على الرغم من رفض حكومة إقليم كوردستان قرار المحكمة الاتحادية العراقية الذي اعتبر عقود النفط التي وقعتها خلال السنوات الماضية غير دستورية، وشددت في أكثر من موقف على دستورية هذا الأمر، فإنها تراجعت عن مواقفها واستجابت لطلب الحكومة العراقية الاتحادية بعقد مفاوضات ولقاءات تنفيذاً لأمر المحكمة.
وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، في 15 فبراير (شباط) 2022، حكماً يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كوردستان، الصادر عام 2007، وإلغائه لمخالفته أحكام مواد دستورية، فضلاً عن إلزام الإقليم بتسليم الإنتاج النفطي إلى الحكومة الاتحادية.
وذكرت المحكمة في بيان لها أن القرار شمل إلزام حكومة الإقليم بتسليم "كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في الإقليم والمناطق الأخرى، التي كانت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كوردستان تستخرج النفط منها، وتسليمها إلى الحكومة الاتحادية والمتمثلة بوزارة النفط العراقية، وتمكينها من استخدام صلاحياتها الدستورية بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره".
وعقد وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار اجتماعاً مطولاً في بغداد مع وفد من حكومة إقليم كوردستان، هو الأول من نوعه منذ صدور قرار المحكمة الاتحادية، لوضع آليات لتنفيذ القرار بحسب ما ذكر بيان للوزارة.
وقال عبد الجبار في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس وفد حكومة الإقليم خالد شواني إن الوزارة ملتزمة بالمبادئ الأساسية التي تم اقتراحها سابقاً من قبل وزارة النفط بخصوص إدارة الملف النفطي لإقليم كوردستان.
وأوضح عبد الجبار أن "هذه المبادئ تضمنت إرسال كل العقود والاتفاقات التي أبرمتها حكومة إقليم كوردستان مع الدول والشركات النفطية إلى وزارة النفط وشركة النفط الوطنية، لغرض مراجعتها وتعديلها وتحسينها، فضلاً عن تحويل جهة تعاقدها من وزارة الثروات الطبيعية إلى شركة نفطية تؤسس لهذا الغرض بموجب قرار من مجلس الوزراء يكون مقرها في أربيل، وتملك للسلطة الاتحادية"، مشيراً إلى أن "هذه الشركة ستخول بإدارة مجمل النشاط النفطي بموجب صلاحيات ومعايير وأصول يتم إعدادها وتقديرها من قبل شركة النفط الوطنية ووزارة النفط الاتحادية".
وقال وزير النفط العراقي إن "هذه المبادئ تتضمن أيضاً فتح حساب ضمان مصرفي في أحد المصارف العالمية لغرض إيداع كل إيرادات بيع وتصدير النفط الخام، يملك لوزارة المالية ويستخدم لتأمين مدفوعات لصالح الإقليم، في حال تأخير إرسالها من وزارة المالية الاتحادية"، لافتاً إلى أن "وفد الإقليم سيعود للتشاور مع حكومته، من أجل انطلاق جولة أخرى من الحوارات والنقاشات".
من جانبه، قال رئيس وفد حكومة الإقليم خالد شواني إن الاجتماع اتسم بالصراحة، إذ تم الاتفاق على وضع آليات يمكن أن تشكل خطة عمل مستقبلية لمعالجة إشكالية النفط بكل مفاصلها بشكل جذري، مؤكداً أن "قانون النفط والغاز هو الحل الأمثل لإزالة كل المشاكل". وأضاف شواني أن "هذا الاجتماع يمثل بداية جيدة للتعاون بين وزارة النفط وحكومة الإقليم".
من جانبه، قال الباحث بالشؤون النفطية حمزة الجواهري إنه "من الممكن مراجعة العقود النفطية في الإقليم وتحويلها إلى عقود خدمية". وأضاف الجواهري أن "العقود والاتفاقات هي مسألة اتحادية ولا يستطيع أحد التدخل فيها. وسيكون هناك تعاون مع الإقليم ضمن إطار معين"، لافتاً إلى "إمكانية أن تتفاوض حكومة الإقليم على عقد الاستكشاف بتفويض من الحكومة الاتحادية".
وتابع الجواهري أن "عائدات النفط يمكن أن تذهب إلى رقم حساب في بنك عالمي تكون وزارة المالية الاتحادية هي الطرف المخول الوحيد بالسحب من الصندوق"، مبيناً أنه "بإمكان الإقليم التدخل في إدارة قضية النفط وفق قرار المحكمة الاتحادية لكن بتفويض من الحكومة ممثلة بوزارة النفط".
وعن الشركة المزمع تأسيسها في كوردستان لإدارة النفط، بيَّن الجواهري أن "شركة نفط كوردستان ستعود ملكيتها إلى الحكومة الاتحادية وستكون واحدة من شركات النفط الوطنية التي ما زالت قيد التأسيس"، مؤكداً أن "هذه الشركة المزمع تأسيسها ستكون ملزمة بالعمل وفق السياسات التي تضعها شركة النفط الوطنية".
