أفاد نشطاء حقوقيون أن إقليم كوردستان في العراق، الذي طالما تم الترحيب به كملاذ للأقليات، تحول إلى منطقة غادرة للعديد من المنشقين واللاجئين الإيرانيين الفارين من الاضطهاد من السلطات الإيرانية، وفقاً لموقع صوت أميركا.
آخر ضحايا طهران كان مصطفى سليمي، الذي فر من السجن الشهر الماضي مع عشرات السجناء الآخرين بعد أعمال شغب في مدينة سقز الإيرانية لتجنب الإصابة بالفيروس التاجي.
بمجرد أن خرج من السجن، عرف سليمي مكان اللجوء، ففر عبر الحدود إلى أقليم كوردستان العراق المجاورة لإيران، حيث اعتقد أنه سيكون بعيدا عن النظام القضائي الإيراني سيئ السمعة.
إلا أن إقامته القصيرة لم تدم طويلاً في العراق عندما اعتقلته قوات الأمن الكوردية (آسايش)، المحلية ورحلته إلى إيران، حيث تم إعدامه بعد يومين من تسليمه الشهر الماضي.
فعندما وصل إلى مدينة تابعة لمحافظة السليمانية لجأ إلى المسجد، بعد ثلاثة أيام، اعتقلته قوات الأمن، وقيل لسليمي حسبما أفاد أقاربهِ بعد إعدامهِ، في البداية أنه سيؤخذ للحجر الإلزامي ضد الفيروسات التاجية لأنه كان زائرًا، ولكن في غضون ساعات، تم تسليمه إلى إيران، حيث زاره أفراد العائلة المقربون في السجن لمعرفة تفاصيل هروبه.
وبعد إعدامه، نفى مسؤول في الاتحاد الوطني الكوردستاني أن يكون سليمي قد عبر إلى كردستان العراق، وقال سعدي أحمد بيرا، أحد كبار قادة الاتحاد في تصريح إذاعي لقناة صوت أميركا "لم يزر كوردستان العراق على الإطلاق".
وهذه التصريحات تتعارض مع تصريحات أقارب سليمي الذين أكدوا أنه فر إلى كوردستان، وأنه ناشد ضباط الأمن الكورد، بعدم تسليمه لطهران، قائلاً لهم "اسمحوا لي أن أقتل نفسي، لكن لا تسلموني إلى إيران".
كان سليمي حُكم عليه بالسجن 17 عاماً لاتهامه "بشن حرب ضد الله"، التهمة التي يكون نتيجتها الإعدام، كما كان عضوا في جماعة كوردية إيرانية مسلحة.
منذ عام 2016، واجه أكثر من 12 لاجئًا إيرانيًا تهديدات بالقتل والاعتداء الجسدي ومحاولات الاختطاف والاغتيال في كوردستان، وفقًا لجماعات حقوق الإنسان والمشرعين والمسؤولين الحكوميين.
وكثيرا ما شنت إيران هجمات صاروخية ضد الكورد الإيرانيين المتمركزين في كوردستان العراق، وخاصة في مدينة كويسنجق القريبة من أربيل العاصمة، التي يعتبر أكبر معسكر للأجئيين الكورد الإيرانيين في العراق.
ولا يزال عدد الإيرانيين الذين يعيشون في الأقليم العراقي مجهولاً، ولكن يُعتقد أن الرقم بالآلاف، حيث يتوزعون في حوالي عشرة معسكرات في محافظتي أربيل والسليمانية، معظمهم من الكورد إيران أو أفراد عائلات المسؤولين في مجموعتين معارضتين كورديتين علمانيتين إيرانيتين هما (الحزب الديمقراطي) وحزب كوملة إيران ذو التوجه اليساري.
وتحتفظ كلتا المجموعتين اللتين تمتلكان أجنحة عسكرية مسلحة، بقواعد في شمال العراق وتسعيان لاستقلال عشرة ملايين كوردي في إيران.
