Skip to main content

ماذا ربح الإيرانيون وماذا خسر العراقيون من اتفاقياتهم؟

روحاني في العراق
AvaToday caption
هناك أيضاً اتفاقية إلغاء رسوم دخول الإيرانيين إلى العراق والعكس، حيث يدخل ما بين 5 إلى7 ملايين إيراني للعراق سنويا كسياحة دينية، كانت توفر للعراق ما بين 140 و200 مليون دولار، ولم يكن التعامل بالمثل منصفاً؛ إذ إن مجموع العراقيين الذاهبين لإيران لا يتجاوز 5% من مجموع الإيرانيين الداخلين للعراق
posted onMarch 23, 2019
nocomment

د. شاكر نوري

لم تكن تحلم إيران منذ سنوات طويلة أن تحقق هذه الإنجازات والاتفاقيات من الزيارة الأخيرة للرئيس الإيراني حسن روحاني، بل لم تستطع تحقيق جميع هذه المكاسب في العراق من عهد الملكية، مرورا بحكومات عبدالكريم قاسم وعارف والبكر وصدام، وقُدمت لها امتيازات لم تقدمها أية دولة أخرى لها في العالم على الإطلاق، إنه بعبارة أخرى؛ حصاد تاريخي لا مثيل له، لم تحلم به إيران أبداً، تمثل بأكثر من 20 اتفاقية، جعلت ثروات العراق تصب جميعها لصالح إيران.

بعيداً عن الحديث الدبلوماسي الذي أطلقه روحاني فإن زيارته تطورت لتصل إلى تحقيق أهداف استراتيجية في غاية الأهمية، تتركز حول ثلاثة محاور: الوصول إلى هدفها المتمثل في كونها دولة متوسطية عبر بوابة العراق نحو سوريا ولبنان، وصولاً إلى باب المندب، أي إعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية الساسانية. والهدف الثاني هو الالتفاف على العقوبات الأمريكية من خلال المليشيات التابعة لها في داخل العراق، باعتبارها تسيطر على المال والتجارة في منافذ الحدود بين البلدين. أما الهدف الثالث فهو الاستحواذ على السوق العراقية من خلال نفوذها الاقتصادي، وبذلك حوّلت إيران العراق إلى رئتها التي تتنفس بها في زمن اختناقها الاقتصادي وتدهور قيمة التومان الإيراني.

لم تنوه حكومة عادل عبدالمهدي عن هذه المكاسب، بل اكتفت بالكلام الدبلوماسي الذي يؤكد العلاقة بين البلدين، ولكن ما هذه الاتفاقيات؟ وما خطورتها؟

من أهم الموضوعات التي ناقشها الجانب الإيراني مع الحكومة العراقية هي إعادة العمل باتفاقية الجزائر عام 1975، التي تقضي بحرية إيران في التصرف بمياه الخليج، وهو ما يمنحها ممراً واسعاً على حساب العراق دون أن يتضمن بنداً واحداً يمنع الإيرانيين من تصريف المياه المالحة والمخلفات الكيماوية بمجرى الشط، والذي يسبب أكبر تلوث يشهده العراق.

فيما يتعلق باتفاقية التبادل التجاري، لا يملك العراق من المنتوجات والسلع ما يصدره لإيران، في الوقت الذي تعمل إيران على تصدير منتجات بقيمة تصل لـ20 مليار دولار، أي أن هذه الاتفاقية ستعطل أي محاولات لإنعاش الإنتاج الصناعي أو الزراعي العراقي، وتمنع الدول الأخرى التي تطمح في دخول السوق العراقية.

وهناك حقول نفط مشتركة بين البلدين، يملك فيها العراق الأغلبية في جميعها بلا استثناء مثل آبار "الفكة" التي يوجد 95% منها داخل العراق، لكن إيران وضعت نفسها كشريك مناصفة في الاتفاقيات، وكذلك الحال في حقول مجنون الهائلة.

أما تنظيم الملاحة بمياه الخليج، فالاتفاقيات مع إيران خنقت البصرة وحرمتها من إطلالتها على شط العرب بعد تعطيل خور عبدالله، فلم تنظر الاتفاقية في الحدود المائية عن مخلفات المعامل الإيرانية التي نشرت مرض السرطان في المدن الجنوبية العراقية، كما لم تتطرق إلى مياه البزل المالحة التي فتكت بعشرات آلاف الهكتارات الزراعية، ولا إلى تهريب المخدرات الإيرانية إلى العراق، ولم تقدم إيران أية تعهدات حول مياه الكارون ولا نهر الوند، ولا وقف حبس المياه عن ديالى، ولا إعادة 11 رافداً لدجلة إلى مسارها، ولا وقف تصريف الملح في الأراضي العراقية.

وهناك أيضاً اتفاقية إلغاء رسوم دخول الإيرانيين إلى العراق والعكس، حيث يدخل ما بين 5 إلى7 ملايين إيراني للعراق سنويا كسياحة دينية، كانت توفر للعراق ما بين 140 و200 مليون دولار، ولم يكن التعامل بالمثل منصفاً؛ إذ إن مجموع العراقيين الذاهبين لإيران لا يتجاوز 5% من مجموع الإيرانيين الداخلين للعراق.

كما رفض روحاني مناقشة إعادة الطائرات العراقية الحربية والمدنية المحتجزة منذ عام 1991، ولم تتم مناقشة تقسيط ديون الكهرباء.

كل هذه الاتفاقيات ستكبل العراق لسنوات طويلة مقبلة، بل تجر عليه الويلات أيضاً؛ إذ كشفت صحيفة الإندبندنت البريطانية أن الكونجرس الأمريكي يتهيأ لإصدار تشريع يتيح للرئيس دونالد ترامب شمول العراق بالحصار الاقتصادي، لعدم التزامه بتطبيق بنود الحصار على إيران، هذا وكشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن قرار برلماني أمريكي قريب بفرض عقوبات قاسية على فصائل عراقية موالية لإيران تصل إلى 67 تنظيماً مسلحاً، من بينها منظمات متطرفة مثل العصائب والنجباء وحزب الله العراقي وغيرها، ممن توعز لها إيران بالعمل على المطالبة بإخراج القوات الأمريكية من العراق!

وهكذا تعيد حكومة عادل عبدالمهدي العراق إلى المربع الأول؛ حيث يظهر شبح الحصار الأمريكي ثانية، نتيجة هذه الاتفاقيات التي تحدثنا عنها، ولم يلتزم العراق بإنهاء اعتماد ثلث إنتاجه من الكهرباء على الصادرات الإيرانية من الكهرباء والغاز، في الوقت الذي يخسر العراق فرصة تقديم الولايات المتحدة عرضها لشركتها العملاقة "جنرال إلكتريك" الواسعة لإعادة تأهيل قطاع الطاقة في العراق على مدار الأعوام المقبلة.

مما لا شك فيه، أن الحكومة العراقية الجديدة تبذل قصارى جهودها من أجل الحفاظ على التوازن بين إيران والولايات المتحدة، ولكن من الصعب تحقيق ذلك؛ لأن السياسية الإيرانية لها أهداف مشبوهة في العراق والمنطقة، وهي لا تساعد على الاستقرار والإنتاج والازدهار، بل على العكس من ذلك.