دعا الرئيس العراقي برهم صالح مساء الاثنين إلى "وقف التصعيد" في سادس أيام الاحتجاجات التي شابتها أعمال عنف دامية أودت بحياة أكثر من مئة شخص، بعيد إقرار القوات العراقية بـ"استخدام مفرط" للقوة في أحد أحياء بغداد، مؤكدا في الوقت ذاته على ضرورة الحوار ومنع التدخل الأجنبي.
وبحسب حصيلة رسمية، قتل أكثر من مئة شخص غالبيتهم من المتظاهرين وجرح أكثر من 6 آلاف آخرين منذ انطلاق الاحتجاجات في الأول من الشهر الحالي في بغداد ومدن جنوبية للمطالبة باستقالة الحكومة المتهمة بالفساد.
وقال صالح في كلمة متلفزة متوجها إلى الشعب إن "المتربصينَ والمجرمينَ الذين واجهوا المتظاهرين والقوى الأمنيةَ بالرصاص الحي هم أعداءُ هذا الوطن وهم أعداءُ الشعب".
وإذ أشار إلى ضرورة اتخاذ "إجراءات في مواجهة هذا النوع من الاحتجاجات ومنع الاندفاع إلى استخدام القوة المفرطة".
دعا الرئيس العراقي إلى "حوار بين أبناء الوطن الواحد ومنع الأجنبي من التدخل" في بلد لطالما سعى إلى تحقيق التوازن بين حليفتيه المتعاديتين، الولايات المتحدة وإيران.
وأكد صالح أن "لا شرعيةَ لأيِّ عملية سياسية أو نظام سياسي لا يعملُ على تحقيق متطلبات" الشعب.
وبعد ليلة من الفوضى في مدينة الصدر في شرق بغداد حيث قتل 15 شخصا في الصدامات بين المحتجين وقوات الأمن بحسب مصادر طبية، أقرّت القوات العراقية الاثنين بـ"استخدام مفرط للقوة وخارج قواعد الاشتباك المحددة".
وقالت في بيان إنّها "بدأت إجراءات محاسبة الضباط والآمرين والمراتب الذين ارتكبوا هذه الأفعال الخاطئة".
وفي تسجيلات مصورة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، كان ممكنا سماع أصوات إطلاق رصاص متواصل وأحيانا بالسلاح الثقيل في مدينة الصدر حيث تواجه القوات الأمنية ووسائل الإعلام صعوبات في الوصول إليها. وتعدّ هذه المنطقة معقلا لأنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي دعا الجمعة إلى استقالة الحكومة.
وكانت السلطات العراقية التي تتعرض لانتقادات من المدافعين عن حقوق الإنسان، أكدت أنها تتقيد بـ"المعايير الدولية"، متهمة "مندسين" و"قناصين مجهولين" بإطلاق النار على المتظاهرين والقوات الأمنية على حد سواء.
وقالت منظمة العفو الدولية الاثنين إنّ اعتراف "القوات الأمنية باستخدام القوة المفرطة هو خطوة أولى يجب أن تترجم على أرض الواقع بهدف كبح تصرفات القوات الأمنية والجيش"، مضيفة أن الخطوة التالية يجب أن تتمثّل في "المحاسبة".
كما طالبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بدورها بالحفاظ على سبل وصول المسعفين إلى الجرحى.
وفي ظل هذه التطورات، أعلن رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض الاثنين إن فصائله، وغالبيتها شيعية معظمها مقرب من إيران، جاهزة للتدخل لمنع أي "انقلاب أو تمرد" في العراق في حال طلبت الحكومة ذلك.
وقال الفياض خلال مؤتمر صحافي في بغداد إن "هنالك من أراد التآمر على استقرار العراق ووحدته"، مؤكدا أن الحشد الشعبي الذي يعمل في إطار رسمي يريد "إسقاط الفساد وليس إسقاط النظام"، في رد على شعارات المتظاهرين.
وتابع "نعرف من يقف وراء التظاهرات ومخطط إسقاط النظام فشل"، مشددا على أنه "سيكون هناك قصاص لمن أراد السوء بالعراق".
وللمرة الأولى منذ الثلاثاء الماضي، لم يتظاهر المحتجون المطالبون بالتوظيف والخدمات العامة وتغيير الطبقة السياسية في ساحة التحرير في وسط بغداد.
وكانت الاحتجاجات محصورة فقط في مدينة الصدر ومحيطها على أطراف العاصمة التي تعد تسعة ملايين نسمة ولا تزال حتى اليوم من دون شبكة إنترنت. والاثنين انتشرت قوات من الشرطة عند أطرافها ولم تسجل أعمال عنف.
وفي أماكن أخرى من بغداد، عادت الحياة تدريجيا إلى طبيعتها لكن التوتر لم يهدأ.
وكررت السلطات من إعلاناتها عن تدابير اجتماعية في محاولة لتهدئة غضب المتظاهرين الذين يقولون إنه "ليس لديهم ما يخسرونه" في بلد غني بالنفط، حيث يعيش أكثر من شخص من بين كل خمسة تحت خط الفقر.
وفي رد فعله على التطورات في العراق، رأى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أن "الأعداء يسعون للتفرقة بينهما (إيران والعراق)، لكنهم عجزوا ولن يكون لمؤامرتهم أثر".
وتجمع طهران وبغداد علاقة قريبة، لكنها علاقة معقدة، حيث خاض البلدان حربا دامية بين عامي 1980 و1988، كما ازداد النفوذ الإيراني في العراق بعد غزو الولايات المتحدة وحلفائها للبلاد والإطاحة بصدام حسين عام 2003.
وتأتي الاحتجاجات في العراق تزامنا مع توجه ملايين "المشّاية" الإيرانيين إلى مدينة كربلاء (110 كلم جنوب بغداد)، لإحياء أربعينية الإمام الحسين، أكبر المناسبات الدينية لدى المسلمين الشيعة والتي تصادف بعد أيام قليلة.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، أعلن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أنه ناقش التطورات الأخيرة هاتفيا مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو والتقى في بغداد بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وبحث معه اتفاقيات مشتركة بين البلدين.