيا. ويحاول الناقد المغربي في كتابه الجديد أن يربط بين كثرة تنقلات دنيس وميله إلى ترجمة القصص القصيرة. فعدم الاستقرار في مكان واحد ربما كان دافعاً إلى الجنوح إلى ترجمات قصيرة يتم إصدارها لاحقا ضمن أنطولوجيات.

المؤثر في حياة دنيس أنه بعد تقلبه في مهن ظرفية غير مستقرة، خرج من حياته المهنية من دون معاش، ولم يتمكن من شراء مسكن له إلا بعد حصوله على جائزة الشيخ زايد. هذا ما يقوله المترجم البريطاني المعروف للناقد المغربي إبراهيم أولحيان في حوار مهم تضمنه كتابُه الجديد.