وحادثة سليمي ليست الأولى في الفترة الأخيرة، ففي 11 مارس الماضي، تعرض عدنان الرشيدي، رئيس تحرير جمعية حقوق الإنسان الكوردستانية، لاعتداء جسدي من قبل عدة رجال ملثمين جاؤوا لمعرفة أسماء الناشطين الذين يعملون سراً داخل إيران، مما أسفر عن إصابة الرشيدي بكسر في الذراع وكدمات في الرأس.
وصرح الرشيدي أنه لم يكن لديه خيار سوى الامتثال، حيث بدأوا بتصوير زوجته عارية وهددوا بالاعتداء عليها جنسياً، وبحسب ما ورد تم اعتقال اثنين لهم صلة بهذا الإعتداء، لكن الكثيرين يشكون في أن العدالة ستتحقق في مثل هذه الحالات الحساسة.
وقالت غولستان محمد، نائبة رئيس لجنة حقوق الإنسان في برلمان كوردستان في تصريح له في قناة صوت أميركا "لا تبت المحاكم بأي شكل من الأشكال بهذه القضايا"، وأضافت "ليس لدي أي أمل حقًا في أن تقوم المحاكم بعملها وأن يكون القانون فوقنا جميعًا. في الواقع، لا المحاكم ولا القضاة مستقلون هنا ".
ولا يعتبر تشاؤم غولستان من فراغ، فلم يتم الإعلان عن أي اعتقالات حتى الآن بشأن تفجير 2018 الذي استهدف سيارة مسؤول بارز بالحزب الديمقراطي الكوردستاني الإيراني ، صلاح رحماني في أربيل، مما أسفر عن مقتل ابنه البالغ من العمر 33 عامًا.
ويرى بعض الخبراء أن العنف المتزايد ضد المنشقين الإيرانيين في كوردستان العراق هو علامة على النفوذ المتزايد لإيران في منطقة ينظر إليها منذ فترة طويلة على أنها مؤيدة للولايات المتحدة.
من جانبه، أفاد الدكتور محمد صالح، الباحث في جامعة بنسلفانيا أن ذلك يرجع إلى أسلحة إيران المختلفة في المنطقة وضغوطها على السلطات المحلية.
ومعظم المهاجرين الإيرانيين في شمال العراق ليس لديهم وثائق رسمية أو طريق واضح للحصول على الجنسية، وأشار أرسلان يارمادي، مدير منظمة هنغاو لحقوق الإنسان، وهي مجموعة مقرها أربيل، وتوثق الانتهاكات ضد الكورد في إيران، أنه مع سحب جوازات سفرهم الإيرانية أو انتهاء صلاحيتها، يصبحون عديمي الجنسية فعليًا.
يحكم إقليم كوردستان حزبان رئيسيان يشتركان في القوى السياسية والعسكرية، يسيطر الحزب الديمقراطي الكوردستاني إلى حد كبير على مدن مثل أربيل ودهوك، في حين يعتبر الاتحاد الوطني الكوردستاني الذي يسيطر على محافظة السليمانية وحلبجة معقلا لنفوذ إيران، ويوجد بين الحزبين توترات طويلة الأمد حول التأثير والإيرادات.
وقد عمقت القضية الانقسام بين الحزبين، حيث اتهم المسؤولون بعضهم البعض بأنهم دمى لدول أجنبية.
وقال دابان محمد، عضو حركة التغيير، ثالث أكبر حزب سياسي كوردي في الأقليم، "كوردستان ليست سوى أربعة محافظات، مقاطعتان قريبتان سياسياً من تركيا، بينما تمتلك إيران نفوذاً على الحزب السياسي الذي يسيطر على المقاطعة الثالثة والرابعة".
ونفت حكومة إقليم كوردستان، التي تقول إنها شكلت لجنة للتحقيق في قضية سليمي، مزاعم تورط القيادة العليا في التسليم.