في مارس/آذار الماضي اشترى شاب من سنغافورة عملا رقميا للفنان الأميركي مايك وينكلمان المعروف باسم بيبل مقابل 69,3 مليون دولار إثر مزاد لدار كريستيز، في مؤشر على بداية فصل جديد في تاريخ الفن، أي الفن الرقمي.
لكن ما الذي يجعل الشاب البالغ من العمر 32 عامًا والذي يعيش في شقة عادية، ولا يمتلك أي عقار أو سيارة يدفع مثل هذا المبلغ في لوحة رقمية!
يقول فينيش سوندارسان الهندي المولد والمعروف أيضا باسمه المستعار ميتاكوفان إنه اشترى العمل الذي يحمل عنوان "إفريدايز: ذي فيرست 5000 دايز" لتسليط الضوء على كيفية قيام العمل الافتراضي بتأسيس نفسه كنوع إبداعي جديد.
والعمل الفني هو تجميع رسوم ثابتة ومتحركة أنجزت يوميا على مدى خمسة آلاف يوم على التوالي، ويجسد الرقم القياسي لسعر اللوحة الأهمية المتزايدة لتقنية التوثيق الجديدة التي تستعين بتكنولوجيا "بلوك تشين" (سلسلة الكتل) المستخدمة في العملات الرقمية والتي تُقدّم على أنها الحل المثالي للاستغناء عن النسخ التي تشكل أحد العوائق أمام تطوير سوق الفن الرقمية.
وتتيح هذه التقنية طرح أعمال فنية، وأي سلعة أخرى يمكن تصورها عبر الإنترنت، من الألبومات الموسيقية إلى تغريدات لشخصيات، عن طريق أسلوب تشفير يُعرف بالرموز غير القابلة للاستبدال (ان اف تي).
وتشمل هذه التسمية التي بدأ استخدامها في 2017 كل قطعة رقمية يمكن توثيق هويتها وأصالتها والقدرة على تعقبها بصورة لا تحمل اللبس أو الطعن.
ومنذ حوالى ستة أشهر، دخلت رموز "ان اف تي" في قاموس عدد أكبر من مستخدمي الإنترنت، في ظل تزايد عدد الفنانين وهواة الجمع وأصحاب المشاريع الراغبين الإفادة من هذا المنحى.
ويتيح نسق "ان اف تي" (نان فانجيبل توكنز)، منح شهادة تثبت أصالة أي منتج رقمي سواء أكان صورة أو رسماً تعبيرياً أو فيديو أو مقطوعة موسيقية، أو مقالة صحافية أو سوى ذلك.
وهذه الشهادة غير قابلة للخرق أو النسخ نظريا، وهي مصممة وفق تكنولوجيا "بلوك تشين" المستخدمة في تشفير العملات الرقمية مثل البتكوين.
ووفقا لفرانس 24، يدافع سونداريسان عن الثمن الذي دفعه مقابل العمل الفني الذي حول مبتكره وينكلمان، إلى ثالث أغلى فنان حي.
يقول رائد الأعمال في مجال تقنية البلوك تشين "اعتقدت أن هذه القطعة مهمة للغاية، فهي كقطعة بحد ذاتها رائعة، ولكنها تؤشر إلى رمزية الثورة الحاصلة في سوق بقيت سرية لفترة طويلة".
ومع رموز "ان اف تي"، يرى الكثيرون فرصة لتحقيق الدخل من الفن الرقمي بجميع أنواعه، مما يوفر لهواة الجمع حقوق التباهي بالملكية النهائية، حتى لو كان من الممكن نسخ العمل إلى نسخ كثيرة.
ويقول سونداريسان إن شراء عمل بيبل كان مرهقًا عاطفياً، فقد استمر البيع في مزادات كريستيز لمدة أسبوعين، حيث بدأ السعر من 100 دولار فقط ، وقام 22 مليون شخص بتسجيل الدخول لمشاهدة اللحظات الدرامية الأخير، وهو رقم قياسي ثان في أول حدث من نوعه تنظمه دار مزادات كبرى على عمل رقمي بالكامل.
ويضيف "لم أكن أعتقد أن هذه المنافسة ستحصل حقا في الواقع، فإنفاق هذا المبلغ الكبير بالنسبة لي صعب للغاية."
ويخطط سونداريسان لعرض فنه الرقمي في معرض افتراضي يتيح للجميع الذهاب إلى طوابق مختلفة وإلقاء نظرة على هذا الفن".
ويقول سوندارسان إنه شعر بعلاقة شخصية مع "أول 5000 يوم" حيث تعكس قصته قصة بيبل إذ بدأ كلا الرجلين كهاويين نسبيين في مجالهما ولكنهما حققا النجاح بعد سنوات من العمل الشاق.
بدأ بيبل مشروعه في عام 2007، عندما كان مصمم مواقع ويب يشعر بالملل، ويبتكر عملاً فنياً كل يوم.
وقال سوندارسان: "لقد كبر كل يوم، لقد عمل 13 عامًا حتى وصل إلى هذه النقطة، لقد شعرت بعلاقة الروح معه".
كطالب هندسة في المرحلة الجامعية، يقول سوندارسان إنه لا يستطيع حتى شراء جهاز كمبيوتر محمول.
حاول إنشاء العديد من خدمات الويب التي فشلت، لكنه حصل على استراحة من خلال تأسيس شركة للعملات المشفرة في عام 2013.
والآن هو الرئيس التنفيذي لشركة استشارات تكنولوجيا المعلومات، وينفي أن تكون عملية الشراء الأخيرة التي قام بها بمثابة حيلة لرفع قيمة تقنية التشفير "ان اف تي" الأخرى، كما اتهمه بعض النقاد، ويصر على أنه يحاول مساعدة الفنانين.
وتتزايد شعبية هذه التقنية المشفرة ببطء، لكنها لم تتصدر عناوين الأخبار إلا بعد بيع أحدث أعمال بيبل الذي بات من الفنانين أصحاب الأعمال الأعلى ثمنا خلال حياتهم في العالم، بما يشمل كل الوسائط الفنية.
ومع أن الفن الرقمي موجود منذ عقود، إلا أن ظهور "إن إف تي" طمأن هواة الجمع في شأن أخطار النسخ، فمن الممكن نسخ عمل رقمي، ولكن من غير الممكن التلاعب بشهادة "إن إف تي" التي تباع معه.
ويقر معظم الخبراء بأن فهم تكنولوجيا "إن إف تي" لا يزال صعباً نظراً إلى أنها جديدة جداً.
ويمكن شراء أكثرية السلع الرقمية المشفرة بنسق "ان اف تي" من خلال عملات رقمية، وهو ما حصل مع عمل بيبل الأخير.