زكي رضا
لو تركنا سقوط بغداد العبّاسيّة على يد المغول في شباط 1258م، مبتعدين قدر الإمكان عن الروايات المتضاربة لخيانة الوزير الشيعي إبن العلقمي وعدم توظيفها طائفيّا للنيل من الشيعة كما يريد السنّة، فأنّ زعماء شيعة العراق اليوم يدفعوننا دفعا لإعادة النظر في تلك الحادثة، ليس من خلال خيانة إبن العلقمي من عدمها والتي نتركها للتاريخ كونها أصبحت من الماضي، بل لأن الخيانة عند زعماء الشيعة اليوم في العراق أصبحت ظاهرة وليست حالة فردية كما كانت وقت سقوط بغداد حينها. فإبن العلقمي تحرّك بشكل فردي وليس من خلال مؤسسات وأحزاب ومرجعيات.
أمّا زعماء الشيعة اليوم فأنهم يتحركون ضمن كل التشكيلات التي أشرنا إليها بل وحتّى مجتمعيا، كونهم على رأس السلطة وليس في المعارضة كما كانوا عليه أثناء الخلافة العباسية. لذا فأنّ نتائج خيانتهم للبلد ستكون كارثيّة، وهذا ما نراه اليوم من خلال الواقع المأساوي لبلدنا وشعبنا.
مشكلتنا مع النخب الشيعية الحاكمة، هي أنّها تبتعد عن كل ما هو عراقي حينما تتعلق الأمور بمصالح إيران وشعبها. ومن خلال تجارب سنوات ما بعد الإحتلال ليومنا هذا كانت مصالح إيران وشعب إيران، لها الأولوية على مصالح وطننا وشعبنا، وإذا أردنا توخي الدقّة فأن إيران تحتلنا إقتصاديا وسياسيا وثقافيا.
لكن حتى الذين يفقدون وطنيتهم تحت أي ظرف كان، لا بدّ أن يستفيقوا يوما على المآل الذي وصل اليه شعبهم والهوان الذي يعيشه، لا بدّ أن يستفيقوا إن كانت الأخطار التي تحيق بشعبهم لها تأثيرات مدمرة على مستقبله. وإنتشار ظاهرة المخدرات اليوم هي من أكبر الأخطار التي تواجه بلدنا وتهدد شعبنا ومستقبله، فهل ستستفيق هذه النخب، أم ستبقى تحني رؤوسها أمام نظام ولي الفقيه والتي تأتينا المخدرات من عنده؟ وهل سيظلون ذلك الجنين السفاح في رحم إيران؟
المخدّرات آفة أشّد فتكا على المدى البعيد من الإرهاب، لذا نرى الدول التي تحترم شعوبها تعمل بكل إمكانياتها وطاقاتها من أجل حماية مجتمعاتها من هذ الآفة المدمرّة. ولا تكتفي هذه الدول بالقوانين الصارمة لمكافحة التهريب والتوزيع فقط، بل تتجاوزها الى تخصيص ميزانيات ضخمة من أجل علاج المدمنين وتوعية المجتمع بآثارها على سلامته.
وكمدخل لمحاربة المخدرات وعدم تدمير تلك المجتمعات، تكثّف تلك الدول الرقابة على حدودها البرية والبحرية ومطاراتها، كما وتراقب وبشدّة الدول التي تأتي منها هذه المخدرات وتتعاون معها إستخباريا وأمنيا للكشف عن العصابات التي تتاجر بها.
المخدرات والإتّجار بها وإنتشارها وتعاطيها حتى من طلبة المدراس الإبتدائية، أصبحت اليوم ظاهرة واسعة الإنتشار وتهدد بتفكك النسيج الإجتماعي للمجتمع العراقي الذي كان ولعقود قليلة خلت محصنا بالكامل من هذه الظاهرة.
