Skip to main content

"فيروس كورونا" تزيد من معاناة الإيرانيين

آخر أحصائيات عدد مصابي كورونا
AvaToday caption
دفع الانتشار السريع لفيروس كورونا المستجد السلطات الإيرانية إلى إعلان حالة الطوارئ قصوى في ثلاث محافظات شمال البلاد وشددت الرقابة على 14 محافظة أخرى وسط حالة من الهلع تسيطر على الإيرانيين في ظل ارتفاع عدد الوفيات والمصابين بشكل يومي بسبب الفيروس
posted onMarch 9, 2020
nocomment

تعيش إيران منذ بداية العام 2020 الفترة الأكثر حرجا في تاريخها، حيث تتالت الأزمات بداية بالاحتجاجات المناهضة للنظام ومقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني مرورا بتحطم الطائرة الأوكرانية، وصولا إلي أزمة تفشي فيروس كورونا التي عمقت جراح نظام يكابد للصمود تحت وطأة عقوبات أميركية قاسية.

وبلغ فيروس كورونا ذروته في يوم واحد، حيث سجل أعلى حصيلة في أقل من 24 ساعة منذ الإعلان الرسمي عن ظهور أولى الإصابات بالمرض في 19 فبراير/شباط.

وأعلنت وزارة الصحة الإيرانية الأحد عن 49 وفاة جديدة جراء فيروس كورونا المستجدّ، وهو أكبر عدد ضحايا خلال 24 ساعة في إيران.

وقال المتحدث باسم الوزارة كيانوش جهانبور في مؤتمر صحافي نقلته قنوات تلفزيونية "تُوفي ما لا يقلّ عن 194 من مواطنينا جراء إصابتهم بمرض كوفيد-19"، من أصل 6566 مصاباً في إيران بصورة إجمالية"، مضيفا "أُصيب 743 شخصاً بمرض كوفيد-19 خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة".

وأوضح أن العاصمة طهران لا تزال الأولى في البلاد من حيث عدد الإصابات مع إحصاء 1805 إصابات فيها.

وإيران هي إحدى البؤر العالمية لفيروس كورونا المستجدّ الذي ظهر للمرة الأولى في الصين في ديسمبر/كانون الأول. وينتشر الفيروس في جميع محافظات الجمهورية الإسلامية البالغ عددها 31 والوضع في المحافظات الواقعة في شمال البلاد يتدهور.

وبحسب المتحدث تمّ الكشف عن 685 إصابة في المجمل في مدينة قم الشيعية المقدسة على بعد 150 كلم نحو جنوب العاصمة الإيرانية.

ودفع الانتشار السريع لفيروس كورونا المستجد السلطات الإيرانية إلى إعلان حالة الطوارئ قصوى في ثلاث محافظات شمال البلاد وشددت الرقابة على 14 محافظة أخرى وسط حالة من الهلع تسيطر على الإيرانيين في ظل ارتفاع عدد الوفيات والمصابين بشكل يومي بسبب الفيروس.

وأوضح جهانبور أنه "تم تسجيل 564 إصابة في أصفهان (وسط) وهي وجهة سياحية"، مضيفاً أن عدد المصابين "يرتفع بسرعة" في هذه المحافظة.

وأغلقت السلطات المدارس والجامعات حتى نهاية العام الإيراني في 19 مارس/آذار، تاريخ بدء عطلة رأس السنة الفارسية التي تستمرّ هذه السنة حتى الثالث من أبريل/نيسان.

ومن بين المتوفين جراء المرض ثماني مسؤولين سياسيين أو قادة إيرانيين كبار بينهم النائبة فاطمة رهبر (55 عاماً) التي انتُخبت في الانتخابات التشريعية التي أُجريت مؤخرا.

وأظهر مقطع فيديو مروع تناولته وسائل إعلام إيرانية أثناء عملية دفن أحد وفيات الفيروس، مدى الهلع الذي اجتاح الإيرانيين بسبب ارتفاع إحصاءات المصابين بكورونا وازدياد ضحاياه.

ومنذ الإعلان عن ظهوره في الصين مباشرة منتصف يناير/كانون الثاني، لفت فيروس كورونا الانتباه بانتشاره السريع في إيران، حيث سقط أكبر عدد من الوفيات بعد الصين. لكن تفشي المرض في الجمهورية الإسلامية وفق منتقدين حدث بسبب عدم مبالاة السلطات.

إذ تحدى المسؤولون الإيرانيون التدابير الصحية المعتادة في مثل هذه الأحوال، فرفضوا فرض حجر صحي على مدينة قم (مصدر انتشار الفيروس في البلاد). كذلك لم تجرِ السلطات فحوصات مخبرية في المدينة حتى والأماكن المزدحمة مثل الأضرحة.

وسرعان ما انتقلت الإصابات بالفيروس إلى السلطتين التنفيذية والتشريعية، حيث ثبتت إصابة عدد من المسؤولين ونواب البرلمان، ما أدى إلى وفاة بعضهم.

