أثار اختبار إيران لصاروخ بالستي جديد طويل المدى، تساؤلات حول دلالة الخطوة التي تأتي في ظل توترات متصاعدة تشهدها المنطقة وخطابات حادة بين مسؤولين في طهران وإسرائيل.
وبث التلفزيون الإيراني الحكومي ما قال إنها لقطات لنسخة مطورة من الصاروخ الباليستي خرمشهر4 بمدى يبلغ ألفي كيلومتر ويمكنه حمل رأس حربي وزنه 1500 كيلوغرام.
وقالت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (إرنا) إن الصاروخ يحمل اسم خيبر، مضيفة أن "الخصائص المتفوقة لصاروخ خيبر المصنع محليا تشمل سرعة الإعداد والإطلاق مما يجعله سلاحا تكتيكيا بالإضافة إلى أنه سلاح استراتيجي".
ويأتي الإعلان، بعد يومين من إثارة رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي احتمال اتخاذ "إجراء" ضد إيران في الوقت الذي تتعثر منذ سبتمبر الماضي جهود القوى العالمية الست لإحياء اتفاق طهران النووي المبرم عام 2015 وسط مخاوف غربية متزايدة بشأن تقدم طهران النووي المتسارع.
واعتبر المحلل الإسرائيلي، إيدي كوهين، في حديث صحفي أن تصريحات هاليفي، كانت "ردا غير مباشر على الاختبار الإيراني قبل أن تقوم به فعلا".
وقال: "نحن نتابع في إسرائيل ما يحدث في إيران بشكل مباشر وغير مباشر وبالتأكيد قائد الجيش عرفها قبل نشرها من الوكالة الإيرانية لذلك كان كلامه ردا غير مباشر على التجارب الإيرانية".
واعتبر كوهين أن التجربة الإيرانية "دليل على وجود مخطط لمشروع نووي، وأن ترديد النظام الإيراني دائما بأنه سلمي، ما هو إلا احتيال وكذب، وإلا فما هي الحاجة إلى صاروخ يبلغ مداه ألفي كيلو متر يكاد يصل إلى إسرائيل".
من جهته يرى المحلل السياسي الإيراني، حسن رويران، أن الكشف عن هذا الصاروخ يحمل رسالة بأن الصناعات العسكرية الإيرانية لا زالت تتقدم وتطرح منتجات جديدة بأمدية مختلفة، ورسالة مهمة لإسرائيل التي تهدد بضرب منشآتنا النووية".
وانتقدت واشنطن بالتجربة الصاروخية الإيرانية، وأكد المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميللر، أنه رغم القيود المفروضة على أنشطة إيران المتعلقة بالصواريخ بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231 تواصل إيران السعي للحصول على مجموعة من تقنيات الصواريخ من الموردين الأجانب وإجراء اختبارات الصواريخ الباليستية في تحد للقرار".
وقال ميللر "نواصل استخدام مجموعة متنوعة من أدوات عدم الانتشار بما في ذلك العقوبات لمواجهة التقدم الإضافي لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، وقدرته على نشر الصواريخ والتكنولوجيا ذات الصلة للآخرين."
واعتبر مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن "كشف إيران عن صاروخ جديد تظهر مرة جديدة أن طهران عنصر مزعزع للاستقرار ليس فقط في الشرق الأوسط وإنما في العالم".
وقال المسؤول إن "الكشف عن الصاروخ الإيراني الجديد يؤكد أهمية الشراكات والتحالفات التي تسعى واشنطن لتعزيزها مع دول المنطقة لاسيما دول الخليج".
وحذّرت وزارة الخارجية الفرنسية، من أن إيران "منخرطة في تصعيد نووي مقلق للغاية"، مشيرة إلى "المخاطر الجسيمة والمتزايدة لانتشار الأسلحة النووية من دون أي مبرر مدني ذي مصداقية".
يدافع رويران عن بلاده بأن "وجود الأسلحة للدفاع شيء، والإرادة في استعمالها شيء آخر"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تمتلك صواريخ يبلغ مداها أكثر من 1200 كيلو مترا.
وتأتي الخطوة الإيرانية، في خضم توترات متصاعدة في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وبعد نحو عشرة أيام على هدنة في قطاع غزة وضعت حدا لنزاع استمر خمسة أيام بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي التي تسلّحها إيران.
يرى كوهين أن الضربة الإسرائيلية لإيران وشيكة "ولا شك بأنها ستحدث سواء كانت بمباركة أميركية أو بدون موافقة الولايات المتحدة، لأن إسرائيل لن تسمح لهذا النظام بامتلاك سلاح نووي وهذا خط أحمر كرره كل رؤساء الحكومة خلال العقد الأخير".
