أبرزت تداعيات سلسلة الضربات التي تلقّتها مؤخّرا مقارّ ومخازن سلاح تابعة لميليشيات الحشد الشعبي وتمّت نسبتها لسلاح الجوّ الإسرائيلي، طبيعة العلاقة المعقدّة التي تجمع بين عدد من السياسيين السنّة المشاركين في العملية السياسية والرافعين للواء تمثيل طائفتهم والدفاع عن قضاياها، بالطبقة الشيعية الحاكمة فعليا في العراق بما فيها من سياسيين وقادة ميليشيات نافذين ولهم وزنهم في صنع القرار وتوجيه السياسات.
وعكس تعاطف سياسيين عراقيين سنّة مع الحشد الشعبي إثر الضربات التي تلقاها، رغم سوء سمعته في اضطهاد أبناء الطائفة السنية وتنكيله بهم خصوصا خلال الحرب الأخيرة ضدّ تنظيم داعش.
علاقة المصالح التي تجمع بين هؤلاء السياسيين والقيادات الشيعية، وهي علاقة تبدأ من توزيع المناصب الحكومية بمختلف مستوياتها السياسية والإدارية، وما وراءها من مكاسب مادية ومعنوية.
لكنّها عكست أيضا حالة من الخوف والتوجّس من بطش الميليشيات وأيضا من غضب إيران الذي يمكن أن يؤدّي إلى تحييد أي سياسي لا ترضى عنه.
ونقل تحقيق أنجزته الصحافية جاكلين زاهر لوكالة الأنباء الألمانية نفي قيادات سنيّة عراقية لوجود تأييد من قبل سنّة العراق للضربات التي استهدفت مواقع عسكرية تعود للحشد الشعبي.
معتبرة ما يروج عن ذلك التأييد جزءا من محاولات بعض الأطراف الخارجية اللعب على وتر الطائفية وتأجيج الصراع داخل المجتمع.
وقال رئيس مجلس النواب الأسبق والسياسي البارز أسامة النجيفي "ليس للمكون السني في ما يتعلق بقضايا الوطن موقف مختلف عن موقف الشعب العراقي بكل مكوناته، فأبناء المكوّن يدينون ويستنكرون أي اعتداء يطول بلدهم سواء كان المستهدف مراكز للحشد أو أي جهة عراقية، ويعدون ذلك عملا عدوانيا".
ولم يبتعد حديث نائب رئيس كتلة تحالف القوى العراقية (يضم عددا من القوى أغلبها سنية) النائب رعد الدهلكي عن الرأي السابق، مشددا على أنه بالرغم "من وجود تجاوزات من قبل جهات أو فصائل تنضوي تحت مظلة الحشد الشعبي إلا أننا نؤكد رفضنا كمكون سني لهذه الضربات، فالمقرات هي مقرات عراقية وهناك ضحايا سقطوا من أبناء العراق".
وقال الدهلكي "مشكلتنا كسنّة هي مع من تجاوز بالحشد ضد أبناء المناطق المحررة.. هؤلاء ممن مارسوا القتل والتعذيب والخطف ومصادرة الأملاك، ونطالب بمحاكمتهم وكشف حقائق جرائمهم. أي أننا لا نتمنى أن يشمل العقاب جميع من ينتمي إلى الحشد".
ويرى الدهلكي أنّ "ما يحدث بالعراق حاليا هو تحويله إلى ساحة للحرب بالوكالة".
قائلا "كنا نتمنى أن يكون موقف الحكومة أكثر قوة ووضوحا، وأن يكون هناك توزان في سياساتها وتعاطيها في العلاقة ما بين إيران والولايات المتحدة الأميركية".
وتابع "من لديه حسابات يريد تصفيتها مع الولايات المتحدة فليقم بذلك خارج العراق وساحته. فالعراق منهك مما شهده خلال السنوات الأخيرة وحربه ضد الإرهاب وهو بأمس الحاجة إلى هدنة. ونعتقد أيضا أن على أطراف كثيرة في مقدمتها الولايات المتحدة إعادة التفكير في ما يحدث، وكذلك نرى أن على إيران ومؤيديها بالعراق التحلي بالمزيد من العقلانية والحكمة. ويجب إخراج العراق من معركة هي بالأساس ليست معركته".
ويؤكد الدهلكي أن الاتهامات للسنة بالسعادة جراء استهداف مقرات الحشد "تم توجيهها من قبل أطراف تعمل على تنفيذ أجندات خارجية تستهدف السنة كونهم يعدون اليوم أضعف حلقة بالحكومة العراقية ولا يملكون قرارا".
وقال "نتخوف من ردود فعل غير مدروسة قد تصدر عن أطراف ولاؤها الرئيسي والأول لجهات أخرى غير العراق".
مضيفا "لم توجّه لنا كسنّة تهديدات بشكل رسمي أو بشكل واضح ولكن هناك دائما ما يمكن قراءته بين الأسطر".
وقبيل تفجّر قضية ضرب مقرّات الحشد، كانت قد طفت على سطح الأحداث في العراق قضية المغيّبين من أبناء المناطق السنية التي دارت فيها الحرب على تنظيم داعش، حيث تتهم ميليشيات الحشد التي شاركت بفعالية في تلك الحرب باختطاف وإخفاء وقتل الآلاف من أبناء تلك المناطق غالبا بذريعة انتمائهم أو تعاطفهم مع داعش.
وهوّن رئيس حزب الحل وعضو لجنة الأمن والدفاع النيابية محمد الكربولي من الخشية التي يظهرها البعض من انصراف الاهتمام السياسي والإعلامي إلى قضية ضرب مقرات الحشد الشعبي وتطوراتها على حساب قضية المغيبين والمفقودين من أبناء المكون السني.
وحرص الكربولي على تأكيد عدم صحّة ما يتردّد بشأن "سعادة السنة بضرب مقرات الحشد، فعملية الاستهداف هي خرق للسيادة العراقية ولمقرات منظومة أمنية رسمية هي هيئة الحشد الشعبي"، بحسب ذات النائب.