تظاهرت مئات العراقيات في وسط بغداد الخميس دفاعا عن دور المرأة في حركة الاحتجاج المناهضة للحكومة، بعد دعوة أطلقها الزعيم الشيعي مقتدى الصدر لعدم الاختلاط بين الجنسين في أماكن الاعتصام.
وأعادت التظاهرة بعضا من الزخم للحركة الاحتجاجية غير المسبوقة التي بدأت بالتراجع بعد أكثر من أربعة أشهر على انطلاقها في بغداد ومناطق الجنوب العراقي ذي الغالبية الشيعية.
وسارت نساء وشابات في نفق السعدون وصولًا إلى ساحة الاعتصام الرئيسية، وهن يرفعن شعارات ويردّدن هتافات تشدد على دور المرأة في الاحتجاجات المطالبة برحيل الطبقة السياسية المتّهمة بالفساد.
ورفعت العراقيات في المسيرة لافتات تعبر عن رفضهن لحملات التشوية التي طالت النساء المشاركات في المظاهرات المناهضة للحكومة من بينها "أنتِ الثورة وهم العورة" و"احذر إذا غضبنا نساء العراق" و"الثورة انثى" و"شلع قلع والكالها وياهم" (شلع قلع والذي قالها معهم) في إشارة لرجل الدين مقتدى الصدر.
وقالت الطالبة الجامعية في قسم الصيدلة زينب أحمد "هناك من حرّض ضدّنا قبل أيام ومن يحاول أن يعيد النساء إلى المنازل وأن يسكتنا (...) لكننا نزلنا اليوم بأعداد كبيرة حتى نثبت لهم أن كل محاولاتهم ستبوء بالفشل".
وتابعت "نريد أن نحمي دور المرأة في التظاهرات، فحالنا حال الرجل. هناك محاولات لإخراجنا من الساحة لكننا سنعود أقوى".
وشعار "شلع قلع" الذي يعني اقتلاع الشيء من جذوره، أصبح مألوفا جدا في العراق بعد أن رفعه أنصار الصدر في مظاهرات ضد الفساد عام 2015، ثم عاد خلال الحراك الشعبي الذي بدأ في أكتوبر الماضي في مظاهرات ضد الفساد أيضاً، لكن هذه المرة ضد من أطلقه بعد ان طالب الصدر الذي أيّد التظاهرات في بدايتها ودفع بآلاف الأنصار لساحات الاعتصام، عبر تويتر السبت بعدم الاختلاط بين الجنسين.
وقبل دقائق من بداية المسيرة النسوية في ساحة التحرير اليوم الخميس، هاجم الصدر المتظاهرين متّهما إياهم عبر تويتر بـ"التعري والاختلاط والثمالة والفسق والفجور (...) والكفر".
وغرد "إننا ملزمون بعدم جعل العراق قندهارا للتشدد الديني ولا شيكاغو للتحرر والانفلات الأخلاقي والشذوذ الجنسي".
وأضاف أن على المتظاهرين "مراعاة القواعد الشرعية والاجتماعية للبلد قدر الامكان وعدم اختلاط الجنسين في خيام الاعتصام وإخلاء أماكن الاحتجاجات من المسكرات الممنوعة والمخدرات".
وقبل تصريحات الصدر ظهرت أيضا أصوات في بعض وسائل الإعلام المحلية تنتقد وتتهجم على النساء المشاركات في المظاهرات.
لكن على الرغم من ذلك، سارت النساء وبينهن مئات الطالبات لأكثر من ساعة ونصف ساعة في ساحة التحرير ومحيطها وهنّ يرددن شعارات تدافع عن دور المرأة وتدعو للاستمرار بالاحتجاجات، بينما شكّل عشرات الشبان سلسلة بشرية لحمايتهن من الجهتين.
وكتب على إحدى اللافتات "أنا ثورة وصمت الذكور عورة"، وعلى أخرى "حرية ثورة نسوية"، فيما حملت النساء المشاركات في المسيرة العلم العراقي والورود وهتفن ضد تدخل إيران والولايات المتحدة في الشأن العراقي.
وأكدت المتظاهرات استمرارهن بالتظاهر والتواجد داخل ساحات التظاهر وتقديم العون الطبي والخدمات التي يحتاجها للمتظاهرون.
وخرجت مسيرات نسائية مماثلة لتلك التي شهدتها بغداد في مدن وسط العراق وجنوبه، بينها الحلة مركز محافظة بابل (وسط) والبصرة (جنوب).
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، أطلق نشطاء عراقيون حملة هاشتاغات ساخرة من تصريحات الصدر، وقال مغرد على تويتر "ممكن يعرف بس شيكاغو على أساس مدينة الصدر أحلى من شيكاغو والله مهزله يا سبحان الله نفس التصميم لا والي يكتلك مسميها باسمه ومابيها غير الخراب والفقر".
وتنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلات تسخر من الصدر، بينما يردّد متظاهرون في العديد من المدن العراقية هتافات مناوئة له، وهو ما لم يكن من الممكن تصوره قبل الاحتجاجات.
والخميس، دان نواب الكتلة الصدرية في البرلمان "الاساءات المتكررة" للصدر وشخصيات أخرى من قبل المتظاهرين، زاعمين أنّها تأتي ضمن "موجة أميركية" هدفها "اسقاط كل المعتقدات".
وحذّر انّ تيّاره ومؤيديه لن يبقوا "مقيدين وساكتين عن الإساءة للدين والعقيدة والوطن"، معتبرا أنّه ملزم "عدم جعل العراق قندهارا للتشدد ولا شيكاغو للتحرر والانفلات والاخلاقي والشذوذ الجنسي".
وفي مشاهد غير مسبوقة في المجتمع العراقي العشائري المحافظ، يتظاهر الشبّان والشابات جنبا إلى جنب، ويشاركون معا في حلقات نقاش داخل خيم، ويقدمون الاسعافات للجرحى منذ بداية الاحتجاجات في أكتوبر الماضي وذلك رغم التهديدات والقمع الذي يتعرض لها المتظاهرون يوميا.
واتهم المحتجون العراقيون الصدر هذا الشهر بخيانتهم والتخلي عنهم بعد أن أمر أنصاره الانسحاب من ساحات الاعتصام معلنا تأييده لتكليف الوزير السابق محمد علاوي تشكيل الحكومة الجديدة، وهو ما يرفضه المحتجون باعتبار أن علاوي مقرّب من الطبقة الحاكمة.
وتصاعد التوتر مؤخرا بين الصدر والمتظاهرين وتحول إلى مواجهات عندما اقتحم مؤيدو الصدر المعروفين بأصحاب "القبعات الزرقاء" أماكن اعتصام في النجف والحلة جنوب بغداد الأسبوع الماضي، ما أدى إلى مقتل ثمانية متظاهرين.
ومنذ الأسبوع الماضي، تعرضت فتيات شاركن في الاحتجاجات لسلسلة اعتداءات من بينها حالة طعن بالسكين طالت فتاة كانت تتواجد في احدى الخيام بساحة التحرير وسط بغداد الثلاثاء، واتهم أنصار الصدر بالوقوف خلفها.
كما تعرضت العديد من الناشطات العراقيات لعمليات اغتيال واختطاف اتهمت ميليشيات عراقية موالية لإيران بتنفيذها.
يذكر أن "جيش المهدي" التابع للصدر اتهم في الماضي بتنفيذ هجمات ضد محال بيع مشروبات كحولية وأخرى استهدفت مثليين، إلى أن أصدر الصدر أمرا بوقف تلك الهجمات في أب/اغسطس 2016.