وأضاف أن "إسرائيل لديها خطة ستنفذها، ونعلم انعكاساتها على المنطقة وأنها ستؤدي إلى شن حرب علينا من عدة جبهات".
وتابع: "نحن نتدرب منذ نحو ست سنوات على حرب من عدة جبهات، غزة ولبنان وسوريا وإيران، ولذلك لن تكون مفاجأة لنا، بل نحن من سنفاجئ النظام الإيراني".
واعتبر مسؤول في مجلس الأمن القومي الأميركي أن تطوير إيران لصواريخ من هذا النوع يمثل تهديدا خطيرا للمنطقة والأمن العالمي.
وأكد المسؤول أن الرئيس الأميركي جو بايدن ملتزم بمنع ايران من امتلاك سلاح نووي باعتبار أن ذلك سيشجعها على استخدامه بشكل استباقي، مشيرا إلى أن الإدارة الأميركية تواصل استخدام وسائل مختلفة بما فيها العقوبات للحد من قدرة طهران على تطوير صواريخ باليستية ونقل التكنولوجيا المرتبطة بها الى جهات أخرى.
من جهته أقر رويران بأن "الملف النووي الإيراني لا يحمل خيارات كثيرة"، وأضح أن "الخيار الأول هو المفاوضات، لكن الولايات المتحدة هي من ترفض العودة للمفاوضات، وإيران تقول إنها مستعدة للمفاوضات، نحن نعلم أن البديل هو الحرب".
وأضاف: "نحن دولة مهددة من قبل أكثر من طرف ومن الطبيعي أن نمتلك وسائل للدفاع عن أنفسنا".
وحذر من أنه "لو تجرأت إسرائيل وأطلقت الضربة الأولى، فلن تمتلك الضربة الأخيرة"، مقارنا مساحة إيران بإسرائيل.
وأضاف "إيران مساحتها مليون و647 ألف كيلو متر مربع، إسرائيل إذا ضربت عشرة مواقع مثلا، فهذا لن يؤثر في إيران، لكن الرد الإيراني سيكون مزلزلا وسيؤثر على استمرار ووجود إسرائيل بسبب أنها محدودة المساحة".
يقلل كوهين في الوقت نفسه من مدى أهمية الصواريخ الإيرانية وإن كانت طويلة المدى، في مقابل "أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية التي تعتبر من الأقوى والأحدث والأفضل في العالم".
وقال: "حتى لو أطلق النظام الإيراني صاروخا، هناك احتمال كبير بأنه سيقع في الطريق سواء في تركيا أو سوريا أو أي بلد آخر، والدليل على ذلك، هو ما رأيناه في حادث الطائرة الأوكرانية بعد مقتل سليماني، لذا النظام الإيراني ليس بارعا كما يزعم".
وأضاف: "حتى لو نجح إطلاق الصاروخ، فإسرائيل ليس لديها فقط أنظمة القبة الحديدية، ولكن بطاريات الباتريوت ومقلاع داوود وأنظمة دفاعية متقدمة للغاية".
في المقابل، اعتبر رويران حديث كوهين بأنه من قبيل الدعاية الإسرائيلية "حيث لم تستطع هذه الأنظمة أن تمنع سقوط الصواريخ القادمة من غزة، فما بالك بالأسلحة الإيرانية التي تعتبر دقيقة"، حسب تعبيره.
وقال: "نعم إسرائيل تمتعت بالتفوق العسكري وحسمت الحروب ضد العرب، لكنها ستكون في أزمة أمام غزة وحزب الله وإيران".
وأضاف رويران، أن "الصاروخ الجديد أثبت دقته في التهديف، وأن مسافة الخطأ لا تتجاوز المتر او المترين من خلال التجربة".
ويرى كوهين أن إيران أرادت أن تبعث بالتجربة الصاروخية برسالة إلى دول الخليج وليس إسرائيل.
وقال "النظام الإيراني دائما يتفاخر بالقوة والسلاح، هم يفكرون أنهم يهددون إسرائل وأننا سنخاف، وصحيح أن الرسالة المعلنة من جانب إيران هي إسرائيل من خلال إطلاق اسم "خيبر" على الصاروخ، لكني أعتقد أن هذه تهديدات مبطنة لدول الخليج".
وقال: "إيران تستعرض عضلاتها على الدول العربية وخاصة السعودية بهذه التجربة".
لكن رويران يقول إن "هذا الكلام غير صحيح. إيران والسعودية جادتان لأبعد الحدود في استمرار اتفاق التفاهم بينهما".
وأضاف: "إيران لن تهدد السعودية وهي تسعى الآن لحل المشكلة بين السعودية واليمن حتى لا يتطور الأمر إلى وضع آخر".