Skip to main content

السينما الإيرانية تتفوق في خورشيد

إحدى بطلات فيلم أطفال الشمس الإيراني
AvaToday caption
ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها صنّاع السينما في إيران للاستعانة بالأطفال كممثلين لتقديم أفلام تبدو بسيطة ظاهرياً، لكنها تحمل دلالات شديدة العمق تتعلق بأفكار سياسية أو وجودية أو تحررية كبرى
posted onMarch 27, 2021
nocomment

كوليت بهنا

تحفل السينما العالمية بعشرات الأسماء لنجوم من الجنسين اكتشفت مواهبهم في سن مبكرة تراوحت بين الأربع سنوات وسن اليفاعة. تجارب ثرية لأطفال توقف بعضها عند حدود المشاركات الأولى مثل نجمة هوليوود الراحلة شيرلي تمبل، فيما ترسخت مواهب العديد منهم لاحقاً وحققوا نجومية استثنائية مثل جودي فوستر التي خطت خطوتها العالمية الأولى في فيلم تاكسي درايفر للمخرج مارتن سكورسيزي.

في حزمة أفلام هذا العام المرشَّح بعضها للمنافسة على جوائز الأوسكار نهاية شهر أبريل القادم، توقف الجمهور والنقاد معاً بدهشة عند وجوه جديدة لممثلين يافعين وصغار، لم يكتفوا بلفت الأنظار لمواهبهم الواعدة فقط، بل نافس بعضهم على جوائز كبرى في مهرجانات عالمية كان آخرها جوائز غولدن غلوب، مثل الطفلة هيلينا زينغل 12سنة عن دورها في فيلم News of the World والكوري آلان كيم 7 سنوات عن دوره في فيلم Minari ، فيما استأثر أبطال الفيلم الايراني خورشيد Khorshid  بالاهتمام الأكبر لبطولتهم المطلقة فيه.

مشاركة الأطفال في أي فيلم سينمائي،  تكون في المعتاد إما بحضور هامشي غير مؤثر، أو مشاركة جانبية فاعلة بعض الشيء تتطلبها ضرورات القصة الموجهة للكبار، أو تصمم كركيزة أداء لقصة فيلم تتوجه في رسالتها نحو الأطفال حصراً، أو تبنى القصة على حضورهم الرئيسي وتتوجه في رسالتها الكونية نحو جميع الفئات العمرية.

في الفيلم الإيراني خورشيد المتداول عالمياً تحت اسمين مضافين The Sun وSun Children، والذي رشح من بين 90 فيلماً إيرانياً لتمثيل بلاده في مهرجان الأوسكار القادم، ينجح مخرجه مجيد مجيدي عبر بنية قصته المؤسسة كلياً على بطولة الأطفال، في مزج جميع الأهداف وتحقيق فيلم خاص مؤثر يستهدف العالم دون تمييز.

حيث يبدو مجيدي بعد فيلمه السابق أطفال السماء 1997،  مستمراُ في شغفه بقضايا  الطفولة، مهموماً بها ومتبنياً لها، مستكملاً سعيه لإيصالها للعالم كصرخات تحذيرية جادة وغير ضاجة، مؤمناً أن الصناعة السينمائية يمكن أن تلعب دورها المسؤول والنبيل في هذا المضمار وتنقلها كواحدة من أبرز الأدوات الفنية طواعية وأكثرها عالمية.

في مقدمة خورشيد الذي يتمحور حول عمالة الأطفال، يُذكِّرنا مجيدي بوجود 152 مليون طفل عامل حول العالم وفقاً للإحصاءات الرسمية. ولإثبات هدفه من التركيز على هذا الرقم المرعب كقضية تؤرقه ويجب أن تؤرق العالم بأسره، لن يلجأ إلى الاستعانة بأطفال عاديين يمثلون نصاً من خارجه، بل سيقتحم العالم الحقيقي لأطفال الشوارع، وينتقي أبطاله من بين آلاف الفقراء والمشردين ممن يراهن على مقدرتهم منح قصته المصداقية المرجوة.

وسينجح في النهاية في إهداء عالم السينما نجمين فتيين جديدين ومدهشين للغاية، ينقلهما كساحر بشكل غير مجازي من قسوة الشارع إلى أكبر مهرجانات العالم، وهما الفتى روح الله زمانيساجيلو 14 عاماً بدور علي الذي استحق جائزة أفضل ممثل شاب في مهرجان البندقية  الأخير، والطفلة شامة شيرزاد 13 عاماً، وهي لاجئة أفغانية تعمل في قطار الأنفاق.

ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها صنّاع السينما في إيران للاستعانة بالأطفال كممثلين لتقديم أفلام تبدو بسيطة ظاهرياً، لكنها تحمل دلالات شديدة العمق تتعلق بأفكار سياسية أو وجودية أو تحررية كبرى، مثل فيلم البالون الأبيض لجعفر بناهي الذي حصد جائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان السينمائي 1995.

بدوره، لايخرج فيلم خورشيد-أطفال الشمس عن السياق ذاته، والذي قد يبدو ظاهرياً فيلماُ بسيطاً في قصته الشيقة التي تتحدث عن البحث عن كنز مخفي تحت أساسات بناء قديم يستعمل كمدرسة مجانية لأطفال الشوارع المشردين.

لكنها البساطة المعقدة التي ستكشف عن عمقها شيئاً فشيئاً، بما يشبه الحفر الحقيقي في أساسات النفس البشرية للعثور على الكنز الكامن في التنوير الذي يحققه تعليم الأطفال، وكاشفاً في الوقت ذاته عفن واهتراء الطبقات المتراكمة التي تشكل أساس هياكل الأنظمة والسلطات المعنية التي تتهرب من مسؤولياتها تحت ذرائع مختلفة وتقضي بتقصيرها على حيوات أجيال متتالية مسحوقة.

كل من يعمل في الصناعة الدرامية بأشكالها، يدرك مسبقاً حجم الصعوبة والتحديات التي ستواجهه حال مغامرته بمشاركة أطفال في العمل، لكن الفنون تستحق دوماً الشجاعة والمغامرة لأجل تجديدها وضخ دماء شابة فيها، والإفساح في المجال لمواهب واعدة قد تكون مخفية كالجواهر تحت الطين،  وبخاصة إن تمكنت هذه المواهب الشابة من خدمة قضاياها بشكل مباشر، وهو ماحققه مجيدي في خورشيد- أطفال الشمس تحديداً.