وحول إمكانية تحويل عقود إقليم كوردستان من عقود مشاركة إلى عقود خدمة على غرار ما وقعته الحكومة العراقية مع شركات النفط، ذكر الجواهري أن "لدى العراق سابقة في هذا الأمر تتمثل بعقد المشاركة مع الصينيين الخاص بحقل الأحدب النفطي بمحافظة واسط الذي تم توقيعه في زمن نظام صدام حسين"، لافتاً إلى أن "العراق أعاد النظر بعقد حقل الأحدب وحوله إلى خدمي من خلال حذف فقرات وإضافة فقرات أخرى لتبقى هيكلية العقد بصيغته الرئيسة".
وتمكنت جولات التراخيص التي وقعها العراق في عام 2009 من رفع إنتاج النفط العراقي الذي بلغ أدنى مراحله في عام 2007 بمليون ونصف المليون برميل يومياً ليصل إلى أكثر من أربعة ملايين برميل يومياً، بعد قيام هذه الشركات بعملية تطوير شاملة لحقول النفط العراقية في جنوب البلاد في مختلف نواحي هذا القطاع إنتاجاً وتصديراً واستخراجاً، لكنها ووجهت بانتقادات لاذعة منذ سنوات من قبل بعض الساسة الذين يأخذون عليها ارتفاع كلفها وتأثير هذا الأمر في إيرادات العراق السنوية من النفط.
وتابع الجواهري أن الكورد يعطون تنازلات في بيع النفط بخصومات تصل إلى 20 دولاراً للشركات العالمية، لتشجيعها على شراء النفط، فضلاً عن حصول الشركات المستثمرة للحقول على 40 في المئة من تلك العقود بحكم الخصومات التي تمنح، وكذلك طبيعة العقد بعكس الحكومة الاتحادية التي تحصل على 100 في المئة.
وأشار الجواهري إلى أن "وزارة النفط أكدت أنها ستأخذ هذه العقود إلى خبراء دوليين ومحليين لدراستها وتعديلها وفق ما يتفق مع الدستور وقرار المحكمة الاتحادية"، موكداً أن "حكم المحكمة الاتحادية بات وقاطع ويعتمد على الدستور ولا يوجد خيار أمام الإقليم سوى الرضوخ للأمر الواقع والتفاوض مع الوزارة للحصول على مشاركة أوسع في إدارة هذا الملف".
بدوره، قال الباحث بالشؤون النفطية كوفند شيرواني إن "أهم الصعوبات التي قد تواجه الاتفاق بين الحكومة الاتحادية والإقليم هي الوصول إلى اتفاق مع الشركات النفطية في الإقليم وانتهاء عمر الحكومة الحالية". وأضاف أن "من الأمور التي ستكون صعبة التنفيذ في أي اتفاق بين الطرفين هي العقود المبرمة بين الإقليم والشركات النفطية، لكون أغلب هذه العقود لا يمكن إلغاؤها أو تعديلها"، مبيناً أن "هناك تبعات قانونية، وأي اتفاق يجري بين الحكومة الاتحادية والإقليم يجب ألا يؤثر في مصالح الشركات النفطية".
ولفت شيرواني إلى أن "عقود الإقليم صيغت بشكل عقود مشاركة لكون الحقول هي حقول جديدة غير مكتشفة وغير مستثمرة، ونسب مخاطر استثمارها عالية بالنسبة إلى الشركات التي ستستثمر بهذه الحقول، ما دفع الإقليم إلى اللجوء إلى عقود المشاركة من أجل أن تكون عقوداً مشجعة".
ولفت إلى أن "أي اتفاق يجب أن يكون مفيداً للطرفين وأن تسويق النفط العراقي من جهة واحدة سيعني موقفاً أقوى للعراق كمسوق للنفط"، لافتاً إلى إمكانية أن تتكفل شركة النفط الوطنية بالتسويق، على أن تتكفل الحكومة بمصاريف الشركات النفطية وصيانة خط الأنابيب وتأمين الحراسة له.
وبين أن "تأسيس الشركة يمثل أحد الحلول، وهناك حلول أخرى يمكن أن يتفق عليها الطرفان مثل أن جزءاً من مراحل الصناعة النفطية يتم عن طريق الشركة"، مشيراً إلى "إمكانية الاعتماد على الشركات الأجنبية في مجال الاستكشاف والحفر".
وينتج الإقليم يومياً نحو 400 ألف برميل من النفط، يتم تصدير أغلبها عن طريق أنبوب إلى الأراضي التركية ومن ثم إلى الأسواق العالمية، فيما يصدر العراق نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون برميل يومياً من حقول الوسط والجنوب عبر الموانئ العراقية المطلة على الخليج العربي، فضلاً عن تصدير عشرة آلاف برميل يومياً إلى الأردن.