Skip to main content

هل يمكن تحقق العلمانية والديمقراطية في إيران؟

متحف الشاه فی إیران
AvaToday caption
غير أنَّ هذه التجربة التي لم تستمر أكثر من ربع قرن وبشكل متقطع نسبيًا، لا يوجد أي محاولة حقيقية لعلمنة إيران، أما تحويل الدولة إلى بلد ديمقراطي فليس هناك ما يمكن ذكره سوى محاولة الدكتور محمد مصدق في بدايات النصف الثاني من القرن العشرين
posted onMarch 13, 2019
nocomment

د.محمد بن صقر السلمي

يدور نقاش بين الفينة والأخرى حول إمكانية إحلال نظام علماني أو / و ديمقراطي في إيران بدلًا عن النظام الثيوقراطي الراهن ولا سيَّما هذه الأيام عند الحديث عن مستقبل نظام ولاية الفقيه في ظل التحديات الداخلية والضغوطات الخارجية.

هناك من يؤيد هذه الفكرة وآخرون متحفظون تجاه نجاحها ولكل طرف بكل تأكيد شواهد وأدلة تثبت وجهة نظره. وللإجابة على هذا التساؤل يحتاج الأمر إلى فهم الخلفية التاريخية لتجربة إيران الديمقراطية أو العلمانية وأسباب فشلها والعوامل التي قد تؤدي إلى نجاحها مستقبلًا.

تعود معرفة إيران بالحضارة الغربية في مبادئها وقيمها إلى بدايات القرن التاسع عشر الميلادي وبالتحديد بعد الهزيمتين العسكريتين اللتين تعرضتا لها إيران على يد القوات الروسية في عامي 1803 و1827م، إلا أنَّ الفكر الغربي لم يظهر جليا في النتاج الفكري للأدباء الإيرانيين إلا خلال الربع الأخير من القرن نفسه.

 ولعلنا نشير هنا إلى تنويريين مثل فتحعلي آخونزاده وأقا خان كرماني وملكم خان وغيرهم ممن تأثروا بالفكر التنويري الغربي الذي ظهر بعد الثورة الفرنسية وما تبعها من نظريات معروفة ليس هذا المقال مجالا للتطرق إليها.

مع بداية القرن العشرين ظهرت أصوات عدة في إيران تطالب بالتخلص من الهيمنة الغربية على موارد البلاد الاقتصادية هذا من جانب، والسعي إلى إحلال نظام ديمقراطي بديلًا للنظام القاجاري الديكتاتوري من جانب آخر.

ولعل أبرز هذه المساعي يتمثل في الثورة الدستورية التي امتدت لستة أعوام (1905-1911) تخللها تشكيل البرلمان -ولأول مرة في تاريخ إيران- وإقرار نظام دستوري على النمط الغربي أسهمت دول استعمارية مثل بريطانيا في تأسيسه، إذ تمكنت هذه الثورة التي عرفت باتجاهاتها الوطنية والديمقراطية من تخطي الانقلاب الدموي والحرب الأهلية إلى عالم من الحريات السياسية والصحافية.

 إلا أن هذا الفصل من تاريخ إيران لم يستمر طويلًا حتى أُجهِض وقد دفع المطالبون بالحرية في إيران تكلفة باهظة وأُريقت دماء عدد كبير من المناضلين وفرَّ آخرون إلى خارج إيران، وهذه المرحلة تبعتها محاولة أخرى-وإن كانت اختلفت عن سابقتها-إذ اُستخدِم القلم بدلًا من البندقية خاصة خلال فترة ما بين الحرب العالمية الأولى وانقلاب القائد العسكري رضا خان (عرف بعد ذلك برضا شاه بهلوي).

فعندما نقرأ صحف ومجلات هذه الحقبة الزمنية نرى كيف تبلور فكر الدولة العلمانية والنداء لنظام جمهوري يعتمد كليًا على الثقافة الغربية ومحاولة فصل الدين عن الدولة وإحلال نظام جمهوري بديلًا عن النظام الملكي.