وأفاد أكثر من تقرير أن عدد المصابين والضحايا جراء كورونا أكبر بكثير مما تعلنه السلطات الإيرانية يوميا، حيث تشير تقارير عن نواب ونشطاء ووسائل إعلام محلية أن عدد الوفيات فاق 700 وأن عدد المصابين بلغ أكثر من 18 ألف مصاب.

وفي ظل هذا التكتم الذي ينتهجه النظام الإيراني في التعامل مع الإحصاءات، يرى محللون أن الافتقار إلى الشفافية الذي أصبح تقليدا للدولة في إيران أمام تفاقم عدد الوفيات والإصابات جراء الفيروس، أثارا حالة من الذعر العام كما هزَا الثقة في السلطة، وهو ما يعكس أن الأزمة الحقيقية لم تكن كورونا، بل في فقدان الناس كامل ثقتهم في الدول.

ويعتقد الجمهور الإيراني أنه لا يتم التعامل مع الأزمة بشكل جيد، بينما يتصاعد الخوف من الوباء.

وإلى ذلك أدرك الإيرانيون أن كورونا سيأتي إلى بلدهم عاجلا أم آجلا، فعلى الرغم من أن العالم بأسره أغلق أبوابه أمام الصين كإجراء وقائي، إلا أن شركة طيران 'ماهان' الإيرانية كانت تواصل رحلاتها إلى هناك.

وعندما نستعيد تسلل الأحداث منذ ظهور الفيروس في الصين إلى يومنا هذا، يمكننا أن نرى أن كورونا كان في حقيقة الأمر "يتطلع" إلى إيران.

وفي هذا الصدد  يقول تييري كوفيل "لماذا لم تعلق إيران الرحلات الجوية باتجاه الصين؟ يوجد تفسير منطقي؛ الصين إحدى الدول القليلة التي تواصل شراء النفط منها. إنهم مضطرون للحفاظ على العلاقة الاقتصادية".

ويضيف "في ظل وجود العقوبات الأميركية يمكننا القول إن الحكومة خسرت 30 بالمئة على الأقل من إيرادات الموازنة وألقى ذلك بظلاله على النظام الصحيّ".

وبالنظر إلى الوضع الاقتصادي الحالي للبلد، فإيران تمرّ بأزمة كبيرة عقب إعادة فرض العقوبات الأميركية عام 2018 والتي تؤثر على نحو خاص على صادرات النف، وهو ما فاقم أزمة انتشار كورونا.

يبدو أن إيران تعيش حاليا الفترة الأصعب في تاريخها،  حيث يظهر ذلك من خلال الأحداث التي وقعت في الأشهر القليلة الماضية. علاوة على ذلك فإن لدى الإيرانيين شيء مشترك، ففي كل أزمة تبتعد الدولة أكثر عن الجمهور.

إذ تم قمع الاحتجاجات الشعبية على قرار رفع أسعار البنزين، الذي أعلنته السلطات فجأة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. ورغم أن الاحتجاجات بدأت بسبب زيادة أسعار سلعة واحدة، إلا أن التأثير السلبي الذي جلبته هذه الزيادة على تكاليف المعيشة كانت كافية لإشعال الغضب في جميع المدن الإيرانية.

وقوبلت محاولة البرلمان للتراجع عن قرار رفع أسعار البنزين برفض من المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، بينما كان الموقف غير المسؤول للحكومة في العملية بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.

وبينما تحدثت أنباء عن سقوط 1500 قتيل خلال ثلاثة أو أربعة أيام من الاحتجاجات، نفت السلطات تلك الادعاءات، فيما لم تتضح بدقة الأعداد الحقيقية للضحايا والمعتقلين.

لاحقا أدى مقتل قائد "فيلق القدس" بالحرس الثوري قاسم سليماني في غارة أميركية بالعراق إلى الإضرار بسمعة إيران في المنطقة. وسعت إيران من خلال تنظيم جنازات لسليماني في عدة مدن طيلة بضعة أيام، إلى الاستفادة من هذه القضية، لكن ذلك لم يتحقق.

يوجد لدى المتشددين في إيران هوس بعدم إعطاء سلاح للعدو وعدم الظهور في موقف ضعف وهي أحد الأسباب الأخرى التي دفعت النظام إلى التكتم عن إحصاءات كورونا

وفي سياق آخر تشير بعض المعلومات إلى أن إيران اتصلت بمسؤولين أميركيين وأبلغتهم مسبقا بنيتها شن هجوم على القاعدة الأميركية في العراق (قاعدة عين الأسد).

مع ذلك حاولت إيران تسويق العملية داخليا وخارجيا بالقول، "لقد انتقمنا لمقتل سليماني من خلال إسقاط هيبة الولايات المتحدة".

لكن هذا الفرح لم يدم طويلا فإسقاط الحرس الثوري الإيراني لطائرة أوكرانية، ظنا منه أنه صاروخ أميركي؛ تسبب في أضرار جسيمة لمكانة إيران، من حيث قوتها العسكرية وثقتها بنفسها.

