أعلن رئيس الوزراء العراقي المكلف مصطفى الكاظمي مساء الخميس عن الخطوط العريضة لحكومته، مؤكدا على أن الأولوية ستكون السلاح بيد الدولة ومحاربة الفساد وتحسين الخدمات وهي أولويات شكلت لسنوات اختبارا فشل فيه رؤساء الحكومات المتعاقبة.
وقال "إن السلاح كل السلاح هو من اختصاص الدولة وليس من اختصاص الأفراد أو المجموعات. القوات المسلحة ستقوم بواجبها لحصر السلاح بإجراءات حاسمة".
وتبدو مهمة الكاظمي وفق ما هو معلن أشبه بالسير في حقل ألغام، فحصر السلاح بيد الدولة معضلة قد لا يقوى رئيس الوزراء المكلف على تنفيذها في ظل وجود ميليشيات قوية موالية لإيران لاتزال تحتفظ بترسانة من الأسلحة حتى بعد أن تم دمجها في القوات المسلحة تحت اسم هيئة الحشد الشعبي.
ونزع سلاح هذه الميليشيات أعقد من ملف الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة وهو ملف آخر سيشكل اختبارا حقيقيا لمدى قدرة الكاظمي على معالجته.
وسيتعين عليه أيضا محاولة التفاوض بشأن القنوات الاقتصادية الحيوية للبلاد مع انهيار أسعار النفط عالميا، إضافة إلى مسألة الإعفاءات الأميركية للعراق من العقوبات على إيران.
وقال رئيس جهاز المخابرات العراقي السابق الذي كلفه الرئيس برهم صالح في وقت سابق الخميس بتشكيل الحكومة، إن الأسلحة يجب أن تكون في أيدي الدولة، مضيفا أن الأهداف الأساسية لحكومته تتمثل في محاربة الفساد وإعادة النازحين إلى ديارهم، فيما يمثل الملف الأخير عبئا آخر فشلت حكومتا حيدر العبادي وعادل عبدالمهدي في حله في ظل الدمار الهائل من مخلفات الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتكلفة إعادة الاعمار.
وقال الكاظمي إن الحكومة العراقية الجديدة ستكون حكومة خدمات، خادمة للشعب بالأفعال وليس بالأقوال والجميع يتحمل مسؤولية نجاحها، مضيفا "لن تكون حكومة غرف معزولة وسنكون على خط الدفاع عن العراق وسنستخدم كل العلاقات الداخلية والخارجية للدفاع عن العراق من خطر فيروس كورونا".
كما شدد على "سيادة العراق خط أحمر لا تحتمل المجاملة لأن العراق بلد عريق ويمتلك قراره السيادي" وأن "سيادة العراق لن تكون قضية جدلية" وأن "العراق للعراقيين".
وكان يشير بذلك إلى العلاقة المعقدة مع الحليفين لبلاده والخصمين في آن: الولايات المتحدة وإيران. وسيكون على الكاظمي ضبط إيقاع هذه العلاقة مع الدولتين.
وأضاف "سنحمي حقوق ومطالب المتظاهرين وبناء علاقات متوازنة مع الجيران والأصدقاء" وإن "الأزمات لا تخدم العراق أبدا ولن نسمح بإهانة أي عراقي من أية جهة كانت، داخلية أو خارجية، وعلينا أن نثق بالدولة في محاربة الفساد والفاسدين وإعادة النازحين كونها مهمة وطنية لن نتخلى عنها".
ولقي تكليف رئيس جهاز المخابرات العراقي (مصطفى الكاظمي)، بتشكيل الحكومة المقبلة ترحيبا أمميا وداخليا في مؤشر على قرب إنهاء الجمود السياسي في البلاد.
والكاظمي هو الشخصية العراقية الثالثة التي يتم اختيارها لتشكيل حكومة جديدة في العراق في العام الحالي، فيما يبقى السؤال هل يكون هذا الخيار ثابتا وهل تثبت الحكومة في ظل الهزات المحلية والإقليمية.
