التفاؤل العراقي بشتاء غزير الأمطار إلى تشاؤم، بعد توالي الأنباء عن اجتياح السيول الإيرانية الجارفة مساحات حدودية شاسعة، وتهديدها مناطق سكنية كبيرة.
واعتاد العراق، خلال الأعوام القليلة الماضية، التعرض لموجات من المطر واسعة النطاق، غطت أحيانا أراضي البلاد من الشمال إلى الجنوب، وهو ما فرض على أجهزة الخدمة البلدية اتخاذ احتياطات احترازية كبيرة، نجحت إلى حدّ كبير في تصريف معدلات الأمطار المرتفعة التي شهدها شتاء الموسم الحالي في معظم المدن الرئيسية، بالرغم من أن مدنا صغيرة شرق وغرب البلاد تعرضت لفيضانات متكررة.
لكن التقلبات المناخية الحادة في جنوب إيران، قلصت قدرة الجهات العراقية المسؤولة عن إدارة الموارد المائية في التعامل مع كارثة وشيكة.
وعجزت الحكومة العراقية عن احتواء تداعيات السيول الناجمة عن الأمطار الغزيرة في هذا الموسم، لأن أصل المشكلة يقع خارج حدود البلاد. وتشهد مناطق جنوب إيران المحاذية للحدود العراقية، معدلات أمطار غير مسبوقة، نجمت عنها سيول جارفة، سرعان ما تجاوزت الحدود، متسببة في أزمة حادة لمحافظات البصرة وواسط وديالى.
وفي محافظة البصرة الغنية بالنفط جنوب العراق، اضطرت وزارة الموارد المائية، إلى اتخاذ إجراءات قاسية لحماية حقول البترول من السيول الإيرانية، إذ حولت مجرى مياه السيول العابرة للحدود، نحو مساحات زراعية شاسعة، كانت تنتظر موسم الحصاد، ما تسبب في صدمة هائلة للفلاحين.
ووفقا لمسؤولين في وزارة الموارد المائية تحدثوا مع “العرب”، فإن السيول القادمة من إيران، حاصرت مجموعة من حقول نفط قيد الإنتاج، بينها حقل مجنون، الذي تصنفه الحكومة العراقية على أنه أحد أكبر حقول النفط المنتجة في العالم، باحتياطي يتجاوز الـ30 مليار برميل.
ويقول المسؤولون إن “الخيارات كانت محدودة، فإما أن نسمح للمياه بالتدفق نحو الحقل، ما يسبب خسائر فادحة طويلة الأمد، وإما يتم تحويل مجراها لتصب في مساحات زراعية مجاورة”.
لكن خطر السيول الإيرانية على حقول نفط البصرة، ما زال قائما، وفقا لإفادات رسمية.
ولا تقف التهديدات التي تفرضها السيول عند حد آبار النفط في البصرة، بل تتجاوزها إلى المناطق السكنية. وأظهرت صور وتسجيلات فيديو نشرتها حسابات مدونين بصريين، مياه شط العرب وهي تتجاوز حدود المجرى المائي، وتلامس أكتاف الممرات البرية في بعض المواقع.
ونجمت معظم السيول التي وردت إلى البصرة خلال الساعات الـ48 الأخيرة عن زيادة معدلات التدفق من نهر الكارون، الذي يمتد عبر الأراضي الإيرانية ويصب في شط العرب.
وتشهد مناطق جنوب إيران، أمطارا غزيرة، تسببت في سيول نجمت عنها وفاة العشرات من الأشخاص وتدمير بنى تحتية ومنازل ومزارع.
ويتوقع العراق أن يتلقى المزيد من السيول الإيرانية خلال الأيام القليلة القادمة، مع استمرار تساقط الأمطار الغزيرة في مناطق إيران الجنوبية.
وفي حالة نادرة، يخفف مدونون عراقيون، في مواقع التواصل الاجتماعي، من لهجة الانتقادات الحادة الموجهة نحو العجز الحكومي في احتواء موجة السيول، التي تتحرك نحو الأراضي العراقية عبر شريط حدودي طويل جدا، يمتد من البصرة في الجنوب إلى السليمانية في أقصى الشمال الشرقي.
ويتساءل المدونون عن الإجراءات التي تخلفت الأجهزة الحكومية عن اتخاذها لمواجهة هذه الكارثة البيئة، ويجيب آخرون بأنها “لا شيء”.
لكن وزارة الموارد المائية العراقية، تقول إن الصورة ليست بالسوء الذي تبدو عليه، إذ عززت موجة الأمطار الأخيرة معدلات الخزن المائي في مختلف المسطحات المتاحة، على أمل أن تساعد في مواجهة صيف عراقي عرف بالجفاف الشديد.
ووجهت الوزارة الكثير من مياه الأمطار والسيول إلى بحيرات الثرثار والحبانية والرزازة، مسجلة معدلات تخزين استثنائية، بعدما ملأت المياه بشكل إجباري بحيرات أخرى في السليمانية والموصل.