كاوا شيرزاد
سأحاول في هذا المقال شرح المقصود بـ"الدرع الإنسانية"، أي المبدأ الرئيسي لنظام الجمهورية الإسلامية ضد شعب إيران والغرب، حيث يساعدنا فهم هذا المبدأ في فك شفرة السلوكيات التي لا يمكن التنبؤ بها والتي تبدو غير منطقية للجمهورية الإسلامية.
لذلك، بالنظر إلى استراتيجية الحرس الثوري الإيراني في مواجهة فيروس كورونا، أشير إلى ممارسات أخرى مماثلة للجمهورية الإسلامية تم تشكيلها على هذا الأساس، کي أتمکن من توسيع هذا الفهم ودراسة أبعاده المختلفة.
يريد الحرس الثوري الإيراني، من خلال أخذ أرواح وصحة الشعب الإيراني كرهينة، الاعتراف به على أنه بطل المعركة ضد فيروس كورونا من أجل تحقيق أهدافه السياسية، وهو ما جرى على مراحلتين..
المرحلة الأولى من هذا السيناريو بدأها حسين طائب، رئيس استخبارات الحرس الثوري الإيراني، برفض الحجر الصحي في قم كمركز لتفشي كورونا إلى إيران، والذي ستكون نتیجته المباشرة والمتوقعة نشر فيروس كورونا إلى مدن أخرى والتضحية بعدد كبير من الناس.
والمرحلة الثانية هي التستر علی عدد کبیر من ضحایا فيروس كورونا، إلى أن تصل الكارثة إلى أبعاد وطنية.
في هذه المرحلة، يتم إنشاء شرعية كافية لطلب الحکومة المساعدة من القوات العسكرية مثل الحرس الثوري، وبذلك یحصل الحرس الثوري علی مشروعیة التدخل.
العلامة البارزة للدخول في هذه المرحلة هي إعلان قائد الحرس الثوري الإيراني بوضوح أن هذه المؤسسة العسکریة مستعدة لتقديم الخدمات لمرضى فيروس كورونا، في الوقت الذي تفتقر فیه معظم الصيدليات إلى المرافق الأساسية مثل الأقنعة والمطهرات.
والجواب على هذا الموقف المتناقض يمكن استخلاصه من خطاب روحاني في الأيام القليلة الماضية، حيث أشار روحاني، خلال حفل افتتاح الطريق السريع بين طهران والشمال، يوم 25 فبرایر (شباط) الحالي، إلی احتکار المواد المطهرة والکمامات، وقال بوضوح: "إن الجيوب التي تمتلئ من استغلال أحزان الناس ومعاناتهم تمثل خطورة شديدة، فلا ینبغي لأحد أن یسيء استخدام هذه الأحداث".
والسؤال هو: هل هناك قوة أخری غیر الحرس الثوري بمقدورها تخزین الکمامات، بمعزل عن الحکومة، فیطالبها الرئیس بعدم احتکارها وتقدیمها للجمهور؟ ثم لماذا يريد الحرس الثوري، كقوة عسكرية، الدخول بدلاً من وزارة الصحة واستلام الأمور بنفسه؟
تتمثل استراتيجية الحرس الثوري الإيراني لمكافحة فيروس كورونا في إزهاق أرواح وصحة الأشخاص المحتجزين كرهائن، واحتكار الخدمات الطبية بكميات كبيرة رغم عدم التخصص لتحقيق أهدافه الدعائية داخل إيران وخارجها، وليظهر في نظر الرأي العام داخل البلاد، باعتباره بطل المعركة ضد كورونا. وفي نظر الغربیین، يُعرف بأنه مالك وصانع القرار في حياة وصحة الأبرياء.
بعبارة أخرى، يعطي الحرس الثوري بعدًا وطنیًا لفيروس کورونا، وإن بشکل دموي ولا إنساني، للظهور، في نهایة الأمر، بمظهر المنقذ والمخلص.
لا شك في أن السياسات الخطيرة التي ینتهجها النظام الإیراني، بالإضافة إلی أنها لا تمنع تفشي فيروس كورونا الجديد في إيران، فستکون لها أيضًا أبعاد دولية، حتی یهب العالم، وفق تصورهم، لتقدیم مساعدات للشعب الإيراني، لأغراض إنسانیة وللحفاظ على أمنه. ويريد الحرس الثوري، في هذا الوقت، أن يتصرف باعتباره المؤسسة الرئیسیة في مکافحة کورونا، لاکتساب الشرعیة والخروج من عزلته.
على مدار الأربعين عامًا الماضية، نجح النظام الإیراني، من خلال خلق أزمات عديدة ومستمرة، أن یحافظ علی وجوده، لأن العیش في ظل الأزمات یخفي مؤقتًا أوجه القصور الحقيقية وعدم وجود خطط طويلة الأجل، عن أعين وعقول الناس؛ فالنظام الإیراني، بالإضافة إلى الأزمات التي یخلقها بمحض إرادته، ینظر إلى الأزمات التي تنشأ بمعزل عن إرادته كفرصة لإخفاء عدم کفاءته عبر هندسة الرأي العام، من خلال احتكار وسائل الإعلام، لیحصل علی فرصة لتعزیز حکمه من خلال القفز من أزمة إلی أخری.