والكاظمي وهو مواليد بغداد العام 1967 مفاوض ماهر يتعين عليه تسخير شبكة علاقاته الواسعة في واشنطن، كما في طهران، لإنقاذ العراق من كارثة اقتصادية وسياسية.
وقد تسلم رئاسة جهاز المخابرات الوطني العراقي في يونيو/حزيران 2016 في عز المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وقد نسج خلال تواجده في هذا الموقع الإستراتيجي الذي أبعده عن الأضواء، روابط عدة مع عشرات الدول والأجهزة التي تعمل ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
في بداياته كان الكاظمي الذي درس القانون في العراق، صحافيا وناشطا مناهضا للرئيس العراقي السابق صدام حسين من أوروبا التي لجأ إليها وعاش سنوات في المنفى لكنه لم ينضم إلى أي من الأحزاب السياسية العراقية.
وبعد سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، عاد الكاظمي إلى العراق ليشارك في تأسيس شبكة الإعلام العراقي، تزامنا مع دوره كمدير تنفيذي لمؤسسة الذاكرة العراقية وهي منظمة تأسست لغرض توثيق "جرائم نظام البعث".
في العام 2016، كانت مفاجأة أن يعين رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي كاتب العمود والناشط الحقوقي في رئاسة جهاز المخابرات.
وإضافة إلى دوره في مكافحة الإرهاب والتهريب على أنواعه، طور الكاظمي مواهبه كمفاوض ووسيط.
ويقول سياسي مقرب منه "للكاظمي شخصية لا تعادي أحدا، صاحب عقلية براغماتية ولديه علاقات مع كل اللاعبين الأساسيين على الساحة العراقية: علاقة جيدة مع الأميركيين وعلاقة عادت إلى مجاريها مؤخرا مع الإيرانيين".
ويعرف الكاظمي كيف يكون صديقا لعدوين في ما بينهما، فبعودته إلى طهران، لم ينس صداقاته القديمة.
وخلال زيارة نادرة مع العبادي في العام 2017 إلى الرياض، المنافس الإقليمي لطهران، شوهد وهو يعانق مطولا صديقه الشخصي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ومع علاقات قوية شرقا وغربا، أصبحت الطريق مفتوحة أمام رجل الظل الذي ذكر اسمه باستمرار خلال التسميات الحكومية.
ويقول مستشار سياسي مقرب من الكاظمي إن اسم الأخير طرح بالفعل في العام 2018 بعد الانتخابات التشريعية التي أوصلت عادل عبدالمهدي المستقيل إلى السلطة، مضيفا أنه "لم يكن يريد القبول بالتكليف إذا لم يكن مؤكدا".
ويعد اختيار الكاظمي المحاولة الثالثة لتشكيل حكومة جديدة منذ بداية العام 2020، بعد اعتذار عدنان الزرفي وقبله محمد توفيق علاوي، لذلك سعى بتأن وثبات لتأمين دعم له خارج حدود البلاد وبالسياسة.
وقبل نحو شهر وجه فصيل عراقي مقرب من إيران اتهامات للكاظمي بتورطه في عملية اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس التي نفذتها واشنطن في بغداد. وكان عليه أن يعيد تلميع صورته أمام الإيرانيين.
وبفضل مهارات مدير مكتب عبدالمهدي محمد الهاشمي المعروف بأبي جهاد، تمكن الكاظمي من تشكيل "إجماع غير مسبوق بين الشيعة" حول شخصه، وفق المستشار.
وبعد حصوله على دعم الطبقة السياسية العراقية التي تحتكر السلطة منذ 16 عاما، سيضطر الكاظمي إلى إعادة نسج الروابط التي تقطعت مع العراقيين الغاضبين الذين تظاهروا خلال أشهر ضد السياسيين "الفاسدين".
ويقول مدير الدراسات في معهد الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد توبي دودج "إنه مفاوض بارز ولاعب ماكر"، مضيفا أن "أمامه الآن 30 يوما، ولا يمكنه الفشل".