أكد محلل أمريكي أن الخلاف الدائر حاليا بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ودول الاتحاد الأوروبي بشأن أزمة اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين في تركيا ليست أكثر من مسرحية من نوع كابوكي الياباني، حيث يعرف كل أطرافها نهايتها لكنهم يؤخرونها.
وفي التحليل الذي نشرته وكالة بلومبرج للأنباء لبوبي جوش فإن الفصل الأول من هذه المسرحية شهد لقاء غير ناجح بين أردوغان والاتحاد الأوروبي بشأن مصير ملايين اللاجئين في تركيا، حيث عرض كل جانب موقفه وأعرب عن استيائه من الجانب الآخر.
و المتوقع تحدث أردوغان إلى شعبه، بعد عودته، عن الأوروبيين الذين يتهربون من القيام بمسئولياتهم تجاه هذه المأساة الإنسانية لملايين اللاجئين.
في المقابل لا بد أن يتحدث القادة الأوروبيون عن أردوغان الذي يستخدم هذه الأزمة الإنسانية لكي يبتز القارة الأوروبية.
ولما كان كلا الجانبين يعرف أن هذا الكلام الحماسي لن يؤدي إلى شيء، يرتفع الستار عن الفصل الثاني من المسرحية، حيث يتحرك الطرفان نحو الوصول إلى حل. وقد ألمحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى رغبتها في الوصول إلى حل، وسوف يحذو قادة أوروبا الآخرون حذوها.
وسيكون من مصلحة الجميع بحسب المحلل الأميركي التحرك بسرعة نحو الفصل الثالث من المسرحية الذي يشهد النهاية السعيدة للازمة، حيث يتعهد الأوروبيون بتوفير المزيد من الموارد لتركيا، وسيوافق أردوغان على مضض وبعد استخدام بعض الشعارات الانتخابية على بقاء اللاجئين في بلاده. وإذا كانت هذه هي النهاية الحتمية للمسرحية، فإنه كلما تم الوصول إليها أسرع، كان ذلك أفضل.
ويقول بوبي جوش إن منح أردوغان الثمن الذي يسعى إليه من وراء استخدامه لورقة اللاجئين بسرعة، يعني تخليص هؤلاء اللاجئين الذين يواجهون بالفعل صعوبات لا يمكن تخيلها، من الشعور بالإهانة لاستخدامهم كأدوات في هذه المهزلة القبيحة، فنقلهم إلى الحدود التركية الأوروبية على أمل دخولهم إلى قارة أوروبا، ثم إعادتهم من هناك بقنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي هو بالتأكيد شكل من أشكال انتهاكات حقوق الإنسان.
والحقيقة انه لا توجد مكاسب يمكن أن تبرر السماح باستمرار أزمة إنسانية بهذا الحجم الكبير، فمفوضية اللأمم المتحدة لشئون اللاجئين تقدر عدد اللاجئين في تركيا بأكثر من 4.1 مليون لاجئ منهم 3.7 مليون لاجئ سوري.
وأدى تجدد القتال بين قوات الرئيس السوري بشار الأسد وفصائل المعارضة المسلحة في محافظة إدلب، إلى موجة نزوح جديدة للاجئين السوريين نحو تركيا، كما أنه من غير المحتمل أن يراهن مئات الآلاف من المشردين الذين يعيشون في مخيمات الإيواء على اتفاق وقف إطلاق النار بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعندما يتجدد القتال في إدلب وهو أمر حتمي، سيزداد ضغط اللاجئين على حدود تركيا بشكل استثنائي.
المنطق السليم يفرض على الاتحاد الأوروبي تحسين الشروط المالية لاتفاق اللاجئين لعام 2016 مع تركيا، والذي وافق من خلاله الأوروبيون على دفع 6 مليارات دولار لمساعدة اللاجئين في تركيا. ولما كانت هذه المسرحية ليست أخلاقية، فالاحتمال الأقوى هو استجابة أوروبا لابتزاز أردوغان الذي يقوم على أساس ادفعوا لي ما أريد وإلا سأرسل اللاجئين إلى أراضيكم.
وعلى هؤلاء الذين نسوا موجة الخوف من الأجانب والعداء لهم التي اجتاحت القارة الأوروبية منذ خمس سنوات، وقبل أن توقف تركيا تدفق اللاجئين إلى أوروبا، أن يتذكروا المشهد الذي حدث في الأسبوع الماضي، عندما دفع أردوغان بعدة آلاف من اللاجئين إلى الحدود مع اليونان، على أمل عبورها والوصول إلى أوروبا.
ولجأت اليونان إلى بنود حالة الطوارئ في الاتفاقيات الأوروبية، وأوقفت قبول طلبات اللجوء السياسي، كما ظهرت مخاطر حدوث أعمال عنف من جانب الحراس المحليين ضد اللاجئين، وتعالت أصوات السياسيين اليمينيين المتطرفين المحذرة من الأجانب.
والآن تخيل ما الذي يمكن أن يحدث إذا قرر مئات الآلاف من اللاجئين السوريين والأفغان والإيرانيين والقادمين من آسيا الوسطى عبور الحدود التركية نحو أوروبا. وفي هذه الحالة يمكن لقادة الاتحاد الأوروبي اتهام أردوغان بتحويل اللاجئين إلى سلاح سياسي، لكنهم يجب أن يتحملوا نصيبهم من المسئولية عن فشل إصلاح انظمة الهجرة الأوروبية وترك بلادهم مكشوفة امام التهديدات التركية.
في الوقت نفسه من الصعب موافقة الأوروبيين على منح أردوغان كل ما يطلبه مثل حرية حركة المواطنين الأتراك بين دول الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك فإن أردوغان سيوافق على تأجيل هذه المطالب لآن مساحة المناورة أمامه محدودة. فالرصيد السياسي للرئيس التركي يتراجع، وحزبه فشل في انتخابات المحليات التي أجريت في العام الماضي وبخاصة في المدن الكبرى، وقيادات مهمة من حزبه انشقت عنه وقررت تشكيل أحزاب جديدة لمنافسته. كما أن طموحات أردوغان على المسرح الدولي تتعثر في سوريا، حيث أدى اتفاق وقف إطلاق النار هناك إلى ترك الكثير من المواقع التركية محاصرة أو مكشوفة.
أردوغان في حاجة ماسة إلى نصر سياسي، والأوروبيون في حاجة ملحة للإبقاء على اللاجئين بعيدا عن حدودهم. لذلك يمكن للأوروبيين أن يشحذوا أسنانهم كيفما شاءوا، لكنهم في النهاية سيرسلون المساعدات التي يريدها أردوغان، وهذه هي النهاية شبه المؤكدة للمسرحية التركية الأوروبية، أما تصور نهاية مختلفة، فإنه يحتاج إلى حبكة مغايرة لجوهر مسرح كابوكي وقدر كبير من الخيال لا يتوافر لدى المشاركين في هذه المسرحية.