فالعراق لم يكن سوقا ولا ممرا لهذه التجارة كما لم يكن التعاطي معروفا به بالمرّة تقريبا. عكس إيران التي نشترك معها بحدود على طول ما يقارب الـ 1500 كيلومتر، والتي فيها الملايين من متعاطي المخدرات على مختلف أنواعها ومنها الترياق "ترياك" وهو المفضّل عند علية القوم ووعلى رأسهم رجال الدين فيها. وإيران التي تعاني من هذه الآفة، هي الأخرى لها حدود طويلة مع أفغانستان التي تنتج كميات كبيرة من المخدرات، التي يتم تهريب جزء كبير منها الى إيران عن طريق مناطق قبائل "الهزارة" الشيعية المرتبطين كما شيعة العراق كثيرا بإيران.
لقد وصلت خيانة النخب الشيعية للعراق في أنها تبرّئ بلدا كإيران الذي يعتبر سوقا وممرا لتوزيع المخدرات في المنطقة ومنها للعالم، والذي تعتقل السلطات العراقية بين الحين والآخر عصابات من رعاياها تتاجر بالمخدرات وتصنع في بعض المدن كالبصرة حبوب مخدرة لتوزعها بين الشبيبة، لتتهم دولة بعيدة عنّا بآلاف الكيلومترات كالأرجنتين بتوريدها الى العراق! أنّ هذا الإتهام المضحك يدل على أنّ الأحزاب الشيعية لم تكتفِ بخيانة الوطن، بل تقوم اليوم بخيانة شعبنا وتدمير شبابه بنفي التهم عن المورد الأصلي للمواد المخدرة للعراق.
من المعيب أن يحكم العراق أميّون بالجغرافيا كما عادل عبدالمهدي علاوة على خيانتهم له، بمحاولتهم تبرئة إيران وحرسها الثوري والميليشيات والعصابات الشيعية العراقية من نشر المخدرات بين شبابنا. فالأرجنتين بعيدة جدا عن المثلث الذهبي لإنتاج وتوزيع المخدرات، والواقع بين بورما وتايلنديا ولاوس، وبعيدة كذلك عن أفغانستان التي تصدر هي الأخرى المخدرات الى إيران ومنها الى بقية الدول.
فهل من المعقول والمنطقي أن تصدر هذه البلدان المخدرات الى العراق عن طريق الأرجنتين، وأي الطرق أقصر للسوق العراقية الناشئة والواعدة بفضل الأحزاب الإسلامية، إيران أم الأرجنتين!؟ وحتّى لو كانت الأرجنتين بالفعل هي مصدر المخدرات في السوق العراقية، فهذا لا يعفي إيران من إدخالها الى سوريا فالعراق عبر عرسال، عن طريق حزب الله اللبناني.
في قصّة "المدرسة" للكاتب الروسي أركادي غايدار، سأل مدرس الجغرافيا مالينوفسكي تلميذه توبيكوف الذي هرب من أهله للقتال على الجبهة الألمانية في الحرب العالمية الاولى، بعد أن تم إرجاعه بعد أيّام وهو متجه الى الشرق الروسي بدل عن التوجه غربا قائلا له: أمّا أنت فأتجهت نحو الجهة المعاكسة تماما، نحو الشرق. فكيف وقعت في الإتجاه المضاد؟ إنّك تتعلم عندي لكي تستطيع تطبيق المعلومات التي حصلت عليها، لا أن تحصرها في رأسك، وكأنها في صندوق قمامة.
لا أدري ماذا كان سيقول مدرس الجغرافيا هذا لعبدالمهدي وهو ينتخب طريق بعيدة جدا لتهريب المخدّرات الى العراق بدلا من أقصره، أو للجعفري وهو يقول أن روافد نهري دجلة والفرات ينبعان من إيران! أو لقيس الخزعلي الذي يقول أنّ نهر الفرات واقع في مصر ويتصّف من يشرب ماءه بقلّة الغيرة، وهل للإسلاميين غيرة على وطنهم وشعبهم كما غيرتهم على إيران ومصالحها؟!
يا إلهي كم صندوق قمامة لدينا بالعراق؟