Skip to main content

إيران واستراتيجية التصعيد غير المباشر

ميليشيات الحشد الشعبي
AvaToday caption
التصعيد غير المتوقع هو سياسة إيرانية قديمة برزت منذ انتصار الثورة الإسلامية في العام 1979، وتستمر حتى اليوم
posted onMay 18, 2019
nocomment

سلام السعدي

إذا كان الغموض قد أحاط بحادثة تعرّض أربع سفن تجارية، بينها ناقلتا نفط سعوديتان، لعملية تخريب قرب ميناء الفجيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد أظهر استهداف محطتي ضخ للنفط شرقي المملكة العربية السعودية في اليوم التالي الطرف المدبر للعمليتين معا. تبنّت جماعة الحوثيين استهداف محطات ضخّ النفط باستخدام طائرات موجهة من دون طيار. وقد جاء التصعيد الحوثي في ظل بدء عمليات الانسحاب المزعوم للجماعة من ميناء الحديدة، أي في ظل تقدّم مفترض في محادثات التسوية في اليمن، وهو ما كان من المنتظر أن يترافق مع تهدئة العمليات العسكرية لا مع رفع نسقها بهجوم غير مسبوق.

ليس من العسير، إذن، الإشارة إلى إيران باعتبارها الطرف المسؤول عن تخطيط وتنفيذ العمليات تلك، وهو ما يمثل استراتيجية إيرانية جديدة للرد على العقوبات الاقتصادية وعلى منعها من تصدير النفط، وذلك بزعزعة استقرار سوق النفط وإثارة المخاوف الأمنية في المنطقة.

بعد الهجوم قرب ميناء الفجيرة، شكك بعض المراقبين في مسؤولية إيران، إذ بدا أنه من الحماقة قيامها بمثل ذلك الهجوم في ظل التصعيد الأميركي وقرع طبول الحرب من قبل واشنطن على مدى الأسبوعين الماضيين. إذ قامت الأخيرة بتوسيع العقوبات الاقتصادية ومنع تصدير الفولاذ والرصاص الإيرانيين، إلى جانب النفط. الأهم تمثل في إرسال تعزيزات عسكرية إلى الشرق الأوسط، تضمنت حاملة الطائرات “أبراهام لنكولن” وخمس سفن حربية أخرى. كما وردت تقارير عن خطط أميركية لنشر 120 ألف جندي أميركي في حال تطلبت التطورات ذلك.

هكذا، كان من الغريب بعض الشيء أن يأتي الهجوم الإيراني قرب ميناء الفجيرة بالتزامن مع استعراض العضلات الأميركي ذاك. ولكن التصعيد غير المتوقع هو سياسة إيرانية قديمة برزت منذ انتصار الثورة الإسلامية في العام 1979، وتستمر حتى اليوم. تعتبر أزمة الرهائن بين طهران وواشنطن في العام 1979 أحد الأمثلة على تلك السياسة الإيرانية، إذ جرى اقتحام السفارة الأميركية واعتقال 52 أميركيا، في مرحلة كانت القيادة الإيرانية قد وصلت فيها للتوّ إلى السلطة وتحتاج، نظريا، إلى تثبيت الاستقرار وإضفاء شرعية دولية على النظام الجديد. ولكن التصعيد هو وسيلة طهران المفضّلة لخلق الاستقرار وإحكام سلطتها في الداخل.

لن تقف إيران، إذن، صامتة على تشديد العقوبات الأميركية ومنعها من تصدير النفط، بل من المرجح أن تقوم بسلسلة ردود مدروسة ومحدودة. وقد جاءت أولى خطوات التصعيد بإعلان عزمها رفع سقف إنتاج اليورانيوم والمياه الثقيلة ردا على عدم التزام الولايات المتحدة بالاتفاق النووي. وأعطت إيران للأوروبيين مهلة شهرين لتقديم اقتراحات تخفف الحصار عن القطاعين النفطي والمصرفي، مهددة بالانسحاب من الاتفاق.

تمثّلت ثاني آليات التصعيد الإيراني بالتهديد بإغلاق مضيق هرمز الحيوي لنقل النفط. ويمر عبر المضيق حوالي ثلث إمدادات النفط العالمية. وتكمن المفارقة في أن أهمية المضيق القصوى تلك تجعله ورقة ضغط استراتيجية غير قابلة للاستخدام من قبل إيران. تدرك طهران تماما أن إقدامها على إغلاق مضيق هرمز سوف يتسبب في تحشيد دول العالم ضدها، وفي تصاعد احتمالات العمل العسكري.

هكذا، كان على إيران أن تجد استراتيجية تصعيد بديلة تتسبب في زعزعة استقرار كل من سوق النفط العالمي والوضع الأمني في المنطقة، ولكن من دون القدرة على تحميلها المسؤولية المباشرة عن ذلك. ويبدو أن الهجمات الأخيرة قرب ميناء الفجيرة وعلى منشآت النفط السعودية تأتي في سياق هذه الاستراتيجية.

ليس مستبعدا إذن أن تواصل طهران التصعيد في المنطقة من خلال توظيف الميليشيات التابعة لها لتنفيذ هجمات محدودة ضد دول إقليمية بصورة خاصة، ولكن أيضا ضد أهداف أميركية تختارها بعناية. قد تحرك طهران مجموعات جهادية تنشط في المنطقة لتحقيق أهدافها تلك، وذلك من خلال تقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي لها. استخدمت إيران تلك الاستراتيجية في العراق، حيث دعمت الهجمات على القوات الأميركية بالشراكة مع النظام السوري الذي كان ينظم رحلات الجهاديين إلى العراق.

هكذا يمكن فهم طلب الولايات المتحدة، قبل أيام، من جميع موظفيها غير الأساسيين مغادرة سفارتها في بغداد وقنصليتها في أربيل، مبررة ذلك بوجود “تهديد وشيك على صلة مباشرة بإيران”.

وأخيرا، يساعد التصعيد الذي تقوم به طهران على تحشيد الرأي العام الداخلي خلف القيادة الإيرانية. يمكن ملاحظة أنه وفي حين تبدو نبرة الخطاب الإيراني الموجه للعالم معتدلة نسبيا وتنحو نحو “ضبط النفس”، اتخذت الخطابات الداخلية بعدا تحشيديا واضحا. قبل أيام، توقّع الجنرال حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني، قرب حدوث “مواجهة شاملة مع العدو”. تبدو عسكرة الوضع الداخلي وتحشيد الرأي العام ضد “العدو الخارجي” أفضل وسيلة لكتم الأصوات المعارضة والتخفيف من حجم النقمة الشعبية على التدهور المتسارع للوضع الاقتصادي.

كاتب فلسطيني سوري