خيرالله خيرالله
سيمرّ بعد أيام شهران على توقيع اتفاق ستوكهولم بين "الشرعية" في اليمن من جهة والحوثيين من جهة أخرى. لم يتحقق ايّ تقدم حقيقي حتّى اللحظة باستثناء ان الحوثيين، أي "انصار الله"، حصلوا من الاتفاق على كما يريدونه. هذا هو فهمهم للاتفاق الذي جعل منهم "الشرعية الأخرى" في اليمن بعد استبعاد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة مارتن غريفيث أي اطراف أخرى عن المفاوضات. اختزل الازمة اليمنية بـ"الشرعيتين" الممثلتين بالرئيس الانتقالي عبد ربّه منصور هادي وعبدالملك الحوثي.
بعثت المفاوضات، التي جرت أخيرا بين ممثلي الشرعيتين على سفينة مرابطة قبالة ميناء الحديدة، باشارات عدة. من بين هذه الإشارات انّ "انصار الله" باقون في الحديدة ويرفضون اخلاء المدينة والميناء والمناطق المحيطة بهما. كلّ ما يهمّ الحوثيين هو تثبيت امر واقع في اليمن. من جملة ما يريدون تثبيته وقف اطلاق النار في الحديدة. ليس سرّا ان تصرفات الحوثيين لم تعجب الضابط الهولندي باتريك ماكيرت الذي تخلى عن موقع قائد قوة المراقبين التي يفترض ان تشرف على انسحاب "انصار الله" من الحديدة. هؤلاء يريدون البقاء في المدينة وفي الميناء من اجل تكريس وجود لإيران على البحر الأحمر. هذا كلّ ما في الامر. هناك استخدام إيراني للأمم المتحدة من اجل خلق امر واقع جديد في اليمن يكون فيه كيان حوثي عاصمته صنعاء ويمتلك موقع قدم، في غاية الاهمّية، على البحر الأحمر هو ميناء الحديدة.
في خضم ما يشهده اليمن حاليا، هناك تجاهل كامل للوجود الحوثي في صنعاء المحتلة منذ الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014. يجرى الهاء المجتمع الدولي بالحديدة ومستقبل الحديدة في حين لا كلام عن الموضوع الأساسي الذي يتمثل في وجود "انصار الله" في العاصمة. ماذا يفعل الحوثيون في صنعاء التي وضعوا يدهم عليها بسبب أخطاء كثيرة ارتكبتها "الشرعية" التي حصرت مهمّتها في مرحلة معيّنة في التضييق على علي عبدالله صالح الذي دفع في نهاية المطاف ثمن الحروب الست التي خاضها مع الحوثيين بين 2004 و2010 والتي رفض حسمها في احدى المرّات عندما سمحت له الظروف بذلك.
الأكيد انّ من يخطّط للحوثيين ليس عبدالملك الحوثي. هناك من يفكر عنهم في ايران وفي بيروت. ليس سرّا عمق العلاقة القديمة والعميقة، في آن، بين "انصار الله" و"حزب الله". تقوم الاستراتيجية الحوثية على مقولة "خذ وطالب". هذا ما يفعله "حزب الله" في لبنان. وهذا ما تفعله ايران في العراق. وهذا هو الامر الذي لم يتنبه اليه أولئك الذين استخفوا منذ البداية بمدى التعاون والتنسيق بين النظام السوري من جهة وايران وادواتها من جهة أخرى. ليس القرار الاتهامي الذي أصدرته المحكمة الدولية في لاهاي التي تنظر في قضية اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005 سوى دليل على ذلك.
أكان في اليمن او العراق او لبنان، تسعى ايران الى تحقيق اختراقات في كلّ الاتجاهات. عندما وضع الحوثيون يدهم على صنعاء تحركوا في اتجاه تعز والجنوب اليمني. ما زالوا موجودين في تعز، حيث هناك جيب زيدي. لكن ما لا يمكن المرور عليه مرور الكرام ان لديهم أيضا مؤيدين في صفوف اهل تعز وهم شوافع وان المدينة لا تزال الى الآن تعاني من الحلف غير المعلن القائم بين الحوثيين والاخوان المسلمين، اقلّه مع قسم من هؤلاء يرون ان لديهم مصلحة في اقتسام اليمن بين الجانبين.
