في تطور خطير قد يرفع من درجة التوتر الأمني، استهدفت عدة صواريخ ليل أمس الاثنين، قاعدة جوية في كوردستان العراق تؤوي جنودا أميركيين، أصاب ثلاثة منها المطار الدولي غير أن مجموعة أخرى سقطت على أحياء سكنية.
وذكرت الداخلية في إقليم كوردستان العراق أن "الأسلوب المستخدم في هجوم الليلة الماضية يشابه ذلك الذي وقع على مطار أربيل سابقا".
وكانت ستة صواريخ سقطت بالقرب من مطار أربيل، في 30 سبتمبر الماضي، دون وقوع أي ضحايا.
واتهمت حينها القوات الكوردية بشكل مباشر الحشد الشعبي بالمسؤولية عن إطلاق الصواريخ، بالمقابل قالت خلية الإعلام الأمني العراقية إن المنفذين هم "مجموعة إرهابية".
بدورها، زعمت ميليشيا تطلق على نفسها اسم "سرايا أولياء الدم" مسؤوليتها عن الهجوم الصاروخي، بحسب بيان نُشر على منصات التواصل الاجتماعي.
ولكن مسؤولين أمنيين صرحوا لوكالة "فرانس برس" أن اسم هذه المجموعة مجرد "واجهة" لفصائل مسلّحة معروفة موالية لإيران تريد انسحاب القوات الأجنبية من العراق.
وكان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده قال إن طهران "تعارض أي أعمال تضر بأمن العراق".
وشدد زاده على أن "إيران تعتبر استقرار العراق وأمنه مسألة حاسمة بالنسبة للمنطقة، وترفض أي عمل يخل بالأمن والسلام في ذلك البلد". ودان ما وصفه بأنه "محاولات مريبة لنسب الهجوم إلى إيران".
فمن يقف وراء الهجوم؟ وما هي أبعاده السياسية في هذا التوقيت تحديداً؟
يجيب المحلل السياسي، غانم العابد، في حديث لقناة "الحرة"، بالقول "القصف الصاروخي الذي استهدف أربيل، يقف وراءه أطراف ميليشياوية اتخذت قرارها بأن تكون الفوضى هي الحل من أجل تعقيد المشهد، مستغلة الخلافات السياسية حول الموازنة بين الإقليم والحكومة المركزية في بغداد".
واعتبر العابد أنّ "القصف سيكون له ارتدادات كبيرة في المجتمع الدولي، والإقدام على هذه الخطوة يعني أنّ العراق ينتظره وضع متأزم بشكل أكبر، وهذه الأزمات لن تكون الأخيرة"، مشيراً إلى "إمكانية استخدام الأراضي العراقية كمنطلق لاستهداف المصالح الأميركية في دول الخليج".
وأعرب عن مخاوفه من "مستقبل مظلم للعراق إذا لم تتخذ الحكومة موقفاً حاسماً تجاه الميليشيات"، معتبراً أنّ "الجميع ينتظر الخطوات التي ستتخذها قوات التحالف الدولي أو القوات الأميركية في ظل وجود خسائر وتوقف المطار الوحيد في أربيل عن العمل بالكامل بشكل مؤقت".
وقال متحدث باسم الحكومة، لوكالة "فرانس برس"، إنّ مطار أربيل استأنف جدول رحلاته المعتادة ظهرا (09,00 ت غ)، بعدما كان مغلقا خلال الصباح أمام الرحلات الجوية.
كما اتهم المحلل السياسي وعضو الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الدكتور صباح صبحي، في حديث صحفي، "بعض الميليشيات الشيعية المتواجدة في كركوك بتنفيذ هجوم أربيل، حيث قاموا منذ أيام بتحركات مشبوهة، قبل أن يقوموا بهجومهم الغادر".
وشدد صبحي على أنّ "الميليشيات كانت تستهدف القوات الأميركية في المطار، الأمر الذي سيجعل الإقليم غير آمن بعد اليوم، ما سينعكس سلباً على علاقة حكومة كوردستان مع إيران، في وقت سيحصل تقارب مع القوات الأميركية وتعاون أكبر مع حكومة بغداد".
وعن الجهة التي تقف وراء الهجوم، قال المحلل الأمني، ماجد القيسي، إن "هذه العمليات الهجومية على المصالح الأميركية تقوم بها فصائل استحدثت خلال الأشهر العشرة الماضية، وعددها 9 ومنها فصيل أطلق على نفسه اسم سرايا أولياء الدم".
