فاروق يوسف
توحي إيران بأنها ذاهبة إلى فيينا لتحصد ثمار عصيانها. ليس في خططها سوى التفكير في رفع العقوبات. اما الثمن فليس أكثر من العودة إلى الاتفاق الأصلي الذي سبق للولايات المتحدة أن انسحبت منه.
قد لا يكون كل ذلك إلا نوعا من حرب شائعات يُراد منها التأثير نفسيا على أطراف المفاوضات الأخرى. وقد لا تجني إيران شيئا في دورة المفاوضات الحالية بالرغم من أن الأطراف الغربية تريد لهذه القصة المزعجة أن تنتهي، لكن هل يُعقل التخلي عن كل مفردات الحوار والتشبث بالاتفاق القديم؟
حتى في حالة اليأس من إمكانية اخضاع إيران للشروط التي تقع على تماس بالاتفاق مثل نشاطات إيران التوسعية في المنطقة ودعمها للإرهاب وبرامج تطوير الصواريخ البالستية، فإن الاكتفاء بالعودة إلى عام 2015 يُعد نكسة ليس من المتوقع أن يرضخ لها الغرب. ستكون هزيمة إدارة الرئيس بايدن حينها فاتحة للكثير من التداعيات غير المريحة. وهو ما يعني انتصارا إيرانيا ساحقا يتخطى تأثيره السلبي المنطقة.
فلو افترضنا أن مشروع الهيمنة الإيرانية تُرك على حاله. فهل سيدخل ذلك في مصلحة الدول الراعية للاتفاق النووي؟ سيكون ذلك إن حصل فاتحة لكثير من الأفعال الممنهجة التي ستقرب إيران من هدفها في الحصول على السلاح النووي. فالتواطؤ على استضعاف دول بعينها في المنطقة لابد أن يشكل عنصر تشجيع للإيرانيين للاستمرار في مشاريع التسلح، بل ونشر الأسلحة في الدول التي وقعت تحت سيطرة ميليشياتهم.
ليست هناك أية مبالغة في المخاوف الإسرائيلية. تعرف إسرائيل كونها دولة نووية محجوبة ما معنى أن تتمكن دولة ذات نسيج عقائدي وأهداف توسعية مرتبطة بذلك النسيج مثل إيران من التحول إلى دولة نووية.
وليس مجازا القول إن إيران تقف اليوم عند الحدود الإسرائيلية. حزب الله وحماس والميليشيات العراقية هي إيران، بل هي الدرع الذي يحمي إيران ويقاتل نيابة عنها ويقوم بما لا ترغب إيران أن بُنسب إليها من أعمال عدوانية. وتلك حقيقة لا يمكن أن تغيب عن ذهن المفاوض الغربي.
وإذا ما كانت إسرائيل في إعلانها عن جاهزيتها لإجهاض المسعى الإيراني لامتلاك السلاح النووي فذلك ليس معناه أنها باتت يائسة من العقل البراغماتي الغربي الذي يعمل جاهدا لإنهاء المسألة النووية الإيرانية. اما أن تكون إسرائيل غير مطلعة على الأفكار الغربية في ذلك الشأن فتلك مسألة تخضع إلى الكثير من الجدل وليس من المتوقع أن تجري الأمور في ذلك السياق.
ربما يعزف الغرب عن النظر إلى مصير الدول العربية إلا في سياق الحفاظ على مصالحه التي قد تتعهد إيران ضمن بنود سرية بالحفاظ عليها، ولكن الامر ليس كذلك بالنسبة لمصير الدولة العبرية.
فإسرائيل هي مجموعة المصالح الغربية في منطقة الشرق الأوسط. بل أن مصير إسرائيل هو مصلحة غربية جوهرية والمصلحة الإسرائيلية تقف فوق كل المصالح في المنطقة. ذلك ما لا يحتاج العرب دليلا على مصداقيته. لقد عرفوه في الحرب والسلم معا. في النزاعات والمفاوضات على حد سواء. أينما تكون المصلحة الإسرائيلية يقف الغرب. فهل سيكسر الغرب تلك المعادلة من أجل نظام الملالي الذي مهما بلغ سلوكه الثعلبي من مراوغة ودهاء واحتيال وكذب لا يمكن أن يكون موقع ثقة لأحد. فكيف إذا كان ذلك الأحد قد مارس عبر عصوره الاستعمارية كل صنوف التزييف على الشعوب.
اللعبة إذاً تبدو مكشوفة.
ما صار جاهزا على الطاولة أن المشروع التوسعي الإيراني قد وصل إلى ذروته. لقد صارت لإيران جيوش على البحرين. البحر المتوسط والبحر الأحمر فانتقلت من مرحلة الدولة التي تهدد عن بعد إلى مرحلة الدولة التي تحتل وتربطها حدود مشتركة مع إسرائيل، ولكن ماذا كانت النتيجة؟
لقد فشل المشروع الإيراني حين تحولت الدول التي تم وضعها تحت الابط الإيراني إلى دول فاشلة عاجزة عن القيام بوظائفها الأساسية وهو ما ألقى باللائمة على الطبقة السياسية الموالية لإيران التي اشاعت الفساد ولم تنظر بعين الاعتبار إلى القيم الوطنية والإنسانية كما أنها أهملت كل ما يتعلق بوظيفة الدولة في صيانة البنية التحتية. ناهيك عن أنها تحولت إلى فيلق مدافع عن إيران في المحافل العربية.
لقد فشل المشروع الإيراني وهو الآن في لحظات احتضاره الأخيرة.
فهل علينا أن نصدق أن الغرب سيسارع إلى انقاذ ذلك المشروع من خلال عقد اتفاق تآمري مع إيران تحت لافتة الاتفاق النووي؟
سيكون ذلك التصرف الصادم ممكنا لو أن الدول العربية وحدها كانت الضحية، ولكن إسرائيل ستفسد كل شيء. ذلك ما يفتح في المنطقة أبواب مستقبل مختلف.