وبالتالي، یعد فيروس كورونا الجديد بالنسبة للفقهاء الحاکمین والحرس الثوري، نعمةً وفرصةً ثمینةً، مثل الحرب التي استمرت ثماني سنوات والتي أشار إليها الخميني بأنها کانت "نعمةً"، شريطة أن تدار الكارثة ویتم توجيهها بشكل صحيح، ففي الحرب بين إيران والعراق، أصر الخميني على مواصلة الحرب، بعد استعادة المحمرة، وضحی بمئات الآلاف من البشر، من أجل تعزیز أسس نظامه الجدید.
والحقيقة هي أن فيروس كورونا الجديد أصبح الآن سلاحًا بيولوجيًا في أيدي نظام الفقهاء، وهو قادر على تهديد العالم وخلق كارثة إنسانية عن طريق تصديره إلى دول مجاورة وعدم مكافحته بجدية داخل إيران.
اتخذت الجمهورية الإسلامية نفس الهدف تجاه أميركا والغرب، عندما استهدفت طائرة الركاب الأوكرانية بصاروخ. كانت رسالة الحرس الثوري إلى الغرب عندما أسقط الطائرة الأوكرانية هي أنه عندما تهاجموننا بالسلاح الحديث الذي لا نملكه نحن، وعندما لا تكون لدينا القدرة العسكرية المتكافئة والمناسبة، فمن الممكن أن نرتكب "خطأ" ونستهدف طائرة ركاب وأبرياء. على هذا الأساس، عليكم أن لا تهاجمونا، وذلك لأن ردنا ليس واضحًا وغير متكافئ، ولا يمكن التنبؤ به.
هذا جزء من استراتيجية الحرب غير المتكافئة لدى الجمهورية الإسلامية، حيث يتم خلاله استخدام الأبرياء كدروع إنسانية ضد الغرب، وهو الإجراء الذي نراه في البلدان المجاورة.
إلى ذلك، كانت الجمهورية الإسلامية قد هددت في السابق بأنه إذا تم فرض العقوبات عليها، فإنها لن تكون جادة حول مواجهة عمليات تهريب المخدرات إلى الغرب، وهو تهديد استهدف في الواقع أرواح وسلامة المواطنين الغربيين، وعليه فقد اتضح أن النظام الإيراني يستخدم المخدرات كسلاح رادع ضد الغربيين.
إن مبدأ الحرس الثوري ضد الغرب هو تشكيل درع بشرية ضدهم، وعلى أساس هذا المبدأ، يُظهر الحرس الثوري الإيراني للغرب أن حياة الأبرياء بيدهم. لذلك، يجب على الغرب أن يعترف بالحرس الثوري، وعلى نطاق أوسع بالجمهورية الإسلامية، وذلك في إطار حماية الغرب للأبرياء الذين يشكلون جزءًا من القيم الغربية، وأن يقوم برفع العقوبات وشطب اسم هذه القوة من على قائمة المنظمات الإرهابية أو يقوم بمنح صلاحيات للجمهورية الإسلامية ويتراجع.
المجموعات الإرهابية الأصولية أيضًا تتبنى هذه السياسة، ويتم الإعلان عنها بشكل رسمي، ولكن الجمهورية الإسلامية، وتزامنًا مع تظاهرها بالديمقراطية ومراعاة حقوق الإنسان وإجراء انتخابات وإن كانت شكلية، تنتهج هذه السياسة الإرهابية أيضًا بطريقة أكثر غموضًا وغير مرئية، وذلك لأجل الهروب من الاعتراف بها كجماعة إرهابية، ومن أجل الانتفاع بصلاحيات الحكومات الرسمية.
وقد اتخذت الجمهورية الإسلامية مبدأ الدرع الإنسانية ضد العقوبات الغربية أيضًا، ورسالتها إلى الغرب هي أن العقوبات لا تعود بالضرر على السلطات الرئيسية، قائلة إن جيوب صُنّاع القرار في هذا النظام مليئة بالمال؛ فهذا الشعب الإيراني، أي الأبرياء، هم الذين يتضررون، باعتبارهم دروعا إنسانية.
ومن جهة أخرى، يجري أمثال ظريف (وزير الخارجية الإيراني) واللوبيات الإيرانية في السياسة الخارجية محادثات مع الغرب لدعم هذه التدابير، ويقولون لهم إن العقوبات تدمر الشرائح المتوسطة، يعني نفس الشرائح التي تعولون عليها أنتم أيها الغربيون من أجل إيجاد تغييرات أساسية في إيران، وعلى هذا الأساس، ارفعوا العقوبات.
إنهم يبعثون برسالة إلى الغرب مفادها أن المجتمع المدني هو الذي سينحني تحت عبء العقوبات وليس المسؤولون الحكوميون المرفهون الذين لا تهزهم المدافع. لذلك، حتى أولئك الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم معزولون عن الجناح المتطرف في نظام الجمهورية الإسلامية، هم في الواقع مثل أعضاء الجسد، يقومون بحثّ الغربيين على الاعتراف بالحرس الثوري ونظام الجمهورية الإسلامية بدل فرض العقوبات عليهم، حتى يقوم النظام بالإفراج عن رهائنه، يعني الشعب الإيراني، والشرائح المتوسطة.