ولفت القيسي إلى أنّ "العملية تحمل بصمات مشابهة لتلك العمليات التي تم تنفيذها في المنطقة الخضراء من ناحية السلاح المستخدم كاتيوشا عيار 107، والذي يبلغ اقصى مدى له 8 كم".
وشدد الخبير الأمني على أنّ "الهجوم يحمل رسائل ذات أهداف سياسية فيما يتعلق بالصراع الأميركي - الإيراني، ومحاولة اللعب بالورقة الأمنية ضد واشنطن لدفعها نحو إجراء مفاوضات بشأن الملف النووي".
في المقابل، نفى مصدر في الحشد الشعبي (رفض الكشف عن هويته) أي علاقة للحشد بالهجوم، معتبرا أنّ "أربيل لا يدخلها أبناء الحشد باعتبارهم ليسوا من الكورد، وإن استطاعوا ذلك فلن يتمكنوا من إدخال السلاح".
ورفض أن يكون "الحشد والمقاومة الوطنية العراقية شماعة لتحميلها مسؤولية أي هجوم يخدم أجندات دولية، ويستفيد منه البعض دولياً وسياسياً".
وردا على سؤال عن أن اسم مجموعة "سرايا أولياء الدم" مجرد "واجهة" لفصائل مسلّحة معروفة موالية لإيران، قال: "لا نعلم أي شيء عن هذه المجموعة".
وأضاف أنّ "أي مجموعة عسكرية تتبنى عمل مسلح وتخفي رئيسها وأهدافها، فهي لعبة مخابراتية لربط العمليات الأمنية والهجومية بأسماء وهمية".
وكذلك شدد النائب عن تحالف "دولة القانون"، عمار الشبلي،على أنّ "اتهام الحشد بالوقوف خلف هذا الهجوم فيه مصلحة سياسية ليس أكثر، لاسيما أنّ الحادثة وقعت في أربيل، حيث لا تتواجد قوات من الحشد داخلها".
ولفت النائب العراقي إلى أنّ "اختراق حدود أربيل لتنفيذ مثل هذا الهجوم أمر بغاية الصعوبة، لذلك يجب على الحكومة المركزية التعاون مع الإقليم لإجراء تحقيق سريع وجدي"، مضيفاً أنّ "توجيه الاتهامات دون دليل يولد شرخاً سياسياً في وقت لا تحتمل فيه البلاد الفتن الداخلية".
وكان المتحدث باسم التحالف واين ماروتو، أكّد اليوم الثلاثاء، أن ثلاثة صواريخ ضربت المطار، ما أدى إلى مقتل موظف مدني أجنبي ولكنه ليس أميركياً.
وأصيب تسعة أشخاص آخرين بجروح، بينهم ثمانية موظفين مدنيين وعسكري أميركي، بحسب ما قاله ماروتو لوكالة "فرانس برس".
وندد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مساء الاثنين في بيان "بالهجوم الصاروخي"، متعهّداً "محاسبة المسؤولين عنه".
وأضاف أنه تواصل مع رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني لتأكيد "الدعم" الأميركي "الكامل" لإجراء تحقيق في الهجوم.
بدوره، دان بارزاني الهجوم "بأشدّ العبارات"، فيما جاء في تغريدة للرئيس العراقي برهم صالح أن "استهداف أربيل الذي أوقع ضحايا، يُمثل تصعيداً خطيراً وعملاً إرهابياً إجرامياً".
وبدأ استهداف منشآت عسكرية ودبلوماسية غربية في العراق منذ خريف العام 2019 بالصواريخ، لكن معظم هذه الهجمات تركّزت في العاصمة بغداد.
وسبق للقوات الإيرانية أن أطلقت في يناير 2020 صواريخ بالستية على مطار أربيل، بعد أيام قليلة على اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، بضربة أميركية قرب مطار بغداد.
مذاك استهدفت صواريخ بشكل متكرر السفارة الأميركية في العاصمة العراقية، ونسب مسؤولون أميركيون وعراقيون هذه الهجمات إلى فصائل موالية لإيران.
وفي أكتوبر 2020، هدّدت الولايات المتحدة بأنها ستغلق سفارتها في بغداد في حال استمرّت الهجمات الصاروخية.
ومنذ أن أعلن العراق الانتصار على تنظيم داعش في أواخر العام 2017، قلّص التحالف الدولي عديد قواته في العراق إلى ما دون 3500 عنصر، بينهم 2500 جندي أميركي.
وتتمركز غالبية القوات الأجنبية في المجمع العسكري في مطار أربيل بحسب مصدر في التحالف.