تشهد إيران تغييرات مختلفة طالت كل شيء بما في ذلك الثقة في النظام الديني المتشدد، لكن اللافت أن الفئات الشبابية ذات الثقل الشعبي بدأت في مسعاها للتحرر من هذه الرؤية الدينية المنغلقة على ذاتها، والتي تبحث عن تفسيرات غيبية موغلة في الغرابة للمظاهر، وهو ما لا يقتنع به الشباب المرتبطون أكثر بالأفكار الحديثة.
وكشفت دراسة استقصائية حديثة أجراها علماء على الإنترنت في جامعتين هولنديتين عن رفض مذهل للالتزام بالنظرة المتشددة التي تفرضها الدولة المحافظة وتفسيراتها للدين ودوره في الحياة العامة.
وقالت إنها اعتمدت على عينات من 50 ألف شخص، أغلبهم يقيمون في إيران، وأظهروا أن الإيرانيين في الخطوط الأمامية لسعي المنطقة إلى التغيير الديني.
وقال بويان تميمي عرب، وهو أحد منظمي الاستطلاع الإيراني، في مقابلة “يصبح السؤال وجوديا. تريد الدولة منك أن تكون ما لا تريد أن تكونه. وقد تحولت خيبة الأمل السياسية إلى خيبة أمل دينية.. ابتعد الإيرانيون عن الدين المؤسسي على نطاق غير مسبوق”.
ويشير الاستطلاع الإيراني، الذي تموّله جماعات إيرانية لحقوق الإنسان ومقرّها واشنطن، إلى أن الشباب المسلمين، وأبناء المنطقة، المنتمين إلى الفئات العمرية الأخرى التي تتزايد شكوكها تجاه السلطة الدينية، يطمحون إلى تجارب دينية أكثر فردية وروحانية. ويمتد سعي هؤلاء من التغييرات في السلوك الديني الشخصي إلى التحول إلى الديانات الأخرى سرا لأن الردة محظورة، وفي بعض الحالات، يعاقب عليها بالإعدام.
وقال جيمس دورسي، الخبير في قضايا الشرق الأوسط والأدنى، “مع أن تراجع الأفكار المتشددة سمة مشتركة بين دول الشرق الأوسط، إلا أن الإيرانيين هم الأكثر تمردا على الأفكار الرسمية”.
وردا على الاستطلاع الإيراني، قال 80 في المئة من المشاركين إنهم يؤمنون بالله ولكن 32.2 في المئة فقط عرّفوا أنفسهم بأنهم مسلمون شيعة، وهي نسبة أقل بكثير مما هو مؤكد في البيانات الرسمية لإيران ذات الأغلبية الشيعية.
وقال أكثر من ثلث المستجوبين إنهم إما لا ينتمون إلى دين أو ملحدون أو لاأدريون. وأشارت نسبة تتراوح بين 43 و53 في المئة، حسب الفئة العمرية، إلى أن آراءها الدينية تغيرت مع مرور الوقت، وقال 6 في المئة من هؤلاء إنهم اعتنقوا توجها دينيا آخر.
وقال 68 في المئة إنهم يعارضون إدراج التعاليم الدينية في التشريعات الوطنية. ورفض 70 في المئة التمويل العام للمؤسسات الدينية بينما عارض 56 في المئة التعليم الديني الإلزامي في المدارس.
واعترف 60 في المئة تقريبا بأنهم لا يصلّون، وعارض 72 في المئة إجبار النساء على ارتداء الحجاب في الأماكن العامة.
وأظهر جزء غير منشور من الاستطلاع أن التغيير في التديّن يظهر من خلال تزايد عدد الإيرانيين الذين لا يسمّون أطفالهم بأسماء شخصيات دينية.
وكتب الصحافي نيكولاس بيلهام، مستندا إلى زيارته إلى إيران في 2019، أين احتُجز لعدة أسابيع “قد تكون طهران العاصمة الأقل تديّنا في الشرق الأوسط. يهيمن رجال الدين على عناوين الأخبار ويلعبون دور شيوخ المجتمع في المسلسلات، لكنني لم أرهم أبدا في الشارع، إلا على اللوحات الإعلانية. وعلى عكس معظم البلدان الإسلامية، يكاد الأذان يكون غير مسموع.. ويُحظر استهلاك الكحول ولكن توصيلها إلى المنزل أسرع من البيتزا”.
تتماشى نتائج الاستطلاع، فضلا عن ملاحظات المحللين والصحافيين مثل بيلهام مع ردود على مختلف استطلاعات الرأي في العام العربي خلال السنوات الأخيرة، إذ أظهرت أنه على الرغم من تعريف 40 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع للدين باعتباره أهم عنصر تأسيسي لهويتهم، رأى 66 في المئة الحاجة إلى إصلاح المؤسسات الدينية.
كما أشارت استطلاعات الرأي إلى أن الرأي العام سيدعم إعادة النظر في مفهوم الفقه الإسلامي لإزالة المفاهيم القديمة والتمييزية مثل مفهوم الكفر.
وفي إحدى الردود الأخيرة، وصف محمد مهدي مير باقري، وهو رجل دين شيعي بارز وعضو في مجلس خبراء القيادة القويّ الذي يعيّن المرشد الأعلى، الشهر الماضي كوفيد – 19 بأنه “فيروس علماني” وإعلان حرب على “الحضارة الدينية” و”المؤسسات الدينية”.
وحذّرت أستاذة تاريخ الفن في جامعة بهجة شهير في إسطنبول، نيس يلديران، مؤخرا من أن فتوى صادرة عن مديرية الشؤون الدينية، ديانت، التابعة للرئاسة تعلن فيها تعويذات شعبية لدرء “العين” التي يحرّمها الإسلام، غذت الانتقادات الموجهة إلى أحد أفضل فروع الحكومة تمويلا.
وجاءت الفتوى بعد صدور آراء دينية مماثلة تحظر صبغ شوارب الرجال ولحاهم، وإطعام الكلاب في المنزل، والوشم، ولعب اليانصيب، فضلا عن البيانات التي يُنظر إليها على أنها تقلل من إساءة معاملة الأطفال والعنف ضد المرأة أو تستخف بها.
وقد تتبّع المحللون والكتاب والصحافيون والقائمون على استطلاعات الرأي التغيرات في المواقف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال العقد الماضي.
وأشار الكاتب الكويتي ساجد العبدلي في 2012 إلى أنه “من الضروري أن نعترف اليوم بأن الإلحاد موجود ومتزايد في مجتمعنا، خاصة بين شبابنا، والدليل على ذلك موجود”.
ويجادل بويان تميمي عرب بعد تسع سنوات بأن استطلاعه الأخير “يظهر أن هناك أساسا اجتماعيا” للقلق بين الحكومات الاستبدادية التي تستغلّ الدين لتعزيز أهدافها الجيوسياسية وللحفاظ على قبضتها على مواطنيها.