لولا التحالف العربي الذي خاض وما زال يخوض حربا من اجل اخراج ايران من اليمن، لكان "انصار الله" ما زالوا في عدن التي سيطروا عليها لفترة قصيرة وفي ميناء المخا الذي يمكن التحكّم منه بمضيق باب المندب. اقام "انصار الله" تحالفات مع مجموعات في جنوب اليمن. هناك اليوم جنوبيون في الحكومة التي شكلها الحوثيون في صنعاء. ما يحصل حاليا هو فصل آخر من المعركة مع ايران في اليمن حيث يستغلّ الحوثيون أي ثغرة تبرز امامهم من اجل الوصول الى مرحلة يصبح فيها الكيان الخاص بهم واقعا لا يمكن تجاوزه.
يصعب فصل الوضع اليمني عن المشروع التوسعي الايراني الذي يقوم أساسا على سياسة النفس الطويل وتفتيت المجتمعات والمؤسسات في الدول العربية. شئنا ام ابينا، خرج الحوثيون المنتصر الاوّل والأخير، ربّما، من الثورة الشعبية التي قامت ضد نظام علي عبدالله صالح في العام 2011. لم يدرك الاخوان المسلمون الذين ركبوا موجة الاحتجاجات الشعبية وقتذاك والذين حاولوا عبر اذرعتهم اغتيال الرئيس السابق في الثالث من حزيران – يونيو من تلك السنة ان كلّ ما يفعلونه يصبّ في مصلحة ايران.
مضت الى الآن اربع سنوات ونصف سنة على سيطرة الحوثيين على صنعاء. ما شهدناه طوال هذه المدّة هو تراجع للمشروع الايراني في اليمن بفضل "عاصفة الحزم" من جهة مع تثبيت له في جزء من اليمن من جهة أخرى. انّ أي صيغة جديدة لليمن لا يمكن الّا ان تأخذ في الاعتبار وجود كيان حوثي بات يحظى بغطاء دولي، خصوصا بعد الضغوط التي مورست من جهات دولية عدّة على التحالف العربي منذ شهر ايّار – مايو الماضي من اجل تفادي أي حسم عسكري في الحديدة.
عاجلا ام آجلا، سيتبين هل هناك جدّية أميركية حقيقية في مواجهة ايران. المؤسف ان تجربة اليمن لا توحي بذلك. هناك سياسة قضم إيرانية تمارس حيث توجد أدوات لطهران. ليس صدفة ان لا حكومة عراقية مكتملة على الرغم من وجود رئيس للوزراء ومن ان الانتخابات النيابية أجريت في الثاني عشر من ايّار – مايو 2018، أي منذ ما يزيد على ثمانية اشهر. في سوريا، حصل تغيير ذو طبيعة مرتبطة بالتركيبة السكانية في مناطق عدّة، خصوصا في دمشق ومحيطها وعلى طول الحدود الدولية بين لبنان وسوريا. وفي لبنان، لم تتشكل حكومة الرئيس سعد الحريري الّا بعد تأكد ايران انّها اخترقت السنّة والدروز بعد اختراقها الواسع للمسيحيين الذي عمره عمر الاتفاق الذي وقعه ميشال عون مع حسن نصرالله في السادس من شباط – فبراير 2006.
في انتظار معرفة هل سيحصل التغيير في ايران ومدى تأثير العقوبات الاميركية على سلوكها خارج حدودها، سيلحق مزيد من الاذى باليمنيين والسوريين والعراقيين واللبنانيين. هذه ثورة حقيقية قامت قبل أربعين عاما أطاحت نظام الشاه، لكنّها لم تستطع جعل ايران والإيرانيين في وضع افضل. اقامت هذه الثورة نظاما في حال هروب مستمرّة الى خارج حدوده. ليست صنعاء سوى شهيد من شهداء شعار "تصدير الثورة" الذي لم يكن سوى تصدير للخراب والدمار والتخلّف والفتن المذهبية والطائفية لا اكثر.