على رغم أن جذور أزمة المياه بين إيران وأفغانستان تعود لعشرات السنين، لكن التوتر عاد من جديد بين البلدين بعد مشادات كلامية بين مسؤولي البلدين رافقتها اشتباكات على الأرض، إذ يقترب البلدان حد الحرب بسبب الخلاف على الاستفادة من موارد نهر هلمند.
وينحدر هلمند من جبال أفغانستان ويمر بين عدد من الولايات الأفغانية الحدودية ويشق طريقه داخل الأراضي الإيرانية ويصب في بحيرة هامون جنوب شرقي إيران.
ويقدر طول النهر بـ 1150 كيلومتراً وهو أكبر نهر آسيوي يقع بين نهري الفرات والسند، وكان النهر على مر الأعوام مصدراً للزراعة ومياه الشرب في مناطق مترامية الأطراف في أفغانستان وإيران، وكذلك مصدر خلاف بين البلدين بخاصة مع إطلاق مشاريع تنموية وصناعية تؤثر في منسوب مياه النهر خلف السدود وتنفيذ مشاريع تؤدي إلى حرف مجرى النهر.
وعاش إقليم بلوشستان الإيراني أزمة شح مياه أخيراً بسبب جفاف النهر مما ينذر بموت بحيرة هامون التي يصب فيها النهر، وطالبت تظاهرات شعبية المسؤولين الإيرانيين باتخاذ مواقف ضد "طالبان" لضمان وصول حصة إيران من المياه إلى أراضي البلد.
وذهب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي حد التهديد مخاطباً "طالبان" بقوله "أقول لحكام أفغانستان أن لا يتعاملوا مع مطالبنا بشكل طبيعي، وعليهم التعامل معنا بشكل جاد، وأحذر المسؤولين وحكام أفغانستان وأقول عليهم تلبية مطالب المواطنين في سيستان وبلوشستان على وجه السرعة".
وتلقت أفغانستان تهديدات رئيسي على أنها مهينة ومذلة، وجاء الرد منهم سريعاً وبأسلوب بدا مسيئاً لإيران، فبينما اتسم بيان حكومة "طالبان" بالدبلوماسية والإشارة إلى الاتفاقات بين البلدين، حرص أحد المسؤولين الأفغان على توجيه رسالة مصورة إلى الرئيس الإيراني.
وذهب جنرال من بين كبار القادة العسكرين الأفغان إلى أحد الأنهار، وبينما كان يملأ وعاء بلاستيكياً خاطب الرئيس الإيراني بقوله، "خذ هذه وتوقف عن التهديد، لا تهددنا أكثر من هذا، نحن نخاف منك".
وذكر بيان حكومة "طالبان" أن "الاتفاق حول المياه بين إيران وأفغانستان قائم منذ عام 1972 والإمارة الإسلامية تلتزم بتعهداتها، وقد شهدت أفغانستان والمنطقة خلال الأعوام الماضية جفافاً أثر في منسوب المياه، ومنها نهر هلمند وأن المطالب الإيرانية في شأن المياه والتصريحات غير اللائقة في وسائل الإعلام لا تجني إلا الضرر".
وقالت الحكومة الأفغانية في جزء آخر من بيانها إن "عليكم إكمال معلوماتكم في شأن مياه هلمند ثم طرح مطالبكم بألفاظ لائقة".
ورد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان عبر حسابه على "تويتر"، "طلبت خلال الأشهر الماضية من المشرف على وزارة الخارجية الأفغانية ملا تقي أن يلتزموا بتعهداتهم في اتفاق هلمند، وأن يسمحوا للجان الفنية بقياس منسوب المياه لكنهم لم يفعلوا، إذ تعاني منطقة سيستان من الجفاف ووجود المياه أو شح المياه تكشفه اللجان الفنية وليس البيانات السياسية".
من جانبه قال وزير الداخلية أحمد وحيدي إن "قضية المياه بين إيران وأفغانستان يجب تسويتها عبر الحوار، وعلى ’طالبان‘ السماح بزيارة مسؤولينا لسد كمال خان".
وتتهم إيران أفغانستان ببناء سدود على نهر هلمند وحرف مجرى النهر داخل الأراضي الأفغانية مما أدى إلى زيادة ملوحة الأراضي المجاورة للمجرى الأساس للنهر، وعدم الالتزام بضمان وصول حصة إيران من المياه، وتدعي طهران أن بحوزتها صوراً التقطتها عبر الأقمار الاصطناعية تثبت حرف مجرى النهر.
