فاروق يوسف
فيما تحتل إيران مركزا متقدما على لائحة الدول التي تتعرض لعصف كورونا لا يكف نظامها عن اضفاء ابعاد سياسية على كل ما يحدث. فإذا ما كانت النظرية التي تقول بإن الفيروس كان قد صُنع من أجل إضعاف بالجمهورية الإسلامية تبدو مضحكة فإن فكرة النظر إلى المساعدات الدولية وبالأخص الأميركية بريبة وحذر تنسجم مع العقل السياسي الإيراني.
غير أن ذلك لم يقف حائلا ما بين إيران وبين التقدم إلى صندوق النقد الدولي بطلب قرض مقداره خمسة مليارات دولار من أجل مكافحة الوباء. وفي ذلك يكشف النظام السياسي عن ضعف تقديراته للوضع العالمي مما يؤكد انفصاله عن الواقع الذي انتجه ظهور الفيروس وما يمكن أن يؤدي إليه تداعيات، سيكون الاقتصاد في مقدمة الجوانب التي تتجلى من خلالها الأضرار. ذلك لأن عبارة "عالم ما بعد كورونا" التي يجري تداولها اليوم تضرب بشكل خاص على وتر الاقتصاد.
ما لا يستوعبه النظام الإيراني أن المساعدات الطبية التي عرضت عليه شيء ووضع أموال نقدية بين يديه هو شيء آخر. شيء مختلف تماما. هناك دول كثيرة في العالم هي أكثر استحقاقا من إيران في الحصول على الأموال من أجل أن تستعملها في شراء الغذاء والدواء ومنع انهيار بنيتها التحتية. بل أنه ليس من الانصاف أن ينظر صندوق النقد الدولي إلى الطلب الإيراني بطريقة جادة. ذلك لأنه أشبه بالمزحة الثقيلة في زمن يتهدد الموت ملايين البشر.
ليس صحيحا أن إيران لا تملك أموالا من أجل مكافحة كورونا. وهي تعرف أن ذهابها إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض لن يكون له أصداء ايجابية.
خبراء الصندوق لن يكونوا سذجا إلى درجة الموافقة على ذلك القرض. فإيران دولة ثرية، لديها صندوق سيادي متخم بالمليارات. ناهيك عن ثروات غير معلومة هي ملك مؤسسة الولي الفقيه والحرس الثوري الذي يسيطر على جزء كبير من الاقتصاد الإيراني.
وليس صحيحا أيضا أن العقوبات الأميركية تؤثر على قدرات إيران في اغاثة مواطنيها المصابين أو المعرضين للإصابة بفيروس كورونا.
لا تشبه تلك العقوبات المفروضة على إيران الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق بعد احتلال الكويت والذي استمر ثلاثة عشر سنة حُرم العراقيون فيها من أدنى مستلزمات العيش إلى أن تفتقت العبقرية الأميركية عن حل مذل هو "النفط مقابل الغذاء والدواء". ولو كان حال إيران كذلك لما توانى المجتمع الدولي عن الوقوف معها في محنة كورونا. غير أن الأمر ليس كذلك تماما.
لقد انصب هدف العقوبات الأميركية على خفض معدلات حصول النظام الإيراني على العملة الصعبة من أجل تحجيم قدرته على تمويل ميليشياته الارهابية المنتشرة في العالم العربي. غير أن ذلك الهدف ظل بعيدا بسبب الاستثناءات وأيضا بسبب الشبكة المعقدة التي أنشأها ذلك النظام عبر العالم والتي لا تزال أجزاء منها تعمل بنشاط.
كل ذلك معروف بالنسبة للمجتمع الدولي كما أن النظام الإيراني لا يمكن أن يكون غبيا إلى درجة عدم الادراك بأن كل شيء واضح. غير أنه وبسبب انفصاله عن العالم لا يزال يعتقد أن في الكذب تكمن نجاته.
إيران تكذب على العالم حين تربط بين كورونا وحاجتها إلى الأموال السائلة. ما يمكن قوله في هذا المجال إن النظام الإيراني وجد في انتشار فيروس كورونا فرصته الأخيرة لدفع المجتمع الدولي للضغط على الولايات المتحدة من أجل رفع العقوبات والحصول على الأموال التي ينفقها على برامج التسلح والميليشيات عابرة الحدود.
لربما فعل النظام ما فعل من أجل الدعاية الداخلية غير أن سلوكه يؤكد استمراره في عدم النظر بشكل جاد إلى القضايا الإنسانية فهو لا يرى قيمة لتلك القضايا إلا ما تؤديه من خدمة للمشروع السياسي.