منذ العام الماضي كثفت الولايات المتحدة الضغوط الاقتصادية على إيران، والآن تخطط لمضاعفة هذه الضغط بعقوبات أشد، يتوقع دخولها حيز التنفيذ في وقت لاحق من ربيع هذا العام، لكن هل سيكون هذا كافيا لخنق الاقتصاد الإيراني كما تريد واشنطن؟
تنقل مجلة "فورين بوليسي" الأميركية عن خبراء ومحللين اقتصاديين، قولهم إن "اقتصاد المقاومة"، كما تسميه طهران، لا يزال قائما في ظل شراء دول مثل الهند والصين وتركيا للنفط الإيراني، رغم العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب والآلية الأوروبية للتجارة مع إيران بغير الدولار.
وكان ترامب انسحب، العام الماضي، من الاتفاق النووي المبرم في عام 2015 مع إيران، وأعاد فرض العقوبات عليها.
ورغم تضرره وتعرضه لخطر الانهيار الكامل الآن مقارنة بما كان عليه في الفترة الأخيرة من العقوبات الأميركية القديمة التي استمرت من عام 2012 إلى 2015، لا ينظر للاقتصاد الإيراني على أنه "مختل" كما هو الحال في فنزويلا.
يقول محلل الشؤون الإيرانية في مجموعة "أوراسيا" هنري روم: "الاقتصاد الإيراني أكثر مرونة من بعض الصقور في البيت الأبيض، ويبدو أن واشنطن ترى ذلك أيضا، لكن الأمور سيئة وستزداد سوءا".
وأضاف روم لـ"فورين بوليسي": "العقوبات الأميركية تسبب ألما حقيقيا للاقتصاد الإيراني، لم يتوقع الكثيرون ذلك. لكننا اليوم لا نقترب من الانهيار الاقتصادي الكامل".
ويتوقف "الانهيار الكامل" للاقتصاد على الدول التي لا تزال تستورد النفط من إيران رغم العقوبات الأميركية، بالإضافة إلى القناة الجديدة التي كشفت عنها دول أوروبية للتجارة مع إيران.
وفي شهر يناير الماضي، أسست فرنسا وألمانيا وبريطانيا آلية أوروبية للتجارة مع طهران بغير الدولار، لتفادي العقوبات الأميركية، لكن دبلوماسيين أقروا أنه من المستبعد أن يتمخض ذلك عن معاملات تجارية كبيرة، تساوم طهران عليها لإبقاء الاتفاق النووي قائما.
وكان قرار للأمم المتحدة صدر عام 2015 لدعم الاتفاق النووي قد "دعا" إيران للتوقف عن العمل في مجال الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، لمدة 8 سنوات.
وتجادل بعض الدول بأن لغة القرار لا تجعله ملزما، خاصة في ظل تجارب الصواريخ البالستية التي تجريها إيران بشكل دوري، ويندد بها الاتحاد الأوروبي.
وتتجدد ضغوط الولايات المتحدة على إيران في مؤتمر وارسو التي تستضيفه بولندا على مدار يومين، بمشاركة أكثر من 60 دولة، بهدف استغلال الإحباط الأوربي المتزايد من أفعال إيران السيئة، بما في ذلك محاولات نظام الملالي لشن هجمات إرهابية في دول أوروبية، وتخطيطه لاغتيال معارضين له مقيمين هناك.
وبعد بضعة أشهر فقط من فرض الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية التي استهدفت صادرات النفط، ودخلت حيز التنفيذ في نوفمبر الماضي، أصبح الاقتصاد الإيراني في حالة بائسة.
انخفضت قيمة العملة، وارتفعت معدلات التضخم والبطالة، كما تقلص الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، ويبدو أنه سيتقلص بنسبة أكبر هذا العام. وانخفضت أيضا صادرات النفط الإيرانية، وانعكس ذلك على عائدات الحكومة.
وأدت العقوبات الأميركية على المعاملات المالية إلى شل النشاط الاقتصادي في عدد من القطاعات الأخرى، بما في ذلك السيارات والغذاء والدواء.
وقال الرئيس التنفيذي لـ"إيران الجديدة"، وهي منظمة أبحاث ودفاع في واشنطن، علي رضا نادر: "الاقتصاد أسوأ من الحالة التي يتحدثون عنها".
وحسب "فورين بوليسي"، فإن "صناعة السيارات التي كانت يوما فخرا لإيران على وشك الانهيار"، مشيرة إلى أن "البنك المركزي الإيراني توصل لتثبيت سعر الصرف، لكن ذلك جاء على حساب استنزاف الاحتياطيات الأجنبية. وفي الوقت نفسه، فإن نقص بعض السلع الاستهلاكية والأدوية الأساسية يغذي الإحباط الشعبي".
ويعلق نادر على ذلك، قائلا: "فكرة اقتصاد المقاومة خاطئة تماما".