الحرب الكلامية بين إيران وأفغانستان رافقتها اشتباكات على الأرض بين حرس الحدود الإيراني والأفغاني، وقام البلدان بحشد قواتهما ونشر صور حول نقل معدات عسكرية ثقيلة إلى الحدود لتعزيز موقفهما في الخلاف المائي، وقتل الأحد الماضي اثنان من حرس الحدود الإيراني إثر اشتباكات مع جنود "طالبان".
وتوالت ردود الفعل المشفوعة بالتهديد من الجانبين، فالقيادي البارز في حكومة "طالبان" عبدالحميد خراساني المعروف باسم ناصر بدري نشر مقطع فيديو قال فيه إن "جنود الحركة سيقاتلون هذه المرة بحماسة أكبر من فترة القتال ضد الأميركيين".
والسبت الماضي شهدت الحدود الإيرانية - الأفغانية اشتباكات عنيفة رافقها تبادل لإطلاق النار، وعزت إيران الاشتباكات إلى محاولة عناصر "طالبان" التغلغل داخل الأراضي الإيرانية، فيما أظهرت صور عناصر "طالبان" وهم يطلقون النار بالأسلحة الثقيلة صوب مخافر حدودية في الجانب الإيراني من الحدود.
واندلعت بعد ظهر السبت الماضي، 27 مايو (أيار) الجاري، اشتباكات عنيفة على الحدود الإيرانية - الأفغانية مصحوبة بتبادل كثيف لإطلاق النار بين الجانبين، وقال حرس الحدود في بلوشستان بعد ساعات إن "مسلحين مجهولين" من أفغانستان كانوا يخططون لدخول إيران مما أدى إلى وقوع اشتباكات.
وحرصت إيران على إيفاد كبار مسؤولي القوة البرية والأمن إلى المناطق الحدودية في محاولة تنذر بأحداث غير طبيعية على الحدود، وأكد نائب قائد الشرطة الإيرانية قاسم رضائي أن بلاده لم تتوقع مثل هذه الإجراءات من "طالبان"، وقال "تجب محاسبة الحكام الحاليين لأفغانستان على أفعالهم غير المبررة والمخالفة للمبادئ الدولية".
وفيما أخلى كثير من سكان المناطق الحدودية في الجانب الإيراني منازلهم، تشهد المناطق الحدودية اشتباكات متفرقة بين الجانبين.
ورافق مقتل عدد من حرس الحدود الإيراني انتقادات واسعة ضد حكومة رئيسي، بخاصة أن التيار اليميني المتشدد يتخذ موقفاً حاداً من حكومة "طالبان" ويتهم الحكومة بالقصور في الحصول على حقوق إيران المائية.
وهاجم ممثل المرشد في سيستان وبلوشستان حكومة رئيسي بقوله "تهددون أميركا مراراً لكن ليس بوسعكم استعادة حقوقنا من أفغانستان، والمشكلات لا يحلها الكلام".
وتعج شبكات التواصل الاجتماعي بدعوات إلى مواجهة "طالبان" وما يصفه الإيرانيون باستعادة حقوقهم من أفغانستان، ترافقها انتقادات من المعارضة في الخارج لما يصفونه بالموقف الضعيف من مقتل حرس الحدود الإيرانيين.
الخلاف بين إيران وأفغانستان على استخدام مياه نهر هلمند كان طاغياً بين البلدين لأعوام طويلة إلى أن وقع الجانبان اتفاقاً عام 1972 عرف بـ "معاهدة هلمند"، وعلى أساسها تعهدت أفغانستان بضمان حصول إيران على 820 مليون متر مكعب من مياه هلمند، لكن إيران اتهمت أفغانستان مراراً بالتخلي عن التزاماتها وحرف مجرى النهر من خلال بناء سد "كجكي" وسد "كمال خان" مما أدى إلى انخفاض منسوب المياه في النهر، إذ لم تصل المياه إيران حتى في المواسم التي يشهد فيها النهر فيضانات داخل الأراضي الأفغانية.
وكان الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني أكد خلال افتتاح سد "كمال خان" أن مياه هلمند كانت تخرج من أفغانستان على مر السنين، لكن إدارتها اليوم أصبحت بيد الأفغان وستعمل على تبادل المياه بالنفط مع إيران.
واحتجت إيران خلال ولاية الرئيس السابق حسن روحاني على تصريحات أشرف غني، وأكدت حقها في الحصول على نسبتها من مياه نهر هلمند.
ومع سقوط كابل بيد "طالبان" تسير السلطات الحالية على النهج نفسه وسط مطالب متكررة من إيران بزيارة المنشآت التي عملت عليها أفغانستان على مجرى نهر هلمند، لكن "طالبان" ترفض السماح للوفود الإيرانية بالقيام بزيارات استكشافية داخل أراضيها وتؤكد تمسكها بحقوق المواطنين الأفغان في الاستفادة من خيرات نهر هلمند.