فأشخاص مثل حسن تقي زاده وحسين كاظم زاده (إيرانشهر)، وإبراهيم پورداوو ومحمود أفشار والعلَّامة محمد قزويني كرسوا هذه الفكرة وقضية فصل الدين عن الدولة من خلال مجلات داخل إيران وخارجها.

تُعدُّ هذه الفترة القصيرة جدا-من وجهة نظري الشخصية-أكثر فصول تاريخ إيران الحديث تعقيدًا، فخلالها بُذِرَت النواة الأولى للقومية الإيرانية-الفارسية على النمط الغربي، كذلك شهدت تأسيس الجمعيات الأهلية ذات الميول السياسية والاجتماعية وشؤون المرأة وكذلك انتشار الفكر الماسوني.

كما شهدت هذه الفترة أيضًا الترويج لثقافة وتاريخ إيران في عصر الساساني وما سبقه من إمبراطوريات إيرانية وغير ذلك الكثير والكثير، ولكن ماذا حصل بعد ذلك؟ جاء النظام البهلوي في عام 1925 واستقطب هؤلاء الكتاب والمفكرين ولكنه باختصار شديد لم ينجح في تطبيق العلمانية رغم المحاولات الكثيرة والتضييق على العلوم الدينية والحوزات العلمية.

غير أنَّ هذه التجربة التي لم تستمر أكثر من ربع قرن وبشكل متقطع نسبيًا، لا يوجد أي محاولة حقيقية لعلمنة إيران، أما تحويل الدولة إلى بلد ديمقراطي فليس هناك ما يمكن ذكره سوى محاولة الدكتور محمد مصدق في بدايات النصف الثاني من القرن العشرين.

 إذ كان أول قرار له عندما تسلم منصب رئيس الوزراء هو أمر قائد شرطة طهران بعدم التعرض لأي صحفي ينتقد الدولة، وقد صدق الدكتور مسعود كاظم زاده عندما كتب في عام 2003 وبمناسبة مرور خمسين عاما على إجهاض خطة مصدق ومشروعه الوطني في عام 1953 على يد السافاك والسي آي أي، كتب مقالًا تحت عنوان «اليوم الذي ماتت فيه الديمقراطية في إيران»، وكما يشير العنوان فإنه لا يرى أي محاولة لتطبيق الديمقراطية في إيران منذ ذلك الوقت حتى حينه وقد صدق في ذلك.

السؤال الذي سيدور في خلد أي قارئ لهذه السطور هو: لماذا لم تنجح هذه المحاولات وإن كانت خجولة نسبيًا؟ الجواب وببساطة شديدة هو لأن الديمقراطية (أو الحداثة) والعلمانية عبارة عن «كتلة واحدة» لا تنجح عندما يتم التعامل معها بانتقائية تتوافق وفكر موازٍ لها.

 هذا الفكر الموازي ليس هدفه الحفاظ على خصوصية ثقافية أو دينية بقدر ما هو فكر استبدادي يُقصي الآخر حتى وإن كان شريكًا في الوطن والمواطنة، فإن كانت إيران البهلوية لم تتخلص من التمييز العنصري واضطهاد الأقليات، إذ حرمتهم من تعلم لغتهم القومية والتراث الذي ينتمون إليه.

فإنَّ النظام الذي أطاح بالملكية لم يختلف كثيرًا عن سابقه إطلاقا عندما يكون الحديث عن الأقليات العرقية والمذهبية بل زاد سوءًا، فالجمهورية الإسلامية وإن سلكت منهجًا مختلفًا عن النظام البهلوي إلا أن النتيجة في نهاية المطاف واحدة، وهي تهميش للأقليات المذهبية والعرقية واستمرار نظرة الدونية لغير المنتمين للعرق الفارسي وكذلك استمرار «فرسنة» المناطق التركية والعربية وغيرها.

