فاروق يوسف
تنطوي المنازلة بين الميليشيات الإيرانية والولايات المتحدة في العراق على الكثير من عناصر السخرية والابتذال والضحك الرث على العقل.
تبدو القوة الأعظم وكأنها تخف مسرعة لملاقاة هزيمتها في الصفحة الأخيرة من صفحات احتلالها للعراق. ولكن من سيهزمها بعد أكثر من ثمانية عشر عاما من غزوها العسكري الذي دمر دولة وفتك بشعب ومزق مجتمعا وألغى تاريخا ووضع مستقبل أجيال في فم الشيطان؟
ستهزمها عصابات هي عبارة عن شراذم من اللصوص والقتلة والمحتالين والخارجين على القانون، لا مشروع وطني لديهم ولا تجمعهم بالعراق أية صلة، سوى أنهم عراقيو الجنسية.
لو كانت هزيمة الولايات المتحدة متاحة بمثل هذه السهولة لما تعذبت واحتارت وعانت وتحطمت الشعوب التي قُدر لها أن تقع في الفك الأميركي المفترس.
يُقال إن المصالح الأميركية في العراق تُقصف بمئات الصواريخ والولايات المتحدة تظل صامتة وهي تعرف أن إيران هي التي تقف وراء ذلك القصف. ما هذا الردح المشبوه؟ هل جربت الصين أو الاتحاد السوفييتي السابق أن يمسا طرفا للولايات المتحدة؟ فكيف يُسمح لإيران بأن تأمر صبيانها بضرب القوات والسفارة الأميركية في بغداد؟
الأمر ليس جادا بالتأكيد. الأميركان في مزاج مسرور لكي يتلقوا القصف كما لو أنه نوع من الألعاب النارية المبهجة. الأسوأ من كل هذا أنهم يفكرون في الانسحاب استجابة لقرار تلك الميليشيات الصارم.
الولايات المتحدة تخشى على أفراد قواتها من الموت. روح الأميركي عزيزة. صبيان إيران عزموا على قتل كل أميركي تسول له نفسه البقاء في العراق. ذلك هو نص بيان الميليشيات التي لا يُخيفها التفوق العسكري الأميركي. لا بأس أن تكون ذبابة فإنك ستهزم فيلا. الفيل يقول ذلك.
يوم كان دونالد ترامب رئيسا جعلت ضربة أميركية واحدة حزب الله العراقي يعلن حالة اليتم الأبدي. لقد كان هناك حداد وطني بعد تلك الضربة.
ولو لم يكن هناك ترامب لما تم قتل قاسم سليماني وهو واحد من أخطر زعماء الإرهاب في العصر الحديث. كان ذلك الحدث إنجازا حقيقيا لأميركا التي اعتادت أن تصنع الأحداث الزائفة بمهارة واتقان. لا ينافسها في ذلك أحد.
فما هذه الحثالة التي تطردها من العراق؟
ثم ما حجم قواتها التي ستقوم بسحبها بعد أن كانت قد انسحبت من العراق عام 2011 تاركة إياه بلدا مخربا، مهدما، منسوفا لا أسباب للحياة فيه ولا يمكن أن تقوم فيه مظاهر حقيقية للمدنية في ظل نظام طائفي برعت الولايات المتحدة في التخطيط له واقامته واختيار الطاقم الذي يقوم بإدارة السلطة فيه ونهب الثروات في الوقت نفسه؟
منذ مجلس الحكم (عام 2003) تبين أن الولايات المتحدة قد وقعت على صيدها الثمين. الأحزاب التي ستكون بمثابة ترجمان محلي لها. كانت الغنيمة مهمة بالنسبة لزعماء تلك الأحزاب والفريسة التي هي العراق غنية بثرواتها. ذلك من جهة ومن جهة أخرى فقد تم تنشيط غريزة الانتقام البدائية لدى الحزبيين وهو ما استفادت إيران منه كثيرا في تطبيع ابتذالها السياسي والأخلاقي في مجال الثأر من العراقيين الذين ساهموا في الدفاع عن بلدهم إبان حرب الثمان سنوات فكان أن بدأت عملية تصفية حساب إيرانية مع كبار الضباط والطيارين والمهندسين والأطباء العسكريين العراقيين.
إيران كانت موجودة في العراق منذ اليوم الأميركي الأول للغزو. ربما سيُقال إن الولايات المتحدة كانت على درجة كبيرة من البلاهة والسذاجة بحيث سمحت لإيران بالتسلل. ذلك كلام ساذج.
لم ترغب الولايات المتحدة أن تكون وحدها في العراق. لابد من شركاء في الجريمة. ومَن سوى إيران يتلذذ في تدمير العراق وتعذيب العراقيين؟
أعتقد أنها اختارت الشريك المضبوط. سيقوم ذلك الشريك بكل الأعمال القذرة التي لا يسمح بها القانون الأميركي أو يُحاسب عليها القانون الدولي.
في سياق تلك المعطيات كان التعامل مع إيران مباشرا. لقد خدمت إيران المشروع الأميركي في تدمير العراق. أتمت من خلال ميليشياتها ما كانت القوات الأميركية قد بدأته. بل أن ما فعلته إيران يفوق من جهة ضرره بالعراق ما فعلته الولايات المتحدة مئات المرات. وبذلك تكون الولايات ممتنة لإيران التي وجدت في الغزو الأميركي مناسبة للتمدد تجسيدا لمبدأ تصدير الثورة.
كل ذلك يكذب اسطورة الفشل الأميركي قي العراق بضمنه الهزيمة التي ستحقق للميليشيات الإيرانية انتصار ساحقا على أعظم قوة عسكرية في الكون. فالعراق الأميركي لا يزال قائما لكن بعمامة إيرانية.