د. نبيل الحيدري
إنّ الماكينة الإعلامية للنظام الإيراني وأدواته وقنواته الفضائية وإعلامييه، ما زالت تطبل للنظام كالعادة، وتزعم أنه ما زال قويا عظيما جبارا كالسابق، ولم يتأثر لا بالعقوبات ولا بالوضع الاقتصادي ولا بشيء أبدا.
وهذا يجافي الحقيقة والأدلة وجميع الوقائع على الأرض، فالخبراء بالنظام الإيراني من الداخل يعرفون أنه لم يعد كما كان أبدا بعد مرور أربعين عاما متراكمة من الظلم والجور والطغيان والفساد، وهذا الذي دعا الشعوب الإيرانية بمختلف قومياتها وفرقها إلى الخروج ضد النظام بشعار "الموت للديكتاتور"، وإنزال صور المرشد ودعسها بالأقدام ثم حرقها، حيث الفئة التي تقود المظاهرات هي الشباب (أكثر من سبعين بالمائة من الشعب هم فئة الشباب، وأكثرهم عاطل عن العمل منشغل بالمخدرات لا بارقة أمل في الأفق)، وهم من المعجبين بالغرب والذين يطمحون إلى دولة ليبرالية تفصل فيها السلطات الثلاث، ولا دخل لرجال الدين فيها.
وهذه هي أفكار المصلح الاجتماعي علي شريعتي (حركة حرية إيران) التي اجتاحت الشوارع الإيرانية وأرعبت الشاه كما أرعبت رجال الدين، ونقده للتشيع الذي أسماه "التشيع الصفوي"، وقد تزامنت كل تلك المظاهرات مع العقوبات الأمريكية المتتالية من الخزانة الأمريكية لنشهد الانهيار الاقتصادي وشل البنوك والأسواق ونزول الريال الإيراني إلى أدنى مستوى منذ أربعين عاما.
ثم جاء الانتباه الأوروبي تجاه نظام طهران ليحذو حذو الولايات المتحدة في العقوبات على النظام الإيراني، حين تيقن الأوروبيون استخدام طهران مليشيات الحرس الثوري الإيراني في تنفيذ عمليات اغتيال داخل أوروبا، حتى إن بعض السفراء الإيرانيين من خلفية الحرس الثوري وفيلق القدس استغلوا الحصانة الدبلوماسية في قتل معارضين على الأراضي الأوروبية، وكذلك تزويد النظام الإيراني الحوثيين بالصواريخ الباليستية رغم ادعاء النظام التزامه بعدم تطوير الصواريخ ولا استخدامها.
فقد اعتقلت السلطات الألمانية دبلوماسيا إرهابيا من الحرس الثوري ويدعى أسد الله أسدي، وذلك بتهمة محاولة هجوم إرهابي على المؤتمر السنوي العام للمعارضة الإيرانية في باريس.
كما أعلنت النمسا أنها طلبت من طهران رفع الحصانة عن دبلوماسي في سفارة إيران بفيينا يشتبه بتورطه في خطة اعتداء أحبطت ضد تجمع لحركة إيرانية معارضة، السبت الماضي، في باريس.
وهنالك تقارير دولية تتهم النظام الإيراني بقتل أكثر من سبعين معارضا إيرانيا في أوروبا منذ أربعين عاما حتى يومنا هذا.
وهنالك مطالبات بغلق سفارات وممثليات النظام الإيراني باعتبارها مراكز الإرهاب والتجسس، حيث إن النظام الإيراني يستخدم "دبلوماسيين في أعمال إرهابية باتت مشهودة ومعروفة".
تلك السياسات نتج عنها خلو نحو 6 دول من التمثيل الدبلوماسي الإيراني بدرجة سفير من بينها سويسرا، في الوقت الذي لا توجد سفارة إيرانية من الأساس في نحو 9 دول أخرى، حيث تقتصر في تعاملاتها على أدنى درجة دبلوماسية هي القائمة بالأعمال؛ لكونها ترفض الدخول مع النظام الإيراني في تبادل دبلوماسي على مستوى أرفع في ظل استمرار سياساته الإرهابية العدائية.
كذلك فإن كندا هي الأخرى لا تزال ترفض تطبيع علاقتها تماما مع إيران، على إثر واقعة مقتل زهراء كاظمي الصحفية الكندية من أصل إيراني، داخل زنزانتها في معتقل "طائفيين" سيئ الصيت شمال طهران، بعد اعتقالها، إلى جانب منع سفر واحتجاز "هوما هودفر" الأستاذة بالجامعية الإيرانية الحاصلة على الجنسية الكندية.
إذن هناك رفض عالمي للنظام الإيراني كأكبر نظام إرهابي في العالم، بعد انكشاف جرائمه في الداخل والخارج لاسيما العراق واليمن وسوريا ولبنان وغيرها، واعتماده في الداخل على قوتين؛ الأولى شرعية المرشد، والثانية القوة العقائدية للحرس الثوري وكلتاهما اليوم ضعيفة، حيث أظهرت أشرطة التسجيلات عن جلسة تعيين خامنئي خليفة لولي الفقيه أنه ليس فقيها وسيتم انتخاب للشعب.
وأما الحرس الثوري فهو على أقسام متعددة؛ أهمها الحرس القديم الذي لا يؤمن بخامنئي، كما أن حادثة ضرب منصة الأحواز أثبتت ضعف الحرس رغم عدته وعتاده واستعداده الكبير وأعداده الهائلة في ذكرى الحرب العدوانية على العراق، وعدم قدرته على الدفاع عن النظام أمام أفراد قلة ضربوا المنصة.
تستعد هذه الأيام الشعوب الإيرانية إلى مظاهرات عارمة تجتاح المدن الإيرانية من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، والمتوقع مشاركة مختلف القوميات والأقليات المضطهدة من النظام وحركة البازار في اعتصامات وإضرابات لشلّ النظام، مما يجعله أشبه بعام 1979 عند سقوط الشاه بهلوي.
وقد اعترف المرشد خامنئي بهذه الحقائق عند لقائه بالسلطات الثلاث، مدعيا انهيار الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، واعترف ببعدهم عن الشعب حيث يسكنون في بروجهم العالية والشعب يتلوَّى جوعا وفقرا وبطالة ومخدرات وتسولا، وإمكانية سقوط النظام في أي وقت محمّلاً السلطات الثلاث مسؤولية ذلك.
بينما الحقيقة هي مسؤولية المرشد نفسه وبيده كل شيء وإمبراطوريته وسطوته وجبروته التهمت البلاد والعباد، وقتلت الشرفاء وأبعدت النجباء حتى رفاق دربه مثل هاشمي رفسنجاني، كما أمر المرشد باعتقال ابن رفسنجاني وابنته اللذين يتهمان المرشد بقتل أبيهما، كما يتهمان الكثير من قادة التيار الإصلاحي.
هذا نزر يسير حيث يعتقد المتخصصون من الداخل أنه قد بدأ العد التنازلي لسقوط النظام الإيراني، كما سيأتي أيضا في حلقات لاحقة.