ورغم أن إيران أخفت كل هذه الأمور عن الجمهور الإيراني وعن العالم ونقلت الوضع إلى مستوى أخطر، استمر كبار المسؤولين الإيرانيين في إنكار المسؤولية عن إسقاط الطائرة لمدة ثلاثة أيام وخلال ذلك تم تقديم أطروحات مختلفة ونظريات مؤامرة لتشويه المسألة، وفي أبسط تعبير تم الكذب على الجمهور.

لكن في النهاية اضطرت السلطات الإيرانية بفعل الضغوط الكندية والأوكرانية إلى الاعتراف بأن الطائرة قد أُسقطت.

وفي أعقاب الحادثة لم تتم إقالة أي مسؤول إيراني كما لم يمثل أحد أمام القضاء وواجهت السلطات ردود فعل الإيرانيين الغاضبة جراء ذلك بالقبضة الحديدية مثلما حدث في احتجاجات مماثلة.

واتضح أن إيران كلما أرادت استخدام الأزمات على غرار مقتل سليماني لتوحيد الناس ضد العدو الذي حددته الدولة، فقدت كل ثقة الإيرانيين ووجدت الجمهور ضدها، حيث اهتزت ثقة الشارع بالدولة وأصبح أكثر تشككا في كل شيء.

وما زاد الأزمة عمقا هو إفصاح السلطات الإيرانية عن أول حالة وفاة بكورونا، ما أثار شكوك الجمهور بشأن الإعلان عن أول وفاة بدلا من أن يكون الإعلان عن أول حالة اشتباه بالفيروس.

ومع الأخذ بعين الاعتبار أن فترة حضانة الفيروس تستمر من 14 إلى 27 يوما، يمكننا أن ندرك مرة أخرى حجم الكارثة التي على وشك الحدوث بالنظر إلى سرعة انتقال الفيروس، فمن الواضح أن كل دقيقة يمكن أن تكلف المزيد من حياة الناس.

النظام الإيراني يحصد مخلفات سياساته الفاشلة

ليس سرا أن الدولة الإيرانية وخاصة خامنئي، تهتم بإبراز الإقبال الكبير على التصويت في الانتخابات خصوصا عندما يتعلق الأمر بصورة الشرعية أمام العالم.

لذلك تم التعامل مع الإقبال على صناديق الاقتراع بأي ثمن على أنه مسألة حياة أو موت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة عندما كانت المنافسة غير ممكنة بسبب الضغوط السياسية.

وبالنظر إلى إقبال الإيرانيين على الانتخابات، يتضح أن إخفاء إصابات كورونا عن العامة، جاء بسبب مخاوف السلطات من أن يؤثر ذلك سلبا على الانتخابات.

إن النهج السياسي الذي تبناه المسؤولون الإيرانيون بشأن قضية إنسانية حساسة مثل الصحة، يمثل في الواقع دليلا على مدى أهمية وجهة النظر هذه، حيث جرى تسييس عملية التعامل مع كورونا.

وكان قد أعرب ناقدون إيرانيون عن قلقهم من انتشار الفيروس، حيث قالت آسيا بكري في تغريدة، "قريبا سيعتبر الحديث عن فيروس كورونا إثارة للرأي العام وعملا ضد الأمن القومي وإهانة للرئيس"، وهو ما حدث فعلا.

ففي بيانه الأول قال خامنئي "بدأ الأعداء حربا دعائية لمهاجمة البلاد باستخدام كورونا".

ويرى الباحث المختص في الشؤون الإيرانية في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية (إريس) تييري كوفيل، أنه "يوجد لدى المتشددين في إيران هوس بعدم إعطاء سلاح للعدو وعدم الظهور في موقف ضعف"، وهي أحد الأسباب الأخرى التي دفعت النظام الإيراني إلى التكتم عن الإحصاءات.

 وأدلى الرئيس حسن روحاني بتعليق مماثل لتعليق خامنئي واتهم "عدو إيران اللدود (في إشارة للولايات المتحدة) بمحاولة استخدام الفيروس لغرس الخوف في الناس".

وقال روحاني إنه "يجب أن لا يتحول فيروس كورونا إلى سلاح في يد أعدائنا لإيقاف العمل والإنتاج في بلدنا".

إنَ كل القضايا المتعلقة بارتفاع أسعار البنزين وقتلى نوفمبر، وضحايا التدافع في جنازة سليماني وسقوط الطائرة الأوكرانية، والانتخابات "غير التنافسية"، والعديد من القضايا الأخرى التي تسببت في استياء الإيرانيين، جرى استبدالها الآن بفيروس كورونا.

وأصبحت مسألة الحياة بعد انتشار الفيروس هي النقطة الأساس بالنسبة للإيرانيين، بعد أن كانوا يتحدثون عن قضايا جذرية مثل تغيير النظام قبل بضعة أسابيع فقط.

والسؤال المطروح حاليا هو ما إذا كان الشعب الإيراني الذي فقد الثقة في الدولة وتلاشى أمله في الغد، هل سيختار بعد أزمة كورونا الاستسلام أو التمرد على مصير النظام المفروض عليه؟