فاروق يوسف
ضربت صواريخ المقاومة الإسلامية مطار بغداد وأصابت طائرتين مدنيتين. تلك رسالة منتهية الصلاحية إلى القوات الأميركية التي غادرت قواعدها قبل أكثر من شهر. وهو ما يعني إذا صح مفهوم الرسالة أن تلك المقاومة قد استيقظت فجأة فلم تجد عدوها وكانت صواريخها جاهزة للإطلاق فأطلقتها من غير أن تضع في حسابها أن الهدف كان مدنيا عراقيا.
تلك ليست حادثة عابرة، بل هي التجسيد الأمثل لإستراتيجية ما يُسمى بالمقاومة الإسلامية في العراق ولبنان واليمن وغزة التي احتفلت فيها حركة حماس مؤخرا بذكرى مقتل سليماني والمهندس منددة بالسعودية ودول الخليج من غير المبالغة في الإشارة إلى القتلة.
وفي ذلك دلالة واضحة على أن المحتوى الإيراني قد تغلب على المسمى المقاوم الذي كانت الجماعات المسلحة تخفي تحته أهدافها الحقيقة. فهي مجرد جماعات ارهابية تعمل لصالح المشروع التوسعي العدواني الإيراني في المنطقة ولا علاقة لها بمقاومة الشيطانين الأكبر والأصغر اللذين تحولا إلى أهداف مؤجلة. وذلك ما يعيدنا إلى مقولة الخميني القديمة "الطريق إلى القدس يمر بكربلاء".
فحزب الله حين أدار بندقيته إلى صدور اللبنانيين بدلا من أن يوجهها إلى إسرائيل كان قد فعل ذلك استجابة لمطلب إيراني يقوم على أساس اخضاع اللبنانيين لاحتلال غير مباشر لا يمكن التخلص منه ما دامت المقاومة الوطنية الملفقة هي أداته ووسيلته. لذلك يجد اللبنانيون صعوبة في الطلب من المجتمع الدولي في التدخل ليساعدهم على التخلص من ذلك الاحتلال. وهو ما يعني أنهم سيبقون عاجزين عن التعامل مع عروض أصدقاء لبنان الجادة التي لا يمكن أن تجد طريقها إلى التنفيذ قبل أن يتم نزع سلاح حزب الله.
كذلك فإن التخلص من نظام المحاصصة في العراق الذي استفادت منه ميليشيات المقاومة يبدو أمرا مستحيلا فمن خلال ذلك النظام أدارت إيران عبر السنوات الماضية مصالحها في العراق ونجحت في أن تكرس هيمنتها من خلال قواعدها العسكرية التي تُدار من قبل الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني. ولهذا فإن كل ما يتمناه العراقيون يصطدم بجدار صواريخ المقاومة الجاهزة للإطلاق في أي وقت. ذلك لأن أي حكومة مهما كان شكلها سيكون مصيرها أن تتخلى عن برامجها في الاصلاح ومحاربة الفساد ما دام سلاح المقاومة الإسلامية جاهزا للاستعمال دفاعا عن المحتوى الإيراني.
سيكون التغيير شكليا. وهو العرض الذي يقدمه لبنان إلى العالم العربي من خلال حكومة ميقاتي التي لم تنجح إلا في إقالة وزير الإعلام جورج قرداحي الاختيارية. وهي إذ تذهب إلى المفاوضات مع دول عربية بعينها فإنها لا تملك ما تقدمه في مقابل استعادة ثقة تلك الدول. فسلاح المقاومة أمر لا يُناقش وسيكون على رئيس الوزراء اللبناني إن يصف الواقع باعتباره قدرا لا يمكن تخطيه أو العمل على إزاحته عن الطريق. سيبقى البلد معاقا في كل الأحوال ولن يستعيد عافيته إن كانت لديه عافية يوما ما. فالمقاومة التي تقف خارج أي معادلة وهي التي لا تعترف بالدول التي في إمكانها انقاذ لبنان لا يمكنها أن تقدم شيئا في ذلك المجال.
وإذا ما كان نوري المالكي الذي ادعى ذات يوم بأنه زعيم المقاومة في العراق مهددا بالإزاحة من الخارطة السياسية فإن ذلك لن يؤدي إلى قلب المعادلات. ذلك لأن الحشد الشعبي لا يزال محميا بقانون رسمي. وما لم يلغ العمل بذلك القانون وهو فعل بطولة فإن الحشد سيستمر في مقاومته التي تعني بالتحديد منع قيام دولة والدفع بالحكومة إلى تضييق قدرتها الخدمية بما يتناسب مع مخصصاتها الفقيرة أو التي تم افقارها بسبب عمليات الفساد المبرمج الذي تديره الأحزاب الشيعية ومَن يحيط بها من السنة والأكراد. ستستمر المقاومة في عمليات النهب الوطني ما دام سلاحها مرفوعا.
تلك قسمة لن يوافق عليها الشعب ولكن الانفجار هو الحل الشعبي البديل. وهو ما يعمل ميقاتي في لبنان والصدر في العراق على تأجيله. هناك حتمية للصدام بين الشعب والنظام. ستلعب الحكومة فيه دور الواجهة. وهو ما يعني أن أية حكومة سيتم اختيارها في العراق ستسقط مثلما هو حال حكومة ميقاتي من غير أن يسقط النظام الذي تسيطر عليه المقاومة المعنية بشؤون المصالح الإيرانية.
"إيران أولا" ذلك هو الشعار. ليست فلسطين في غزة ولا اليمن في صنعاء. فالمقاومة اليمنية التي قصفت طار أبوظبي لم تكن تفكر في مصالح اليمن كما أن مسيري التظاهرات الجنائزية في غزة فإنهم لم يفكروا في فلسطين. بالنسبة لجميع المقاومين الإسلاميين سيكون كل شيء مؤجلا إلى أن تحقق إيران أهدافها في تدمير الوطن العربي.