فاروق يوسف
هل تملك سوريا حق الاعتذار عن الصاروخ الذي سقط بطريقة غير متعمدة في صحراء النقب، قريبا من مفاعل ديمونا النووي؟
ولكن إسرائيل لم تكن في حاجة إلى سقوط ذلك الصاروخ لتشن عددا من الهجمات الجوية على محيط العاصمة السورية.
لقد سبق لها أن قامت بمئات الهجمات بحيث أن البيانات السورية لم تعد تتحدث عن حق الرد في زمن مناسب.
ما صمت عنه السوريون هو أن الطائرات الإسرائيلية نادرا ما كانت توجه ضرباتها نحو أهداف عسكرية سورية خالصة. أما أن تكون تلك الأهداف مخازن أسلحة وتجمعات إيرانية أو قواعد ومعسكرات لحزب الله.
ربما تشعر الدولة السورية بالاحراج لأنها لا تشارك في حرب متقطعة تجري على أرضها. ربما أثقلها ضيوفها بشعور بالذنب، صار نوعا من الابتزاز الذي يلزمها بقبول ما يُملى عليها من الإيرانيين وحلفائهم من شروط صارت تضيق بها بسبب كلفتها الباهظة.
وإذا ما كان الرئيس السوري قد انجر في السابق وراء حماسات طفولية نكاية بالمعارضة فاعتبر الإيرانيين الذين شاركوا إلى جانبه في الحرب الأهلية مواطنين يتمتعون بكل ما يتمتع به المواطن السوري من حقوق فإنه اليوم صار أقرب إلى الموقف الروسي الذي يميل إلى التخلص من العبء الإيراني الذي صار ثقيلا بسبب تعارضه مع الرؤية الإسرائيلية المبنية على أساس اتفاق سابق، تعهدت روسيا بموجبة بالحفاظ على سلامة وأمن الاراضي الإسرائيلية.
ولكن إسرائيل ترى من الخطر ما لا تراه روسيا.
وليس نوعا من المبالغة القول إن الرؤية الإسرائيلية صارت هي الأساس في وجهة النظر السورية ــ الروسية في ما يتعلق بالوجود العسكري الإيراني على الأراضي السورية.
ما لا تحتاجه سوريا أن تستمر إسرائيل في توجيه ضربات لمواقع عسكرية أجنبية تقع على أراضيها. وما لا تحتاجه روسيا أن تستمر في قلقها المتعلق بضبط حركة إيران العسكرية بعد أن انتهت الأخيرة من العمليات العسكرية داخل الأراضي السورية.
وقد يكون نوعا من الفضيحة بالنسبة للنظام السوري أن تستمر إسرائيل في القصف من غير أن تتلقى ردا مناسبا. فدولة الممانعة لا تملك القدرة على الرد اضافة إلى أنها لا ترغب في ذلك الرد.
ما لا تدركه إيران أن سوريا قد تغيرت. لم يتغير شعبها وحده بل تغير نظامها أيضا. لم يعد وزير خارجيته وليد المعلم قادرا على القاء دروس عنيدة في المقاومة. لقد مات الرجل وترك منصبه لرجل عملي أصابته العقوبات الأميركية قبل أن يكشف عن أوراقه.
كان من المحتم أن يتحرر النظام السوري من العبء الإيراني من أجل أن ينظر بعينين صافيتين إلى الحقيقة. حقيقة ما انتهت إليه سوريا وحقيقة ما يحتاجه النظام من أجل أن يبقى بعيدا عن الحماية الروسية. فما يُقال عن سوريا باعتبارها بلدا محتلا لا يخون الواقع. ولكن الاكتفاء باحتلال واحد أهون من تحمل احتلالين. تلك هي لغة نظام سياسي متهالك كاد أن يزول لولا الفوضى التي حدثت أمامه بعد أن أطاحت بالثورة.
بعد عشر سنوات من الحرب العبثية التي مزقت سوريا وشردت شعبها بدا واضحا بالنسبة للنظام أكثر من سواه الدور التخريبي الذي لعبته إيران وأتباعها من الافغان واللبنانيين والعراقيين وصار لزاما عليه أن يقبل بالحلول الروسية التي تخرجه من نطاق دائرة الانتقام الإسرائيلي. ذلك ما يعني أن النظام السوري صار متفهما لتسويات عملية هي أكثر انسجاما مع حاجة سوريا للنظر إلى مستقبلها وبالأخص على مستوى إعادة اعمارها.
وليس مستبعدا أن تكون روسيا قد طرحت على النظام أن يقوم بإعادة النظر في مواقفه السياسية التي لم تعد تنسجم مع الواقع الذي تعيشه المنطقة. فإذا كان النظام قد انتهى إلى أن يجر عربة محطمة اسمها سوريا فقد آن له أن يتوقف ليتعرف على نفسه.
فإذا كان النظام حريصا على سيادة سوريا واستقلالها فما عليه سوى أن يتحرر من الشعارات القديمة التي أطاحت بها الحرب الأهلية التي كشفت عن أن الشعب كان في مكان فيما كان النظام السياسي في مكان آخر.
ليس في إمكان النظام السوري اليوم أن يبتز العالم بموقفه المعتدل من السلام وبتخليه عن معسكر المقاومة التي تقوده إيران غير أنه سيكون ذكيا لو أبعد عن سوريا تلك المواجهة العبثية بين إسرائيل وإيران وقرر أن ينأى بنفسه عنها من خلال اعلان صريح عن تفهمه للواقع ورغبته في الانتقال بسوريا إلى فضاء مفتوح بدلا من الانغلاق على شعارات الممانعة التي ثبت زيفها.