سهى الجندي
يلتزم الكثيرون جانب الصمت إزاء ما يحدث في غزة لظنهم أن ايران هي التي حركت غزة لخوض هذه الحرب مغفلين أن شرارة الحرب كانت أزمة أراضي حي الشيخ جراح، وهم بذلك يجعلون الجماهير مؤيدين لحماس وكارهين لباقي الشعب الفلسطيني، وهذا يعزز الموقف الايراني، ويجعل المحايدين مكروهين ومحتقرين، بينما الحقيقة أن ايران لا تهمها فلسطين، وغزة تدافع عمن أراد الصهاينة مصادرة بيوتهم، ولو أن كل الفلسطينيين ينخرطون في المعركة الدائرة فسوف يسحبون البساط من تحت أقدام ايران.
إن ترك غزة تحت النار بمفردها يُظهر ايران على أنها البطل الذي يقف مع غزة وحقها في المقاومة ويظهر بقية الفلسطينيين بأنهم متقاعسون، وهذا ما تريده ايران وحزب الله من خلفها الذي يقف متفرجا. إن هذه فرصة للإثبات للعالم أن القضية الفلسطينية ليس لها علاقة بايران وأن الفلسطينيين جميعهم مقاومون منذ احتلال الصهاينة لأرضهم، وقبل ظهور ايران على مسرح القضية الفلسطينية.
لقد جاءت الفرصة، فاليوم يوجد طوفان من التأييد العالمي للحق الفلسطيني، وغزة تمطر الصهاينة بالنار، وعلى فلسطينيي الضفة والداخل المقاومة بالسلاح والإضرابات العامة وبأي وسيلة متاحة لهم، وسوف تكون النتيجة فعالة وحاسمة. فالفلسطينيون الموجودون بين الصهاينة لديهم فرصة أكبر من الغزيين، لأن عدوهم بينهم وأقرب إليهم، ويمكن محاربته بالسلاح والحجارة والدهس والطعن والإضراب والاعتصام ولا مجال للحياد لأنه يخدم ايران ويرفع من شأنها بين العرب ويكسبها ولاء الشعوب لها.
ليس في الأمر عاطفة مشحونة، بل هو ربط للأحداث ونتائجها، والموقف الفلسطيني والعربي الحالي عموما يسير نحو تعزيز موقف ايران واذا كان قادة العرب مكبلين، فالمقاومة الفلسطينية بجميع تياراتها ليست مكبلة ولا شأن لها بمواقف ايران والعرب فهذه مقاومة شعبية وهذا صراع وجودي وأي تخاذل من جانب الفلسطينيين سيسجله التاريخ ويعمق الانقسامات بل والحقد والكراهية، ويعزز موقف اسرائيل وايران وحزب الله، وسوف تعاني الدول العربية مر المعاناة حين تقتنع الشعوب أن ايران هي التي دعمت غزة في حربها مع الصهاينة وتهتز ثقتهم بحكوماتهم وربما يقتنعون أن ايران فعلا "شريفة".
إن كل مشاكل العرب أساسها الانقسام وهو متجسد في الميليشيات المنتشرة في بلدان العرب وحرب غزة اليوم تغذي الانقسام وترفع من شأن ايران، فمن الحكمة عدم إعطائها هذه الفرصة والانخراط الكامل مع غزة في حربها ضد الصهاينة وهذا هو الأصل، فلا علاقة لايران بالقضية الفلسطينية والحكومات لا تستطيع نجدة غزة وليس هناك امام الفلسطينيين سوى هبة واحدة والمشاركة الكاملة في المعركة الدائرة.
ها هو حزب الله يقف متفرجا ولم يشارك بطلقة واحدة، على الرغم من قربه من تل أبيب، ولكنه يقاوم بمفرده لكي لا يكون جزءا من المقاومة الفلسطينية، وايران التي تحملت القصف الاسرائيلي في سوريا ولم ترد بأي فعل تثبت أنها ليست معنية بمحاربة إسرائيل. إذا ضاعت هذه الفرصة، فلن تجدي الاشتباكات المتفرقة أي نفع.