حظيت الأديبة سيمين دانشور، أول كاتبة في إيران، بشهرة واسعة، لما قدمته من نجاحات في الأدب النسوي الإيراني، إذ يسود إجماع على أنّها تمثّل القلم النسوي الإيراني الأول في صفحات الأدب، لكن الحقيقة تقول إنّ الإيرانيّتين “ايران دخت تيمورتاش” و”زهرا خانلري” كانتا سباقتان في هذا المجال، لكنهما لم تحظيا بالشهرة لأسباب عديدة. رغم ذلك تعدّ سيمين الأديبة الأولى التي عملت بشكل احترافي، وتركت العديد من الآثار المميزة في الأدب المعاصر.
في نهاية شهر نيسان / أبريل يحتفل محبو سيمين بعيد ميلادها، فقد ولدت في هذا التاريخ من عام 1921 في شيراز لعائلة غنية مثقّفة، فتلقّت تعليماً جيداً منذ صغرها حتى وصولها إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة طهران. بدأت سيمين الكتابة منذ الصغر، وعملت أثناء دراستها الجامعية في الصحف الإيرانية آنذاك.
ارتبط اسم سيمين دانشور بروايتها الأكثر شهرة “سووشون” التي ترجمت إلى 17 لغة عالمية، فيما تشتهر لها أيضًا رواية “جزيرة الحيرة”.
وعلى الرغم من أن سيمين بدأت مشوارها الأدبي وأنهته بالقصة القصيرة، إلا إن اهتمام الدارسين بنتاجها في هذا النوع الأدبي كان أقلّ، لسبب واضح وهو براعة دانشور في الرواية أكثر من القصة القصيرة.
يبدو من دراسة القصة القصيرة في إيران أن أغلب الكتّاب وبعض الشعراء من حقبة منتصف القرن العشرين، قد امتحنوا أنفسهم في هذا النوع الجديد من الأدب، أي القصة القصيرة لأهداف مختلفة.
البعض ترك آثارًا لافتة، فيما لم تتعدَّ قصصهم مستوى النشر مرة واحدة في الصحف اليومية، لكن سيمين الروائية الشهيرة خاضت تجربة طويلة في القصة القصيرة، تاركةً خلفها 53 أثرًا قصصيًا في 5 مجموعات.
تذكر بعض المصادر أنّ سيمين رفضت تكرار نشر مجموعتها القصصية الأولى “النار المطفأة”، لما استشعرت فيها من ضعف، وتضمّ المجموعة الأولى لسيمين 16 قصة قصيرة يغلب عليها اللون الرومانسي، فقصّتها الأولى، وهي الأطول في المجموعة، “الدموع”، تحكي قصة طالبة جامعية تحبّ أستاذها وتدخل معه في حوارات مطوّلة عن الحب، ويسافر الأستاذ إلى أوروبا، ويعود مع زوجة غربيّة، لكنّه ينفصل عنها ليتقدم للزواج من طالبته القديمة، التي ترفضه لشعورها بالخيانة لفئتها من النساء.
تحمل القصة العاطفية بين سطورها بصمة نسوية بقالب أخلاقي، إلا إنها جاءت سطحية ومستهلكة.
في قصة “الدموع” يوجد راويان: الأول الكاتبة والثانية الطالبة؛ يمكن أن تكون القصة أفضل لو تم اعتماد وجود راوٍ واحد هو الطالبة، لكن يبدو أنّ الكاتبة كانت حريصة على وجود راويان خوفاً من التداخلات التي يمكن للقارئ إثارتها، وربط الأحداث بشخصية الكاتبة، فالمجتمع الذكوريّ الذي كان يحيط بسيمين دانشور في ذلك العمر، يبدو أنه ترك أثراً واضحاً انعكس في سطور مجموعتها الأولى.
من جانب آخر، اعتمدت الكاتبة على حذف اسم إحدى شخصياتها وهي الاستاذ (حبيب الطالبة) ووضعت بدلاً عن اسمه ثلاث نقاط خالية (…)، فيما رمّزت للكثير من الشخصيات بأحرف الأمر، لما يعطيه للمتلقي من إيحاءٍ بواقعيّة القصة، وهو أمر متّبع في الكتابة لدى عدد من الكتّاب الكلاسيكيين.
كذلك فإن القصة الأولى لسيمين لا تخلو من الوعظ والحكمة التي كانت تضعها بين سطورها على لسان الروايين، وكأن قالب القصة القصيرة لم ينضج بعد لدى الكاتبة الجديدة، ولازال متأثراً بقالب الحكاية الكلاسيكية في الأدب القديم.
في قصة أخرى تحمل اسم المجموعة “النار المطفأة”، نرى زاوية عاطفية أخرى من الحياة النسوية في تلك الحقبة، تحكي القصة عن فتاتين تذهبان إلى حفلة، وعندما يصل خبر انتحار صديقة لهما، تدور حوارات الحفلة عن انتحار السيدة “ج” حيث يظهر الجميع آراء غير حقيقية عن الحدث، في الوقت الذي تنقل فيه الكاتبة سبب الانتحار على لسان “ج” قائلة: “لو كان هناك من يحبني لما توفيت”.
في قصة أخرى تحمل اسم “عشق العجوز” نقرأ: (لكن هذه اللعبة الإجبارية كانت ستنتهي في أحد الأيام، وجاء ذلك اليوم عندما ذهب السيد إلى منزل خطيبته للقائها، لم ينتبه أحد من أهل الخطيبة إلى دخوله المنزل، فيما كانت “مهري” تقلد خطيبها أمام أخواتها وإخوانها الصغار، ارتدت لباس رجل واعتمرت قبعة قش على رأسها ووضعت ربطة عنق حمراء .. وأخذت تقول: “بردون مدموزيل” هل لي برقصة تانغو… وبدأت تحرك قدميها دون نظم، فيما يقف السيد جانباً يتصبب عرقاً وكأنه يرى نفسه في المرآة..).
يُجمع النقاد والكاتبة نفسها على ضعف مجموعتها الأولى، لكنها بضعفها ومشاكلها، تبقى الخطوة الأولى التي أدخلت سيمين معترك الأدب، وجعلتها تمضي قدماً بحث عن شخصيتها الأدبية وبصمتها الخاصة.