سعد بن طفلة العجمي
ثلاثة تطورات على الساحة الإيرانية التي تشتعل بها الاحتجاجات منذ سبتمبر (أيلول) الماضي تعكس أزمة النظام. ومحاولته فك الحصار الدولي، وتخفيف العزلة السياسية والدبلوماسية كعوامل من شأنها تخفيف الاحتقان الداخلي الذي أدى لاندلاع التظاهرات.
أولى هذه التطورات العودة للغة الدبلوماسية الناعمة التي تصدر عن الخارجية الإيرانية تجاه دول الجوار وعلى رأسها السعودية، فقد توالت تصريحات المسؤولين الدبلوماسيين الإيرانيين في مقدمهم وزير الخارجية حسين عبداللهيان بأهمية العلاقة مع دول الجوار وحرص طهران على إعادة العلاقة بين البلدين. الأمر الذي تدرك السعودية ودول الجوار أنه محاولة لفك الحصار الدبلوماسي عن طهران وإرسال رسالة للداخل والخارج بأن دبلوماسيتها سلمية وتعاونية مع جوارها، ولا تريد طهران التطرق للتدخلات الإيرانية في المنطقة العربية و دول الخليج، وهو ما ترى الرياض أنه نظرة قاصرة عن التعاون الحقيقي والعلاقات المتوازنة بين إيران وجيرانها العرب.
ثاني هذه التطورات هو الرسالة التي أطلقها قائدا الثورة الخضراء الرئيس السابق محمد خاتمي ومرشح الرئاسة عام 2009 السيد حسين موسوي. ويجمع مراقبون على أن تلك الانتخابات زورت لصالح مرشح الحرس الثوري حينها محمود أحمدي نجاد، وهو ما أدى إلى اندلاع احتجاجات عارمة قمعتها السلطات بوحشية دموية كما في تعاملها مع التظاهرات الجارية. الرسالة تطالب بتغييرات جذرية في النظام نفسه، وهو الأمر الذي يرى متابعو المشهد الإيراني أنه قد يكون علاجاً مهدئاً يضعف الاحتجاجات، ولكنه سيكون موقتاً لأن أزمة النظام أعمق من الأدوية المهدئة وبحاجة إلى استئصال وليس إلى علاج.
أما التطور الثالث والأخير، فيتمثل في إطلاق المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي لمبادرة "عفو" شملت عشرات الآلاف من المعتقلين المحتجين الذين تم اعتقالهم منذ سبتمبر الماضي، كما أعقبها إطلاق سراح بعض الرهائن الغربيين، وهي مبادرة رحب بها بعضهم وقرأها المراقبون على وجهين.
الأول يرى أنها بادرة تعد تنازلاً من النظام سيتبعه تنازلات أخرى، ومؤشر على ضعف النظام وتراجعه عن سياسات التعنت في وجه المطالب الشعبية. والأخير يراها رسالة الإنذار الأخير قبل أن يقوم النظام بسحق وحشي غير مسبوق للاحتجاجات، أي أنه سيسوق لإطلاق سراح المعتقلين على أنه العذر الأخير للمحتجين الموالين لأعداء إيران في الخارج الذين لن يقبلوا بأية مبادرات تهدئة وتصالح داخلي، وعليه فإننا سنقوم بسحق هؤلاء الخونة العملاء. وهذا الوجه هو الذي حذر منه أنتوني فانس الكاتب في "أتلانتيك كاونسل"، من أن النظام سيتخذ طائفة البهائيين الذين يصنفهم بالزنادقة العملاء ذريعة لارتكاب شنائع جماعية ضدهم وضد المتظاهرين "التابعين للخارج".
لا يختلف اثنان على أن النظام في إيران يعيش أزمة خانقة على المستويات كافة، المتفائلون من مناهضي النظام يرون أنها الأزمة الأخيرة في عمر النظام، بينما يذهب آخرون إلى أنها عاصفة مدمرة سيتجاوزها النظام حتى حين. لكن طوقين للنجاة يمكن أن يسهما في الإنقاذ الموقت للنظام.
الطوق الأول يتمثل في حرب محدودة مع أي من جيرانها، وقد تكون أذربيجان أو طالبان أكثر طرفين مرشحين لذلك، حيث يمكن لحرب كهذه أن تمد في عمر النظام باستنهاض المشاعر القومية للدفاع عن أرض الوطن، وهو استنهاض شبيه بذاك الذي خلقه صدام حسين في سبتمبر عام 1980 عندما شن حرباً شاملة على إيران فأنقذ النظام وعزز بقاءه بالالتفاف حوله من قبل الشعوب الإيرانية للتصدي للغزو العربي المقبل من الغرب.
أما الطوق الأخير فهو توصل إدارة بايدن إلى اتفاق لإحياء المعاهدة النووية التي وقعها رئيسه باراك أوباما مع إيران عام 2015، ثم مزقها سلفه دونالد ترمب عام 2018، فالرئيس بايدن يرى أن ذلك الاتفاق من صنيعة إدارة رئيسه السابق أوباما، ويريد إحياءه كانتصار دبلوماسي له، وهو الأمر الذي سيخفف عن النظام الإيراني ربقة العقوبات الاقتصادية التي تتراخى إدارة بايدن في تطبيقها بالأساس، وسيجد النظام الإيراني في العودة للاتفاق فرصة لتحسين الأوضاع المعيشية وورقة دعاية بانتصاره المعنوي بإخضاع "الشيطان الأكبر" لإرادته وإعادته للاتفاق وفق شروطه.
ما يهمنا في الخليج، هو أن تكف إيران يدها عن التدخل في شؤوننا العربية عامة، والخليجية بخاصة، وهو ما لن يتحقق باستمرار نظام يناور براغماتياً، لكنه مصمم أيديولوجياً على "تصدير الثورة"، التي يثور الشعب ضدها اليوم.