لذا فإنه من شبه المستحيل وفي ظل الفكر السائد حاليًا أن يكون هناك ديمقراطية أو علمانية حقيقية في إيران ليس لأن المجتمع متمسك بنظام ولي الفقيه والمؤسسة الدينية الثيوقراطية، بل لأن الانتقائية في التعامل مع الفكر الحديث هي الحاجز الذي يقف في وجه أي محاولة في هذا الاتجاه خاصة النزعة العنصرية المتفشية في المجتمع الإيراني.

وللتأكد من ذلك فإنَّ ساعة أو اثنتان تُخصصها لتصفح المواقع الإيرانية على الإنترنت وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي تبرهن لك وبما لا يدع مجالًا للشك على هذه الحقيقة التي تؤلم الكثير من الإيرانيين المخلصين لوطنهم ووحدة الشعب الإيراني، عندما يتم وصف الإيراني الأذربيجاني بالحمار (خر) وغضنفر (حتى أيام انتخابات 2009 كانوا أنصار محمود أحمدي نجاد يطلقون مثل هذه الشعارات ضد موسوي)، ويطلق على الفرس الكلب (سگ)، وقِس على ذلك فيما يتعلق ببقية الأعراق والأقليات في إيران.

بل اقرأ النكت (جوك) التي يتم إطلاقها على أهل رشت والأحواز وتبريز وغيرها، حينها ستدرك مدى استحالة تحقق تلك الأمنية إن لم يتم التخلص من هذا التوجه المؤيد أحيانًا من النظام ولاعتبارات كثيرة.

ماذا يعني هذا كله؟ يعني أنه الفكر القومي أو الانتماء للقومية المناطقية متقدم بكثير على الانتماء للوطن الكبير-إيران، الفكر من خلال هذه النوافذ الضيقة هو ما يمنع إمكانية تطبيق ديمقراطية شاملة في البلاد، الديمقراطية الحرة تعني أنَّ الأقليات العرقية يحق لهم المطالبة بمدارس يتعلمون فيها لغتهم الأم وليس لغة فئة معينة من الشعب وتعميمها على البقية، فعندما يستطيع العربي في الأحواز أن يدرس باللغة العربية والتركي بالتركية، نستطيع أن نتحدث عن إمكانية نجاح الديمقراطية في إيران.

قد يقول قائل لماذا يكون ذلك مستحيلًا في إيران بينما يكون واقًعا نعيشه في الدول الغربية كأمريكا وغيرها، إذ يمثل الشعب مزيجًا متباينًا من العرقيات والأديان.

هذه نقطة جيدة ولكن الفرق شاسع جدًا بين تلك الدول وإيران وغيرها من دول العالم الثالث التي تلتقي وإيران من حيث طبيعة التركيبة السكانية المعقدة.

تلك الدول الغربية لا يوجد بها هذه الحساسية المفرطة والصراع الإثني كما هو الحال في إيران، في ذلك الجزء من العالم (وهذه حقيقة لا نستطيع إنكارها حتى وإن اختلفنا مع تلك الدول وتوجهاتها في كثير من النقاط) تستطيع أن تحاكم (على الأقل من الناحية النظرية وما يضمنه القانون من حقوق لكل فرد) من يعاملك بشكل عنصري سواء أكانت تلك العنصرية دينية أو عرقية.

 بل انظر إلى دولة صغيرة بحجم سويسرا، كيف أصبحت أربع لغات مختلفة هي لغات وطنية ولم يتم معاملة من يتحدثون بأي لغة من تلك اللغات بشكل عنصري؛ لأن الشعب السويسري تجاوز هذا التفكير بعدة مراحل، والأمثلة حول هذا الموضوع أكبر من أن نحصرها في هذا المقال.

أما في إيران فهناك شكوك مستمرة من أن العرب يسعون للانفصال والترك يودون الانضمام إلى الجمهورية التركية أو إلى أذربيجان والأكراد والبلوش يحلمون بتشكيل دولتهم الخاصة، مع العلم أنه ليس كل تلك الأقليات تفكر في الانفصال إن حصلت على كافة حقوقها.